islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
13915

28-القصص

طسم

{طسم}.

تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

{تلك آيات الكتاب المبين} يعني: القرآن، وهو مبين للأحكام.

نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

{نتلو} نقص {عليك من نبإ موسى} خبر موسى {وفرعون بالحق} بالصدق الذي لا شك فيه {لقوم يؤمنون} يصدقون أن ما يأتيهم به صدق.

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ

{إن فرعون علا} استكبر وتعظم {في الأرض} أرض مصر {وجعل أهلها شيعا} فرقاً تتبع بعض تلك الفرق بعضاً في خدمته {يستضعف طائفة منهم} وهم بنو إسرائيل.

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ

{ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} ننعم على بني إسرائيل {ونجعلهم أئمة} قادةً في الخير {ونجعلهم الوارثين} يرثون ملك فرعون وقومه. وقوله:

وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ

{ونمكن لهم في الأرض} أرض مصر والشام حتى يغلبوا عليها من غير منازع {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} وذلك أنهم كانوا قد أخبروا أن هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل، فكانوا على وجل منهم.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

{وأوحينا إلى أم موسى} قيل: إنه وحي إلهام. وقيل: وحي إعلام.

فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ

{فالتقطه} أخذه {ال فرعون} عن الماء {ليكون لهم عدواً وحزنا} أي: ليصبر الأمر إلى ذلك {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} أي: عاصين آثمين.

وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

{وقالت امرأة فرعون قرة عين} أي: هو قرة عين لي {ولك لا تقتلوه} فإنه أتانا به الماء من أرض أخرى، وليس هو من بني إسرائيل {وهم لا يشعرون} بما هو كائن من أمرهم وأمره.

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

{وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} خالياً عن كل شيء إلا عن ذكر موسى وهمه {إن كادت لتبدي به} بأنه ابنها {لولا أن ربطنا على قلبها} قوينا وألهمناها الصبر {لتكون من المؤمنين} المصدقين بوعد الله سبحانه.

وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

{وقالت لأخته} لأخت موسى {قصيه} اتبعي أثره، فاتبعته {فبصرت به عن جنب} أبصرته من بعيد {وهم لا يشعرون} أنها أخته.

وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ

{وحرمنا عليه المراضع} منعتا موسى أن يقبل ثدي مرضعة {من قبل} أن نرده على أمه {فقالت} أخته حين تعذر عليهم رضاعه: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} يضمونه إليهم {وهم له ناصحون} مخلصون شفقته.

فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

{فرددناه إلى أمه} وذلك أنها دلتهم على أم موسى، فدفع إليها تربيه لهم. وقوله: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} ال فرعون كانوا لا يعملون أن الله وعدها رده عليها.

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

{ولما بلغ أشده} منتهى قوته، وهو ما فوق الثلاثين {واستوى} وبلغ أربعين سنةً {آتيناه حكما } عقلاً وفهماً {وعلما} قبل النبوة.

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَ

{ودخل المدينة} يعني: مدينةً بأرض مصر { على حين غفلة من أهلها} فيما بين المغرب والعشاء {فوجد فيها رجلين يقتتلان} أحدهما إسرائيلي، وهو الذي من شيعته، والآخر قطبي، وهو الذي من عدوه {فاستغاثه} الإسرائيلي على الفرعوني {فوكزه موسى} ضربه بجميع كفه {فقضى عليه} فقتله ولم يتعمد قتله، فندم على ذلك لأنه لم يؤمر بقتله فـ {قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} ثم استغفر فقال:

قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

{رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم}.

قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ

{قال رب بما أنعمت علي} بالمغفرة {فلن أكون ظهيرا للمجرمين} لن أعين بعدها على خطيئة.

فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ

{فأصبح في} تلك {المدينة خائفا} من قتله القطبي { يترقب} ينتظر الأخبار {فإذا} الإسرائيلي {الذي استنصره بالأمس يستصرخه} يستغيثه. {قال له موسى: إنك لغوي مبين} ظاهر الغواية، قد قلت بك بالأمس رجلاً، وتدعوني إلى آخر، وأقبل إليهما، {فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما} أي: بالقبطي، فظن الذي من شيعته أنه يريده، فقال:

فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ

{أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض} تقتل ظلماً، فلما قال الإسرائيلي هذا علم القبطي بالأمس، فأتى فرعون فأخبره بذلك، فأمر فرعون بقتل موسى، فأتاه رجل فأخبره بذلك، وهو قوله:

وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ

{وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} وهو مؤمن ال فرعون {قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك} يأمر بعضهم بعضاً ويتشاورون {ليقتلوك فاخرج } من هذه المدينة {إني لك من الناصحين}.

فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

{فخرج منها خائفا يترقب} ينتظر الطلب {قال: رب نجني من القوم الظالمين} قوم فرعون.

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ

{ولما توجه} قصد بوجهه {تلقاء مدين} نحوها {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} قصد الطريق، وذلك أنه لم يكن يعرف الطريق.

وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ

{ولما ورد ماء مدين}وهو بئر كانت لهم {وجد عليه أمة} جماعةً {من الناس يسقون} مواشيهم {ووجد من دونهم امرأتين تذودان} تحبسان غنمهما عن الماء حتى يصدر مواشي الناس {قال} موسى لهما: {ما خطبكما}؟ ما شأنكما لا تسقيان مع الناس؟ {قالتا لا نسقي} مواشينا {حتى يصدر الرعاء} عن الماء، لأنا لا نطيق أن نستقي وأن نزاحم الرجال، فإذا صدروا سقينا من فضل مواشيهم {وأبونا شيخ كبير} لا يمكنه أن يرد وأن يستقي.

فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

{فسقى لهما} أغنامهما من بئر أخرى رفع عنها حجراً كان لا يرفعه إلا عشرة أنفس {ثم تولى إلى الظل} أي: إلى ظل شجرة {فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير} طعام {فقير} محتاج، وكان قد جاع فسأل الله تعالى ما يأكل، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بما فعل موسى، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه، فذلك قوله:

فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

{فجاءته إحداهما} أخذت {تمشي على استحياء} مستترةً بكم درعها {قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص} أخبره بأمره والسبب الذي أخرجه من أرضه {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} يعني: من فرعون وقومه، فإنه لا سلطان له بأرضنا.

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ

{قالت إحداهما يا أبت استأجره} ليرعى أغنامنا {إن خير من استأجرت القوي الأمين} وإنما قالت ذلك لأنها عرفت قوته برفع الحجر من رأس البئر، وأمانته بأن موسى قال لها لما دعته إلى أبيها: امشي خلفي، فإنا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النساء.

قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ

{قال} عند ذلك الشيخ لموسى: {إني أريد أن أنكحك} أزوجك {إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني} تكون أجيراً لي {ثماني حجج} سنين {فإن أتممت عشرا فمن عندك} وليس بواجب عليك {وما أريد أن أشق عليك} بأن أشترط العشر {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} الوافين بالعهد.

قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ

{قال} موسى: {ذلك} الذي وصفت {بيني وبينك} أي: لك ما شرطت علي ولي ما شرطت من تزويج إحداهما. {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} لا علم علي بأن أطالب بأكثر منه {والله على ما نقول وكيل} والله شاهدنا على ما عقدنا.

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ

{فلما قضى موسى الأجل} مفسر فيما مضى إلى قوله: {أو جذوة من النار} قطعةً وشعلة من النار.

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

{فلما أتاها نودي من شاطئ} جانب {الواد الأيمن} من يمين موسى {في البقعة} في القطعة من الأرض {المباركة} بتكليم الله سبحانه فيها موسى عليه السلام، وإتيانه النبوة {من الشجرة} من جانب الشجرة {أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} والباقي مفسر فيما سبق إلى قوله:

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ

{وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين}.

اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ

{واضمم إليك جناحك} أي: يدك {من الرهب} من الخوف، والمعنى: سكن روعك واخفض عليك جنبيك، وذلك أنه كان يرتعد خوفاً {فذانك} اليد والعصا {برهانان من ربك} الآية. وقوله:

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ

{قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون}.

وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ

{ردءا} أي: معيناً.

قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ

{قال: سنشد عضدك} أي: نقويك {بأخيك ونجعل لكما سلطانا} حجةً بينة {فلا يصلون إليكما} بسوء {بآياتنا } العصا واليد، وسائر ما أعطيا.

فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ

{فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين}.

وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

{وقال موسى} لما كذب ونسب إلى السحر: {ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} يعني: نفسه، أي: ربي أعلم بي أن الذي جئت به من عنده {ومن تكون له عاقبة الدار} أي: العقبى المحمودة في الدار الآخرة.وقوله:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ

{فأوقد لي يا هامان على الطين} أي: اطبخ لي الآجر {فاجعل لي صرحا} بناء طويلاً مشرفاً {لعلي أطلع إلى إله موسى } أنظر إليه وأقف عليه. وقوله:

وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ

{واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون}.

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ

{فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين}.

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ

{وجعلناهم أئمة} قادةً ورؤساء {يدعون إلى النار} أي: إلى الضلالة التي عاقبتها النار.

وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ

{وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} وذلك أنهم لما هلكوا لعنوا، فهم يعرضون على النار غدوةً وعشيةً إلى يوم القيامة {ويوم القيامة هم من المقبوحين} الممقوتين المهلكين.

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

{ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} أي: مبيناً لهم.

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ

{وما كنت بجانب الغربي} أي: الجبل الغربي الذي هو في جانب الغرب {إذ قضينا إلى موسى الأمر} أحكمناه معه، وعهدنا إليه بأمرنا ونهينا {وما كنت من الشاهدين} الحاضرين هناك.

وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ

{ولكنا أنشأنا} أحدثنا وخلقنا {قرونا} أمماً {فتطاول عليهم العمر} فنسوا عهد الله وتركوا أمره. {وما كنت ثاويا} مقيماً {في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين} أرسلناك رسولاً وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك ما عملتها.

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

{وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} موسى {ولكن} أوحينا إليك هذه القصص {رحمة من ربك}.

وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

{ولولا أن تصيبهم مصيبة} عقوبة ونقمة {بما قدمت أيديهم} وجواب لولا محذوف، وتقديره: لعاجلناهم بالعقوبة.

فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ

{فلما جاءهم الحق} محمد صلى الله عليه وسلم {من عندنا قالوا: لولا أوتي} محمد {مثل ما أوتي موسى} كتاباً جملةً واحدةً {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} أي: فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد صلى الله عليه وسلم و {قالوا سحران تظاهرا } وذلك حين سألوا اليهود عنه فأخبروهم أنهم يجدونه في كتابهم بنعمته وصفته، وقالوا: ساحران تظاهرا. يعنون: موسى ومحمداً عليهما السلام تعاونا على السحر {وقالوا إنا بكل} من موسى ومحمد عليهما السلام {كافرون}.

قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{قل} لهم: { فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } من كتابيهما {أتبعه إن كنتم صادقين} أنهما كانا ساحرين.

فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

{فإن لم يستجيبوا لك} أي: لم يجيبوك إلى الإيتان بالكتاب {فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} أي: يؤثرون هواهم على الدين.

وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

{ولقد وصلنا لهم القول} أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضاً {لعلهم يتذكرون} يتعظون ويعتبرون.

الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ

{الذين آتيناهم الكتاب من قبله } من قبل محمد صلى الله عليه وسلم {هم به يؤمنون} يعني: مؤمني أهل الكتاب.

وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ

{وإذا يتلى عليهم} القرآن {قالوا آمنا به } صدقنا به {إنه الحق من ربنا} ذلك أنهم عرفوا بما ذكر في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وكتابه {إنا كنا من قبله} من قبل القرآن، أو من قبل محمد صلى الله عليه وسلم {مسلمين} لأنا كنا نؤمن به وبكتابه.

أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

{أولئك يؤتون أجرهم مرتين} مرة بإيمانهم بكتابهم، ومرة بإيمانهم بالقرآن {بما صبروا} بصبرهم على ما أوذوا {ويدرؤون بالحسنة السيئة} ويدفعون بما يعملون من الحسنات ما تقدم لهم من السيئات {ومما رزقناهم ينفقون} يتصدقون.

وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ

{وإذا سمعوا اللغو} القبيح من القول {أعرضوا عنه} لم يلتفتوا إليه. يعني: إذا شتمهم الكفار لم يشتغلوا بمعارضتهم بالشتم. {وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} ليس هذا تسليم التحية، وإنما هو تسليم المتاركة، أي: بينا وبينكم المتاركة والتسليم، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال {لا نبتغي الجاهلين} لا نصحبهم.

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

{إنك لا تهدي من أحببت} نزلت حين حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمان عمه عند موته، فلم يؤمن، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى: لا تهدي من أحببت هدايته {ولكن الله يهدي من يشاء} هدايته {وهو أعلم بالمهتدين} بمن يهتدي في معلومه.

وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

{وقالوا} يعني: مشركي مكة: {إن نتبع الهدى معك} بالإيمان بك {نتخطف} نسلب ونوخذ {من أرضنا} لإجماع العرب على خلافنا، فقال الله تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا } أخبر سبحانه أنه آمنهم بحرمة البيت، ومنع منهم العدو، فكيف يخافون أن تستحل العرب قتالهم فيه؟ {يجبى} يجمع. {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أن ذلك مما تفضل الله به سبحانه عليهم.

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ

{وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } عاشوا في البطر وكفران النعمة {فتلك مساكنهم} خاويةً {لم تسكن من بعدهم إلا قليلا} لا يسكنها إلا المسافر والمار يوماً أو ساعةً.

وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ

{وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها} أعظمها، والآية.

وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ

{وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}.

أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ

{أفمن وعدناه وعدا حسنا} يعني: الجنة {فهو لاقيه} مدركه ومصيبه {كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين} في النار. نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل.

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ

{ويوم يناديهم} أي: المشركين {فيقول: أين شركائي الذين كنتم تزعمون} في الدنيا انهم شركائي.

قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ

{قال الذين حق عليهم القول} وجب عليهم العذاب يعني: الشياطين { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون} كعادة الشيطان في التبرؤ ممن يطيعه إذا أورده الهلكة.

وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ

{وقيل} للكفار: {ادعوا شركاءكم} من كنتم تعبدون من دون الله {فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} لم يجيبوهم بشيء ينفعهم {ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون} لما اتبعوهم ولما رأوا العذاب.

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ

{ويوم يناديهم فيقول: ماذا أجبتم المرسلين}.

فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ

{فعميت عليهم الأنباء} عميت عليهم الحجج، لأن الله تعالى قد أعذر إليهم في الدنيا، فلا تكون لهم حجة يؤمئذ، فسكتوا فذلك قوله: {فهم لا يتساءلون} أي: لا يسأل بعضهم بعضاً عم يحتجون به.

فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ

{وربك يخلق ما يشاء} كما يشاء {ويختار} مما يشاء فاختار من كل ما خلق شيئاً {ما كان لهم الخيرة} ليس لهم أن يختاروا على الله تعالى، وليس لهم الاختيار، والمعنى: لا يرسل الرسل إليهم على اختيارهم، والباقي ظاهر إلى قوله:

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

{وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون}.

وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ

{وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون}

وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

{وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون}.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ

{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون}.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ

{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون}.

وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ

{ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون}.

وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ

{ونزعنا من كل أمة} أي: أخرجنا {شهيدا} يعني: رسولهم الذي أرسل إليهم { فقلنا هاتوا برهانكم} أي: اعتقدتم به انه برهان لم في أنكم كنتم على الحق {فعلموا أن الحق لله} أن الحق ما دعا إليه الله سبحانه، وأتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم {وضل عنهم ما كانوا يفترون} لم ينتفعوا بما عبدوه من دون الله سبحانه.

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ

{إن قارون كان من قوم موسى} كان ابن عمه. {فبغى عليهم}بالكبر والتجبر، والبذخ وكثرة المال {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه} جمع المفتح، وهو ما يفتح به {لتنوء بالعصبة} تثقل الجماعة {أولي القوة} {إذ قال له قومه: لا تفرح} بكثرة الماء ولا تأشر {إن الله لا يحب الفرحين} الأشرين البطرين.

وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

{وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } أي: اطلبها بإنفاق مالك في رضا الله تعالى {ولا تنس نصيبك من الدنيا} لا تترك أن تعمل في دنياك لآخرتك {وأحسن} إلى الناس {كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض} العمل بالمعاصي.

قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ

{قال إنما أوتيته على علم عندي} عل فضل علم عندي، وكنت بذلك العلم مستحقاً لفضل المال، وكان اقرأ بني إسرائيل للتوراة. قال الله تعالى: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا } للمال منه {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} لأنهم يدخلون النار بغير حساب.

فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

{فخرج على قومه في زينته} في ثياب حمر عليه وعلى دوابه، والركبان الذين معه {قال الذين يريدون الحياة الدنيا} ظاهر إلى قوله:

وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ

{ولا يلقاها} أي: ولا يلقن ولا يوفق لهذه الكلمة {إلا الصابرون} عن زينة الدنيا.

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ

{فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين}.

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ

{وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} صار الذين كانوا يقولون:يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون {يقولون ويكأن الله } ألم تر ألم تعلم أن {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يوسع لمن يشاء ويضيق {لولا أن من الله علينا} عصمنا عن مثل ما كان عليه قارون من البطر والبغي {لخسف بنا} كما خسف به.

تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

{تلك الدار الآخرة} يعني: الجنة {نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض} تكبراً وتجبراً فيها {ولا فساد} عملاً بالمعاصي وأخذاً للمال بغير حق {والعاقبة} المحمودة {للمتقين}.

مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

{من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون}.

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

{إن الذي فرض عليك القرآن} أنزله. وقيل: فرض عليك العمل بما في القران {لرادك إلى معاد} إلى مكة ظاهراً عليها، وذلك حين اشتاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مولده.

وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ

{وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك} لكن رحمك ربك، فاختارك للنبوة، وأنزل عليك الوحي.

وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

{ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك } وهذا حين دعي إلى دين آبائه. وقوله:

وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

{كل شيء هالك إلا وجهه} أي: إلا إياه {له الحكم} يحكم بما يريد {وإليه ترجعون}.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس