{قد أفلح المؤمنون} سعد المصدقون، ونالوا البقاء في الجنة.
{الذين هم في صلاتهم خاشعون} ساكنون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم.
{والذين هم عن اللغو معرضون} عن كل ما لا يجمل في الشرع من قول وفعل.
{والذين هم للزكاة فاعلون} للصدقة الواجبة مودون.
{والذين هم لفروجهم حافظون} يحفظونها عن المعاصي.
{إلا على أزواجهم} من زوجاتهم {أو ما ملكت أيمانهم} من الإماء {فإنهم غير ملومين} لا يلامون في وطئهن.
{فمن ابتغى} طلب ما {وراء ذلك} ما بعد الزوجة والأمة {فأولئك هم العادون} المتعدون عن الحلال إلى الحرام.
{والذين هم لأماناتهم} ما أئتمنوا عليه من أمر الدين والدنيا {وعهدهم راعون} وحلفهم الذي يوجد عليهم راعون، يرعون ذلك ويقومون بإتمامه.
{والذين هم على صلواتهم يحافظون} بأدائها في مواقيتها.
{أولئك هم الوارثون} ثم ذكر ما يرثون فقال:
{الذين يرثون الفردوس} وذلك أن الله تعالى جعل لكل امرئ بيتاً في الجنة، فمن عمل عمل أهل الجنة ورث بيته في الجنة، والفردوس خير الجنان.
{ولقد خلقنا الإنسان} ابن آدم {من سلالة} من ماء سل واستخرج من ظهر آدم، وكان آدم عليه السلام خلق من طين.
{ثم جعلناه} جعلنا الإنسان {نطفة} في أول بدو خلقه {في قرار مكين} يعني: الرحم. وقوله.
{ثم أنشأناه خلقا آخر} قيل: يريد الذكورية والأنوثية. وقيل: يعني: نفخ الروح. وقيل: نبات الشعر والأسنان {فتبارك الله} استحق التعظيم والثناء بدوام بقائه {أحسن الخالقين} المصورين والمقدرين.
{ثم إنكم بعد ذلك لميتون}.
{ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}.
{ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} سبع سماوات، كل سماء طريقة {وما كنا عن الخلق غافلين} عمن خلقنا من الخلق كلهم.
{وأنزلنا من السماء ماء بقدر} بمقدار معلوم عند الله تعالى {فأسكناه} أثبتناه {في الأرض} قيل: هو النيل ودجلة، والفرات، وسيحان وجيحان. وقيل: هو جميع المياه في الأرض {وإنا على ذهاب به لقادرون} حتى تهلكوا أنتم ومواشيكم عطشاً. وقوله:
{فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون}.
{وشجرة تخرج} يعني: الزيتون {من طور سيناء} يعني: جبلاً معروفاً، أول ما ينبت الزيتون ينبت هناك {تنبت بالدهن} لأنه يتخذ الدهن من الزيتون {وصبغ} إدام {للآكلين}. وقوله:
{وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون}.
{وعليها وعلى الفلك تحملون}.
{ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.
{يريد أن يتفضل عليكم} يتشرف عليكم، فيكون أفضل منكم بأن يكون متبوعاً، وتكونوا له تبعاً {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} تبلغنا عنه {ما سمعنا بهذا} الذي يدعو إليه نوح {في آبائنا الأولين}.
{إن هو} ما هو {إلا رجل به جنة} جنون {فتربصوا به حتى حين} انتظروا موته حتى يموت.
{قال رب انصرني} بإهلاكهم {بما كذبون} بتكذيبهم إياي. وقوله:
{فأوحينا إليه} الآية. مفسرة في سورة هود. {فاسلك فيها} أي أدخل في السفينة، والباقي مفسر في سورة هود.
{فإذا استويت} اعتدلت في السفينة راكباً. الآية.
{وقل رب أنزلني} منها {منزلا} إنزالاً {مباركا} فاستجاب الله تعالى دعاءه حيث قال: {اهبط بسلام منا وبركات عليك} وبارك فيهم بعد إنزالهم من السفينة، حتى كان جميع الخلق من نسل نوح ومن كان معه في السفينة.
{إن في ذلك} الذي ذكرت {لآيات} لدلالات على قدرتنا {وإن كنا لمبتلين} مختبرين طاعتهم بإرسال نوح إليهم.
{ثم أنشأنا من بعدهم} أحدثنا {قرنا آخرين} يعني: عاداً.
{فأرسلنا فيهم رسولا منهم} وهو هود. وقوله:
{وأترفناهم} أي: نعمناهم ووسعنا عليهم. وقوله:
{ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون}.
{أنكم مخرجون} أي: من قبوركم أحياء.
{هيهات هيهات} بعداً {لما توعدون} من البعث.
{إن هي} ما هي {إلا حياتنا الدنيا} يعني: الحياة الدانية في هذه الدار {نموت ونحيا} يموت الآباء، ويحيا الأولاد.
{إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين}.
{قال رب انصرني} عليهم {بما كذبون} بتكذيبهم إياي.
{قال عما قليل} عن قريب {ليصبحن نادمين} يندمون إذا نزل بهم العذاب على التكذيب.
{فأخذتهم الصيحة} صيحة العذاب {بالحق} بالأمر من الله تعالى {فجعلناهم غثاء} هلكى هامدين كغثاء السيل، وهو ما يحمله من بالي الشجر {فبعدا} فهلاكاً {للقوم الظالمين} المشركين.
{ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين}.
{ما تسبق من أمة أجلها} لا تموت قبل أجلها {وما يستأخرون} بعد الأجل طرفة عين. وقوله:
{تترا} أي: متتابعةً {وجعلناهم أحاديث} أي: لمن بعدهم يتحدثون بهم.وقوله:
قال تعالى {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين}.
{وكانوا قوما عالين} مستكبرين قاهرين غيرهم بالظلم.
{وقومهما لنا عابدون} أي: مطيعون متذللون.
{فكذبوهما فكانوا من المهلكين}.
{ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون} لكي يهتدي به قومه.
{وجعلنا ابن مريم وأمه آية} دلالةً على قدرتنا {وآويناهما إلى ربوة} يعني: بيت المقدس، وهو أقرب الأرض إلى السماء {ذات قرار} أرض مستوية، وساحة واسعة {ومعين} ماء ظاهر. وقيل: هي دمشق.
{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أن الله تبارك وتعالى كأنه أخبر انه قد قال لجميع الرسل قبله هذا القول وأمرهم بهذا، والمعنى: كلوا من الحلال.
{وإن هذه أمتكم أمة واحدة} أي: ملتكم أيها الرسل ملة واحدة، وهي الإسلام {وأنا ربكم} شرعتها لكم وبينتها لكم {فاتقون} فخافون.
{فتقطعوا أمرهم بينهم} يعني: المشركين واليهود والنصارى {وزيرا} فرقاً {كل حزب} جماعة {بما لديهم} بما عندهم من الدين {فرحون} معجبون مسرورون.
{فذرهم في غمرتهم} حيرتهم وضلالتهم {حتى حين} يريد: حتى حين الهلاك بالسيف أو الموت.
{أيحسبون أنما نمدهم به} ما نبسط عليهم {من مال وبنين} من المال والأولاد في هذه الدنيا.
{نسارع لهم في الخيرات} نعطيهم ذلك ثواباً لهم {بل لا يشعرون} أن ذلك استدراج، ثم رجع إلى ذكر أوليائه فقال:
{إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} خائفون عذابه ومكره.
{والذين هم بآيات ربهم يؤمنون}.
{والذين هم بربهم لا يشركون}.
{والذين يؤتون ما آتوا} يعطون ما يعطون {وقلوبهم وجلة} خائفة أن ذلك لا يقبل منهم، وقد أيقنوا أنهم إلى ربهم صائرون بالموت. وقوله:
{وهم لها سابقون} أي: إليها، ثم ذكر أنه لم يكلف العبد إلا ما يسعه، فقال:
{ولا نكلف نفسا إلا وسعها} فمن لم يستطع أن يصلي قائماً فليصل جالساً {ولدينا كتاب} يعني: اللوح المحفوظ {ينطق بالحق} يبين بالصدق {وهم لا يظلمون} لا ينقصون من ثواب أعمالهم، ثم عاد إلى ذكر المشركين فقال:
{بل قلوبهم في غمرة} في جهالة وغفلة {من هذا} الكتاب الذي ينطق بالحق {ولهم أعمال من دون ذلك} وللمشركين أعمال حبيثة دون أعمال المؤمنين الذين ذكرهم {هم لها عاملون}.
{حتى إذا أخذنا مترفيهم} رؤساءهم وأغنياءهم {بالعذاب} بالقحط والجوع سبع سنين { إذا هم يجأرون} يضجون ويجزعون، ونقول لهم:
{لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون} لا تمنعون، ولا ينفعكم جزعكم.
{قد كانت آياتي تتلى عليكم} يعني: القرآن {فكنتم على أعقابكم} على أدياركم {تنكصون} ترجعون القهقرى مكذبين به.
{مستكبرين به } أي: بالحرم، تقولون: لا يظهر علينا أحد، لأنا أهل الحرم {سامرا} سماراً بالليل {تهجرون} تهذون وتقولون الهجر من سب النبي صلى الله عليه وسلم.
{أفلم يدبروا القول} يتدبروا القرآن، فيقفوا على صدقك {أم جاءهم} بل أجاءهم {ما لم يأت آباءهم الأولين} يريد: إن إنزال الكتاب قد كان قبل هذا، فليس إنزال الكتاب عليك ببديع ينكرونه.
{أم لم يعرفوا رسولهم} الذي نشأ فيما بينهم وعرفوه بالصدق.
{أم يقولون} بل أيقولون {به جنة} جنون {بل جاءهم} ليس الأمر كما يقولون، بل جاءهم الرسول {بالحق} بالقرآن من عند الله.
{ولو اتبع الحق} القرآن الذي يدعو إلى المحاسن {أهواءهم} التي تدعو إلى المقابح، أي: لو كان التنزيل بما يحبون {لفسدت السماوات والأرض} وذلك أنها خلفت دلالةً على توحيد الله، فلو كان القرآن على مرادهم لكن يدعو إلى الشرك، وذلك يؤدي إلى إفساد أدلة التوحيد، وقوله: {ومن فيهن} لأنهم حينئذ يشركون بالله تعالى. {بل أتيناهم بذكرهم} بشرهم في الدنيا والآخرة.
{أم تسألهم} أنت يا محمد على ما جئت به {خرجا}جعلاً وأجراً {فخراج ربك} فعطاه ربك وثوابه {خير}. وقوله:
{وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم}.
{لناكبون} أي: عادلون مائلون.
{ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر} جذب وقحط {للجوا} لتمادوا {في طغيانهم يعمهون} نزلت هذه الآية حين شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع.
{ولقد أخذناهم بالعذاب} بالجوع {فما استكانوا لربهم} ما تواضعوا.
{حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد} يوم بدر. وقيل: عذاب الآخرة {إذا هم فيه مبلسون} آيسون من كل خير. وقوله:
قال تعالى {وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}.
قال تعالى {وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون}.
{وله اختلاف الليل والنهار}أي: هو الذي جعلنهما مختلفين. وقوله:
{بل قالوا مثل ما قال الأولون}.
{ قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون}.
{لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين}.
{قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون}.
{سيقولون لله قل أفلا تتقون}.
{قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم}.
{سيقولون لله قل أفلا تتقون}.
{ملكوت كل شيء} أي: ملكه. يعني: من يملك كل شيء؟ {وهو يجير} يؤمن من يشاء {ولا يجار عليه} لا يؤمن من أخافه. وقوله:
{فأنى تسحرون} تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته.
{بل أتيناهم بالحق} يعني: القرآن {وإنهم لكاذبون} أن الملائكة بنات الله.
{ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق} ينفرد بمخلوقاته فيمنع الإله الآخر عن الاستيلاء عليها {ولعلا بعضهم على بعض} بالقهر والمزاحمة كالعادة بين الملوك {سبحان الله} تنزيهاً له {عما يصفون} من الكذب.
{عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون}.
{قل رب إما تريني ما يوعدون} ما يوعد المشركون من العذاب.
{فلا تجعلني} معهم أي: إن أنزلت بهم النقمة فاجعلني خارجاً منهم.
{وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون}.
{ادفع بالتي هي أحسن} من الحلم والصفح {السيئة} التي تأتيك منهم من الأذى والمكروه {نحن أعلم بما يصفون} فنجازيهم به، وهذا كان قبل الأمر بالقتال.
{وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} نزعاتها ووساوسها.
{وأعوذ بك رب أن يحضرون} في شيء من أموري. وقوله:
{رب ارجعون} أي: ارددني إلى الدنيا.
{لعلي أعمل صالحا} أي: بالتوحيد {فيما تركت} حين كنت في الدنيا {كلا} لا يرجع إلى الدنيا {إنها كلمة هو قائلها} عند الموت، ولا يجاب إلى ذلك، {ومن ورائهم} أمامهم {برزخ} حاجز بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا.
{فإذا نفخ في الصور} النفخة الأخيرة {فلا أنساب بينهم يومئذ} لا يفتخرون بالأنساب {ولا يتساءلون} كما يتساءلون في الدنيا من أي قبيلة ونسب أنت.
{فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}.
{ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}.
{تفلح} تحرق. {وهم فيها كالحون} عابسون لتقلص شفاههم بالانشواء، فيقال لهم:
{ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون}.
{قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا} التي قضيت علينا {وكنا قوما ضالين} أقروا على أنفسهم بالضلال، وقوله:
{ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون}.
{اخسؤوا} أي: تباعدوا تباعد سخط عليكم. وقوله:
{إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين}.
{فاتخذتموهم سخريا } أي: سخرتم منهم، واسهزأتم {حتى أنسوكم ذكري} لاشتغالكم بالاستهزاء.
{إني جزيتهم اليوم} قابلت عملهم بما يستحقون من الثواب {بما صبروا} على أذاكم {أنهم هم الفائزون} الناجون من العذاب والنار.
{قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين} قال الله تعالى لمنكري البعث إذا بعثهم من قبورهم: كم لبثتم في قبوركم؟ وهذا سؤال توبيخ لهم، لأنهم كانوا ينكرون أن يبعثوا من قبورهم.
{قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} وذلك أن العذاب رفع عنهم فيما بين النفختين، ونسوا ما كانوا فيه من العذاب، فاستقصروا مدة لبثهم، فلذلك قالوا: {لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين} أي: فاسأل الملائكة الذين يحفظون عدد ما لبثنا.
{قال إن لبثتم} ما لبثتم {إلا قليلا} وإن طال لبثكم، في طول لبثكم في النار { لو أنكم كنتم تعلمون } مقدار لبثكم في القبر، وذلك أنهم لم يعلموا ذلك حيث قالوا: {لبثنا يوما أو بعض يوم} فقيل: لهم: لو كنتم تعلمون ذلك كان قليلاً عند طول لبثكم في النار.
{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} أي: للعبث لا لحكمة من ثواب للمطيع، وعقاب للعاصي. وقيل: عبثاً للعبث، حتى تعبثوا وتغفلوا وتلهوا.
{رب العرش الكريم} أي: السرير الحسن.
{ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به} لا حجة له بما يفعل من عبادته غير الله { فإنما حسابه عند ربه } جزاؤه عند الله تعالى، فهو يجازيه لما يستحقه {إنه لا يفلح الكافرون} لا يسعد المكذبون، ثم أمر رسوله أن يستغفر للمؤمنين، ويسأل لهم الرحمة فقال:
{وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين}.