{ص} صدق الله {والقرآن ذي الذكر} ذي الشرف.
{بل الذين كفروا في عزة} امتناع من الدين {وشقاق} خلاف وعداوة.
{كم أهلكنا} هذا جواب القسم، واعترض بينهما قوله: {بل الذين كفروا} {فنادوا} بالاستغاثة عند الهلاك {ولات حين مناص} وليس حين منجى وفوت.
{وعجبوا} يعني: أهل مكة {أن جاءهم منذر منهم} محمد صلى الله عليه وسلم.
{أجعل الآلهة إلها واحدا } وذلك أنهم اجتمعوا عند أبي طالب يشكون إليه النبي صلى الله عليه وسلم: إني أدعوكم إلى كلمة التوحيد لا إله إلا الله، فقالوا: كيف يسع الخلق كلهم إله واحد؟ {إن هذا} الذي يقوله {لشيء عجاب} عجب.
{وانطلق الملأ منهم } نهضوا من مجلسهم ذلك، يقول بعضهم لبعض: {امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا} الذي يقوله محمد {لشيء يراد} أي: لأمر يراد بنا، ومكر يمكر علينا.
{ما سمعنا بهذا} الذي يقوله {في الملة الآخرة} فيما أدركنا عليه آباءنا {إن هذا إلا اختلاق} زور وكذب.
{أأنزل عليه الذكر من بيننا} كيف خص بالوحي من جملتنا؟ قالوا هذا حسداً له على النبوة. قال الله تعالى: {بل هم في شك من ذكري} أي: وحيي أي: حين قالوا: اختلاق {بل لما يذوقوا عذاب} ولو ذاقوه لأيقنوا وصدقوا.
{أم عندهم خزائن رحمة ربك} أي: مفاتيح النبوة حتى يعطوا النبوة من اختاروا.
{أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما} يعني: إن ذلك لله عز وجل فيصطفي من يشاء {فليرتقوا في الأسباب} أي: إن ادعوا شيئاً من ذلك فليصعدوا فيما يوصلهم إلى السماء، وليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون، ثم وعد نبيه النصر فقال:
{جند ما هنالك} أي: هم جند هنالك {مهزوم} مغلوب {من الأحزاب} كالقرون الماضية الذين قهروا وأهلكوا، وهذا إخبار عن هزيمتهم ببدر، ثم عزى نبيه عليه السلام فقال:
{كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد}.
{كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} ذو الملك الشديد.
{إن كل} ما كل من هؤلاء {إلا كذب الرسل فحق} فوجب {عقاب}.
{وما ينظر هؤلاء} أي: ما ينتظر هؤلاء كفار مكة {إلا صيحة واحدة} وهي نفخة القيامة {ما لها من فواق} رجوع ومرد.
{وقالوا ربنا عجل لنا قطنا} كتابنا وصحيفة أعمالنا {قبل يوم الحساب} وذلك لما نزل قوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه}، {وأما من أوتي كتابه بشماله} سألوا ذلك، فنزلت هذه الآية. وقوله:
{داود ذا الأيد} أي: ذا القوة في العبادة {إنه أواب} رجاع إلى الله سبحانه.
{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن} يجاوبنه بالتسبيح {بالعشي والإشراق} يعني: الضحى.
{والطير} أي: وسخرنا الطير {محشورة} مجموعةً {كل له} لداود {أواب} مطيع يأتيه ويسبح معه.
{وشددنا ملكه} بالحرس، وكانوا ثلاثةً وثلاثين ألف رجل يحرسون كل ليلة محرابة. { وآتيناه الحكمة } الإصابة في الأمور {وفصل الخطاب} بيان الكلام، والبصر في القضاء، وهو الفصل بين الحق والباطل.
{وهل أتاك نبأ الخصم} يعني: الملكين اللذين تصورا في صورة خصمين من بني آدم {إذ تسوروا المحراب} علوا غرفة داود عليه السلام.
{إذ دخلوا على داود ففزع منهم} لأنهما دخلا بغير إذن في غير وقت دخول الخصوم {قالوا لا تخف خصمان} أي: نحن خصمان {بغى بعضنا على بعض} أي: ظلم بعضنا بعضاً {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} ولا تجر {واهدنا إلى سواء الصراط} إلى طريق الحق.
{إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة} يعني: امرأة {ولي نعجة واحدة} أي: امرأة {فقال أكفلنيها } أي: أنزل عنها واجعلني أنا أكلفها {وعزني في الخطاب} غلبني في الاحتجاج لأنه أقوى مني. وأقدر على النطق ، وهذا القول من الملكين على التمثيل لا على التحقيق، كان القائل منهما قال: نحن كخصمين هذه حالهما، فلما قال هذا أحد الخصمين اعترف له الآخر.
{قال} داود عليه السلام: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك} أي: بسؤاله إياك نعجتك: امرأتك أن يضمها {إلى نعاجه، وإن كثيرا من الخلطاء} الشركاء {ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} وقليل هم {وظن داود} علم عند ذلك {أنما فتناه} ابتليناه بتلك المرأة التي أحب أن يتزوجها، ثم تزوجها {فاستغفر ربه} مما فعل، وهو محبته أن يتزوج امرأة من له امرأة واحدة، وله تسع وتسعون امرأةً {وخر راكعا} سقط للسجود بعد ما كان راكعاً {وأناب} رجع إلى الله سبحانه بالتوبة.
{فغفرنا له ذلك وإن له عندنا} بعد المغفرة {لزلفى} قربةً {وحسن مآب} مرجع.
{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} أي: عن قبلك من الأنبياء. وقوله: {بما نسوا يوم الحساب} أي: تركوا الإيمان به والعمل له.
{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا} إلا لأمر صحيح، وهو الدلالة على قدرة خالقهما وتوحيده وعبادته. وقوله:
{أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}.
{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}.
{ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب}.
{الصافنات الجياد} أي: الخيل القائمة.
{فقال: إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} آثرت حب الخير، أي: الخيل، على ذكر الله حتى فاتني في وقته {حتى توارت} الشمس {بالحجاب} أي: غربت. وقوله:
{فطفق مسحا بالسوق والأعناق} أي: أقبل يقطع سوقها وأعناقها، ولم يفعل ذلك إلا لإباحة الله عز وجل له ذلك. وقوله:
{ولقد فتنا سليمان} ابتليناه {وألقينا على كرسيه جسدا} شيطاناً تصور في صورته، وذلك أنه تزوج امرأةً وهويها، وعبدت الصنم في داره بغير علمه، فنزع الله ملكه أياماً، وسلط شيطاناً على مملكته، ثم تاب سليمان وأعاد الله عليه ملكه، فسأل الله أن يهب له ملكاً يدل على أنه غفر له، ورد عليه ما نزع منه، وهو قوله:
{وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي}. وقوله:
{رخاء} أي: لينةً مطيعةً سريعةً {حيث أصاب} أراد وقصد سليمان عليه السلام.
{والشياطين} أي: وسخرنا له {كل بناء} من الشياطين من يبنون له {وغواص} يغوصون في البحر، فيستخرجون ما يريد.
{وآخرين مقرنين في الأصفاد} وسخرنا له مردة الشياطين حتى قرنهم في السلاسل من الحديد، وقلنا له:
{هذا} الذي أعطيناك {عطاؤنا فامنن} أي: أعط {أو أمسك بغير حساب} عليك في إعطائه ولا إمساكه، وهذا مما خص به. وقوله:
{وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
{بنصب} أي: بتعب ومشقة في بدني {وعذاب} في أهلي ومالي، فقلنا له:
{اركض برجلك} أي: دس وحرك برجلك في الأرض، فداس فنبعت عين ماء، فاغتسل به حتى ذهب الداء من ظاهره، ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه.
{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} مفسرة في سورة الأنبياء عليهم السلام.
{وخذ بيدك ضغثا} حزمةً من الحشيش {فاضرب به} امرأتك {ولا تحنث} في يمينك. وقوله:
{أولي الأيدي} أي: ذوي القوة في العبادة {والأبصار} البصائر في الدين.
{إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} أي: جعلناهم يكثرون ذكر الدار الآخرة والرجوع إلى الله تعالى. وقوله:
{وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار}.
{من الأخيار} جمع خير.
{هذا ذكر} شرف وذكر جميل يذكرون به أبداً {وإن للمتقين} مع ذلك {لحسن مآب} مرجع في الآخرة، ثم بين ذلك المرجع فقال:
{جنات عدن} وقوله:
{متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب}.
{أتراب} أقران وأمثال أسنانهن واحدة.
{هذا ما توعدون ليوم الحساب}.
{إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} .
{هذا وإن للطاغين} أي: الأمر هذا الذي ذكرت. وقوله:
{جهنم يصلونها فبئس المهاد}.
{هذا فليذوقوه حميم وغساق} أي: حميم وغساق فليذوقوه، والغساق: ما سال من جلود أهل النار.
{واخر} أي: وعذاب آخر {من شكله} من مثل ذلك الأول {أزواج} أنواع. فإذا دخلت الرؤساء النار، ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الملائكة:
{هذا فوج} جماعة {مقتحم معكم} داخلوا النار، فقال الرؤساء: {لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار} كما صليناها، فقال الأتباع.
{بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا} شرعتم وسننتم الكفر لنا {فبئس القرار} قرارنا وقراركم.
{قالوا} أي: الأتباع {ربنا من قدم لنا هذا} شرعه وسنه {فزده عذابا ضعفا في النار} كقوله: {ربنا آتهم ضعفين من العذاب}.
{وقالوا} يعني: صناديد قريش: {ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار} أي: فقراء المسلمين.
{أتخذناهم سخريا} كنا نسخر بهم في الدنيا، أمفقودون هم؟ {أم زاغت عنهم الأبصار} فلا نراهم ها هنا.
{إن ذلك} الذي ذكرنا عن أهل النار {لحق} ثم بين ما هو فقال: {تخاصم أهل النار}.
{قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار}.
{رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار}.
{قل هو نبأ عظيم} أي: القرآن الذي أنباتكم به وجئتكم فيه بما لا يعلم إلا بوحي وهو قوله:
{أنتم عنه معرضون}
{ما كان لي من علم بالملإ الأعلى} وهم الملائكة {إذ يختصمون} في شأن آدم عليه السلام. يعني: قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} الآية. وقوله:
{إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين}.
{إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين }
{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}.
{فسجد الملائكة كلهم أجمعون}
{إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين}.
{لما خلقت بيدي} أي: توليت خلقه، وهذا اللفظ ذكر تخصيصاً وتشريفاً لآدم عليه السلام، وإن كان كل شيء يتولى الله خلقه دون غيره. وقوله:
{قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}.
{قال فاخرج منها فإنك رجيم}.
{وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين}.
{قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون}.
{قال فإنك من المنظرين}.
{إلى يوم الوقت المعلوم}.
{قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين}.
{إلا عبادك منهم المخلصين}.
{قال فالحق والحق أقول} أي: فبالحق أقول، وأقول الحق قسم جوابه: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}.
{لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}.
{قل ما أسألكم عليه} على تبليغ الرسالة { من أجر وما أنا من المتكلفين} المنقولين للقرآن من تلقاء نفسي.
{إن هو} ليس القرآن {إلا ذكر} عظة {للعالمين}.
{ولتعلمن} أنتم أيها المشركون {نبأه} ما أخبرتكم فيه من البعث والقيامة {بعد حين} بعد الموت.