{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} أي: لا تقدموا خلاف الكتاب والسنة. وقيل: لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي عليه السلام في الأضحى. وقيل: لا تصوموا قبل صومه. نزلت في النهي عن صوم يوم الشك والمعنى: لا تسبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يكون هو الذي يأمركم به {واتقوا الله} في مخالفة أمره {إن الله سميع} لأقوالكم {عليم} بأحوالكم.
{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} نزلت في ثابت ابن قيس بن شماس، وكان جهوري الصوت، وربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينادي بصوته، فأمره بغض الصوت عند مخاطبته {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} لا تنزلوه منزلة بعضكم من بعض، فتقولوا: يا محمد، ولكن خاطبوه بالنبوة والسكينة والإعظام {أن تحبط أعمالكم} كي لا تبطل حسناتكم {وأنتم لا تشعرون} أن خطابه بالجهر ورفع الصوت فوق صوته يحبط العمل، فلما نزلت هذه الآية خفض أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صوتهما، فما كلما النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار، فأنزل الله تعالى:
{إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} أي: اختبرها وأخلصها للتقوى.
{إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} نزلت في وفد تميم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفاخروه، فنادوا على الباب: يا محمد، اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فقال الله تعالى: {أكثرهم لا يعقلون} أي: إنهم جهال، ولو عقلوا لما فاخر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم} من إيذائهم إياك بالنداء على بابك {والله غفور رحيم} لمن تاب منهم.
{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ} نزلت في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً إلى قوم كانت بينه وبينهم ترة في الجاهلية، فخاف أن يأتيهم، وانصرف من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إنهم منعوا الصدقة، وقصدوا قتلي، ذلك قوله: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} أي: فاعلموا صدقه من كذبه {أن تصيبوا} لئلا تصيبوا {قوما بجهالة} وذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن يغزوهم حتى تبين له طاعتهم.
{واعلموا أن فيكم رسول الله} فلا تقولوا الباطل، فإن الله يخبره {لو يطيعكم في كثير من الأمر} لو أطاع مثل هذا المخبر الذي أخبره بما لا أصل له {لعنتم} لائمتم ولهلكتم {ولكن الله حبب إليكم الإيمان} فأنتم تطيعون الله ورسوله، فلا تقعون في العنت، يعني بهذا: المؤمنين المخلصين، ثم أثنى عليهم فقال: {أولئك هم الراشدون}.
{فضلا من الله} أي: الفضل من الله عليهم.
{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} نزلت في جمعين من الأنصار كان بينهما قتال بالأيدي والنعال {فأصلحوا بينهما} بالدعاء إلى حكم كتاب الله. فإن بغت إحداهما على الأخرى أي:تعدت إحداهما على الأخرى وعدلت عن الحق {فقاتلوا} الباغية حتى ترجع إلى أمر الله في كتابه. {فإن فاءت} رجعت إلى الحق {فأصلحوا بينهما} بحملهما على الإنصاف {وأقسطوا} واعدلوا {إن الله يحب المقسطين}.
{إنما المؤمنون إخوة} في الدين والولاية {فأصلحوا بين أخويكم} إذا اختلفا واقتتلا {واتقوا الله} في إصلاح ذات البين {لعلكم ترحمون} كي ترحموا به.
{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} الآية. نهى الله تعالى المؤمنين والمؤمنات أن يسخر بعضهم من بعض {عسى أن يكونوا} أي: المسخور منه {خيرا منهم} من الساخر، ومعنى السخرية ها هنا الازدارء والاحتقار. {ولا تلمزوا أنفسكم} لا يعب بعضكم بعضاً {ولا تنابزوا بالألقاب} وهو أن يدعى الرجل بلقب يكرهه، نهى الله تعالى عن ذلك. {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} يعني: إن السخرية واللمز والتنابز فسوق بالمؤمنين، وبئس ذلك بعد الإيمان.
{يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} وهو أن يظن السوء بأهل الخير، وبمن لا يعلم منه فسق. {ولا تجسسوا} لا تطلبوا عورات المسلمين، ولا بتحثوا عن معايبهم {ولا يغتب بعضكم بعضا} لا تذكروا أحدكم بشيء يكرهه وإن كان فيه ذلك الشيء. {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} يعني: إن ذكراك أخاك على غيبة بسوء كأكل لحمه وهو ميت، لا يحس بذلك {فكرهتموه} إن كرهتم أكل لحمه ميتا فاكرهوا ذكره بسوء.
{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} أي: كلكم بنو أب واحد وأم واحدة، فلا تفاضل بينكم في النسب {وجعلناكم شعوبا} وهي رؤوس القبائل، كربيعة ومضر {وقبائل} وهي دون الشعوب كبكر من ربيعة، وتميم من مضر {لتعارفوا} ليعرف بعضكم بعضاً في قرب النسب وبعده لا لتتفاخروا بها، ثم أعلم أن أرفعهم عنده منزلةً أتقاهم، فقال: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الآية.
{قالت الأعراب آمنا} نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة بذرايهم، وأظهروا كلمة الشهادة، ولم يكونوا مؤمنين في السر، فقال الله تعالى: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} أي: لم تصدقوا الله ورسوله بقلوبكم، ولكن أظهرتم الطاعة مخافة القتل والسبي {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله} ظاهراً وباطناً {لا يلتكم} لا ينقصكم {من} ثواب {أعمالكم شيئا} الآية. ثم بين حقيقة الإيمان والمؤمن، فقال:
{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}. أي هؤلاء هم الذين صدقوا في إيمانهم، لا من أسلم خوف السيف، ورجاء المنفعة، فلما نزلت الآيتان جاءت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلفوا بالله أنهم مؤمنون، وعلم الله غير ذلك منهم، فأنزل الله تعالى:
{قل أتعلمون الله بدينكم} الآية. أي: أتعلمونه بما أنتم عليه وهو يعلم ذلك.
{يمنون عليك أن أسلموا} وذلك أنهم كانوا يقولون لنبي الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالعيال والأثقال طوعاً، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا، فقال الله تعالى: {قل لا تمنوا علي} وقوله: {إن كنتم صادقين} أنكم مؤمنون، أي: لله المنة إن صدقتم في إيمانكم لا لكم.
{إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون}.