{طسم}.
{تلك آيات الكتاب المبين} يعني: القرآن، وهو مبين للأحكام.
{نتلو} نقص {عليك من نبإ موسى} خبر موسى {وفرعون بالحق} بالصدق الذي لا شك فيه {لقوم يؤمنون} يصدقون أن ما يأتيهم به صدق.
{إن فرعون علا} استكبر وتعظم {في الأرض} أرض مصر {وجعل أهلها شيعا} فرقاً تتبع بعض تلك الفرق بعضاً في خدمته {يستضعف طائفة منهم} وهم بنو إسرائيل.
{ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} ننعم على بني إسرائيل {ونجعلهم أئمة} قادةً في الخير {ونجعلهم الوارثين} يرثون ملك فرعون وقومه. وقوله:
{ونمكن لهم في الأرض} أرض مصر والشام حتى يغلبوا عليها من غير منازع {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} وذلك أنهم كانوا قد أخبروا أن هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل، فكانوا على وجل منهم.
{وأوحينا إلى أم موسى} قيل: إنه وحي إلهام. وقيل: وحي إعلام.
{فالتقطه} أخذه {ال فرعون} عن الماء {ليكون لهم عدواً وحزنا} أي: ليصبر الأمر إلى ذلك {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} أي: عاصين آثمين.
{وقالت امرأة فرعون قرة عين} أي: هو قرة عين لي {ولك لا تقتلوه} فإنه أتانا به الماء من أرض أخرى، وليس هو من بني إسرائيل {وهم لا يشعرون} بما هو كائن من أمرهم وأمره.
{وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} خالياً عن كل شيء إلا عن ذكر موسى وهمه {إن كادت لتبدي به} بأنه ابنها {لولا أن ربطنا على قلبها} قوينا وألهمناها الصبر {لتكون من المؤمنين} المصدقين بوعد الله سبحانه.
{وقالت لأخته} لأخت موسى {قصيه} اتبعي أثره، فاتبعته {فبصرت به عن جنب} أبصرته من بعيد {وهم لا يشعرون} أنها أخته.
{وحرمنا عليه المراضع} منعتا موسى أن يقبل ثدي مرضعة {من قبل} أن نرده على أمه {فقالت} أخته حين تعذر عليهم رضاعه: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} يضمونه إليهم {وهم له ناصحون} مخلصون شفقته.
{فرددناه إلى أمه} وذلك أنها دلتهم على أم موسى، فدفع إليها تربيه لهم. وقوله: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} ال فرعون كانوا لا يعملون أن الله وعدها رده عليها.
{ولما بلغ أشده} منتهى قوته، وهو ما فوق الثلاثين {واستوى} وبلغ أربعين سنةً {آتيناه حكما } عقلاً وفهماً {وعلما} قبل النبوة.
{ودخل المدينة} يعني: مدينةً بأرض مصر { على حين غفلة من أهلها} فيما بين المغرب والعشاء {فوجد فيها رجلين يقتتلان} أحدهما إسرائيلي، وهو الذي من شيعته، والآخر قطبي، وهو الذي من عدوه {فاستغاثه} الإسرائيلي على الفرعوني {فوكزه موسى} ضربه بجميع كفه {فقضى عليه} فقتله ولم يتعمد قتله، فندم على ذلك لأنه لم يؤمر بقتله فـ {قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} ثم استغفر فقال:
{رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم}.
{قال رب بما أنعمت علي} بالمغفرة {فلن أكون ظهيرا للمجرمين} لن أعين بعدها على خطيئة.
{فأصبح في} تلك {المدينة خائفا} من قتله القطبي { يترقب} ينتظر الأخبار {فإذا} الإسرائيلي {الذي استنصره بالأمس يستصرخه} يستغيثه. {قال له موسى: إنك لغوي مبين} ظاهر الغواية، قد قلت بك بالأمس رجلاً، وتدعوني إلى آخر، وأقبل إليهما، {فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما} أي: بالقبطي، فظن الذي من شيعته أنه يريده، فقال:
{أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض} تقتل ظلماً، فلما قال الإسرائيلي هذا علم القبطي بالأمس، فأتى فرعون فأخبره بذلك، فأمر فرعون بقتل موسى، فأتاه رجل فأخبره بذلك، وهو قوله:
{وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} وهو مؤمن ال فرعون {قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك} يأمر بعضهم بعضاً ويتشاورون {ليقتلوك فاخرج } من هذه المدينة {إني لك من الناصحين}.
{فخرج منها خائفا يترقب} ينتظر الطلب {قال: رب نجني من القوم الظالمين} قوم فرعون.
{ولما توجه} قصد بوجهه {تلقاء مدين} نحوها {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} قصد الطريق، وذلك أنه لم يكن يعرف الطريق.
{ولما ورد ماء مدين}وهو بئر كانت لهم {وجد عليه أمة} جماعةً {من الناس يسقون} مواشيهم {ووجد من دونهم امرأتين تذودان} تحبسان غنمهما عن الماء حتى يصدر مواشي الناس {قال} موسى لهما: {ما خطبكما}؟ ما شأنكما لا تسقيان مع الناس؟ {قالتا لا نسقي} مواشينا {حتى يصدر الرعاء} عن الماء، لأنا لا نطيق أن نستقي وأن نزاحم الرجال، فإذا صدروا سقينا من فضل مواشيهم {وأبونا شيخ كبير} لا يمكنه أن يرد وأن يستقي.
{فسقى لهما} أغنامهما من بئر أخرى رفع عنها حجراً كان لا يرفعه إلا عشرة أنفس {ثم تولى إلى الظل} أي: إلى ظل شجرة {فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير} طعام {فقير} محتاج، وكان قد جاع فسأل الله تعالى ما يأكل، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بما فعل موسى، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه، فذلك قوله:
{فجاءته إحداهما} أخذت {تمشي على استحياء} مستترةً بكم درعها {قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص} أخبره بأمره والسبب الذي أخرجه من أرضه {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} يعني: من فرعون وقومه، فإنه لا سلطان له بأرضنا.
{قالت إحداهما يا أبت استأجره} ليرعى أغنامنا {إن خير من استأجرت القوي الأمين} وإنما قالت ذلك لأنها عرفت قوته برفع الحجر من رأس البئر، وأمانته بأن موسى قال لها لما دعته إلى أبيها: امشي خلفي، فإنا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النساء.
{قال} عند ذلك الشيخ لموسى: {إني أريد أن أنكحك} أزوجك {إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني} تكون أجيراً لي {ثماني حجج} سنين {فإن أتممت عشرا فمن عندك} وليس بواجب عليك {وما أريد أن أشق عليك} بأن أشترط العشر {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} الوافين بالعهد.
{قال} موسى: {ذلك} الذي وصفت {بيني وبينك} أي: لك ما شرطت علي ولي ما شرطت من تزويج إحداهما. {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} لا علم علي بأن أطالب بأكثر منه {والله على ما نقول وكيل} والله شاهدنا على ما عقدنا.
{فلما قضى موسى الأجل} مفسر فيما مضى إلى قوله: {أو جذوة من النار} قطعةً وشعلة من النار.
{فلما أتاها نودي من شاطئ} جانب {الواد الأيمن} من يمين موسى {في البقعة} في القطعة من الأرض {المباركة} بتكليم الله سبحانه فيها موسى عليه السلام، وإتيانه النبوة {من الشجرة} من جانب الشجرة {أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} والباقي مفسر فيما سبق إلى قوله:
{وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين}.
{واضمم إليك جناحك} أي: يدك {من الرهب} من الخوف، والمعنى: سكن روعك واخفض عليك جنبيك، وذلك أنه كان يرتعد خوفاً {فذانك} اليد والعصا {برهانان من ربك} الآية. وقوله:
{قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون}.
{ردءا} أي: معيناً.
{قال: سنشد عضدك} أي: نقويك {بأخيك ونجعل لكما سلطانا} حجةً بينة {فلا يصلون إليكما} بسوء {بآياتنا } العصا واليد، وسائر ما أعطيا.
{فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين}.
{وقال موسى} لما كذب ونسب إلى السحر: {ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} يعني: نفسه، أي: ربي أعلم بي أن الذي جئت به من عنده {ومن تكون له عاقبة الدار} أي: العقبى المحمودة في الدار الآخرة.وقوله:
{فأوقد لي يا هامان على الطين} أي: اطبخ لي الآجر {فاجعل لي صرحا} بناء طويلاً مشرفاً {لعلي أطلع إلى إله موسى } أنظر إليه وأقف عليه. وقوله:
{واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون}.
{فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين}.
{وجعلناهم أئمة} قادةً ورؤساء {يدعون إلى النار} أي: إلى الضلالة التي عاقبتها النار.
{وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} وذلك أنهم لما هلكوا لعنوا، فهم يعرضون على النار غدوةً وعشيةً إلى يوم القيامة {ويوم القيامة هم من المقبوحين} الممقوتين المهلكين.
{ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} أي: مبيناً لهم.
{وما كنت بجانب الغربي} أي: الجبل الغربي الذي هو في جانب الغرب {إذ قضينا إلى موسى الأمر} أحكمناه معه، وعهدنا إليه بأمرنا ونهينا {وما كنت من الشاهدين} الحاضرين هناك.
{ولكنا أنشأنا} أحدثنا وخلقنا {قرونا} أمماً {فتطاول عليهم العمر} فنسوا عهد الله وتركوا أمره. {وما كنت ثاويا} مقيماً {في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين} أرسلناك رسولاً وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك ما عملتها.
{وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} موسى {ولكن} أوحينا إليك هذه القصص {رحمة من ربك}.
{ولولا أن تصيبهم مصيبة} عقوبة ونقمة {بما قدمت أيديهم} وجواب لولا محذوف، وتقديره: لعاجلناهم بالعقوبة.
{فلما جاءهم الحق} محمد صلى الله عليه وسلم {من عندنا قالوا: لولا أوتي} محمد {مثل ما أوتي موسى} كتاباً جملةً واحدةً {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} أي: فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد صلى الله عليه وسلم و {قالوا سحران تظاهرا } وذلك حين سألوا اليهود عنه فأخبروهم أنهم يجدونه في كتابهم بنعمته وصفته، وقالوا: ساحران تظاهرا. يعنون: موسى ومحمداً عليهما السلام تعاونا على السحر {وقالوا إنا بكل} من موسى ومحمد عليهما السلام {كافرون}.
{قل} لهم: { فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } من كتابيهما {أتبعه إن كنتم صادقين} أنهما كانا ساحرين.
{فإن لم يستجيبوا لك} أي: لم يجيبوك إلى الإيتان بالكتاب {فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} أي: يؤثرون هواهم على الدين.
{ولقد وصلنا لهم القول} أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضاً {لعلهم يتذكرون} يتعظون ويعتبرون.
{الذين آتيناهم الكتاب من قبله } من قبل محمد صلى الله عليه وسلم {هم به يؤمنون} يعني: مؤمني أهل الكتاب.
{وإذا يتلى عليهم} القرآن {قالوا آمنا به } صدقنا به {إنه الحق من ربنا} ذلك أنهم عرفوا بما ذكر في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وكتابه {إنا كنا من قبله} من قبل القرآن، أو من قبل محمد صلى الله عليه وسلم {مسلمين} لأنا كنا نؤمن به وبكتابه.
{أولئك يؤتون أجرهم مرتين} مرة بإيمانهم بكتابهم، ومرة بإيمانهم بالقرآن {بما صبروا} بصبرهم على ما أوذوا {ويدرؤون بالحسنة السيئة} ويدفعون بما يعملون من الحسنات ما تقدم لهم من السيئات {ومما رزقناهم ينفقون} يتصدقون.
{وإذا سمعوا اللغو} القبيح من القول {أعرضوا عنه} لم يلتفتوا إليه. يعني: إذا شتمهم الكفار لم يشتغلوا بمعارضتهم بالشتم. {وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} ليس هذا تسليم التحية، وإنما هو تسليم المتاركة، أي: بينا وبينكم المتاركة والتسليم، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال {لا نبتغي الجاهلين} لا نصحبهم.
{إنك لا تهدي من أحببت} نزلت حين حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمان عمه عند موته، فلم يؤمن، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى: لا تهدي من أحببت هدايته {ولكن الله يهدي من يشاء} هدايته {وهو أعلم بالمهتدين} بمن يهتدي في معلومه.
{وقالوا} يعني: مشركي مكة: {إن نتبع الهدى معك} بالإيمان بك {نتخطف} نسلب ونوخذ {من أرضنا} لإجماع العرب على خلافنا، فقال الله تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا } أخبر سبحانه أنه آمنهم بحرمة البيت، ومنع منهم العدو، فكيف يخافون أن تستحل العرب قتالهم فيه؟ {يجبى} يجمع. {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أن ذلك مما تفضل الله به سبحانه عليهم.
{وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } عاشوا في البطر وكفران النعمة {فتلك مساكنهم} خاويةً {لم تسكن من بعدهم إلا قليلا} لا يسكنها إلا المسافر والمار يوماً أو ساعةً.
{وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها} أعظمها، والآية.
{وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}.
{أفمن وعدناه وعدا حسنا} يعني: الجنة {فهو لاقيه} مدركه ومصيبه {كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين} في النار. نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل.
{ويوم يناديهم} أي: المشركين {فيقول: أين شركائي الذين كنتم تزعمون} في الدنيا انهم شركائي.
{قال الذين حق عليهم القول} وجب عليهم العذاب يعني: الشياطين { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون} كعادة الشيطان في التبرؤ ممن يطيعه إذا أورده الهلكة.
{وقيل} للكفار: {ادعوا شركاءكم} من كنتم تعبدون من دون الله {فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} لم يجيبوهم بشيء ينفعهم {ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون} لما اتبعوهم ولما رأوا العذاب.
{ويوم يناديهم فيقول: ماذا أجبتم المرسلين}.
{فعميت عليهم الأنباء} عميت عليهم الحجج، لأن الله تعالى قد أعذر إليهم في الدنيا، فلا تكون لهم حجة يؤمئذ، فسكتوا فذلك قوله: {فهم لا يتساءلون} أي: لا يسأل بعضهم بعضاً عم يحتجون به.
{وربك يخلق ما يشاء} كما يشاء {ويختار} مما يشاء فاختار من كل ما خلق شيئاً {ما كان لهم الخيرة} ليس لهم أن يختاروا على الله تعالى، وليس لهم الاختيار، والمعنى: لا يرسل الرسل إليهم على اختيارهم، والباقي ظاهر إلى قوله:
{وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون}.
{وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون}
{وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون}.
{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون}.
{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون}.
{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.
{ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون}.
{ونزعنا من كل أمة} أي: أخرجنا {شهيدا} يعني: رسولهم الذي أرسل إليهم { فقلنا هاتوا برهانكم} أي: اعتقدتم به انه برهان لم في أنكم كنتم على الحق {فعلموا أن الحق لله} أن الحق ما دعا إليه الله سبحانه، وأتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم {وضل عنهم ما كانوا يفترون} لم ينتفعوا بما عبدوه من دون الله سبحانه.
{إن قارون كان من قوم موسى} كان ابن عمه. {فبغى عليهم}بالكبر والتجبر، والبذخ وكثرة المال {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه} جمع المفتح، وهو ما يفتح به {لتنوء بالعصبة} تثقل الجماعة {أولي القوة} {إذ قال له قومه: لا تفرح} بكثرة الماء ولا تأشر {إن الله لا يحب الفرحين} الأشرين البطرين.
{وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } أي: اطلبها بإنفاق مالك في رضا الله تعالى {ولا تنس نصيبك من الدنيا} لا تترك أن تعمل في دنياك لآخرتك {وأحسن} إلى الناس {كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض} العمل بالمعاصي.
{قال إنما أوتيته على علم عندي} عل فضل علم عندي، وكنت بذلك العلم مستحقاً لفضل المال، وكان اقرأ بني إسرائيل للتوراة. قال الله تعالى: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا } للمال منه {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} لأنهم يدخلون النار بغير حساب.
{فخرج على قومه في زينته} في ثياب حمر عليه وعلى دوابه، والركبان الذين معه {قال الذين يريدون الحياة الدنيا} ظاهر إلى قوله:
{ولا يلقاها} أي: ولا يلقن ولا يوفق لهذه الكلمة {إلا الصابرون} عن زينة الدنيا.
{فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين}.
{وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} صار الذين كانوا يقولون:يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون {يقولون ويكأن الله } ألم تر ألم تعلم أن {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يوسع لمن يشاء ويضيق {لولا أن من الله علينا} عصمنا عن مثل ما كان عليه قارون من البطر والبغي {لخسف بنا} كما خسف به.
{تلك الدار الآخرة} يعني: الجنة {نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض} تكبراً وتجبراً فيها {ولا فساد} عملاً بالمعاصي وأخذاً للمال بغير حق {والعاقبة} المحمودة {للمتقين}.
{من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون}.
{إن الذي فرض عليك القرآن} أنزله. وقيل: فرض عليك العمل بما في القران {لرادك إلى معاد} إلى مكة ظاهراً عليها، وذلك حين اشتاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مولده.
{وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك} لكن رحمك ربك، فاختارك للنبوة، وأنزل عليك الوحي.
{ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك } وهذا حين دعي إلى دين آبائه. وقوله:
{كل شيء هالك إلا وجهه} أي: إلا إياه {له الحكم} يحكم بما يريد {وإليه ترجعون}.