{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} لإضمارهم خلاف ما أظهروا.
{اتخذوا أيمانهم} جمع يمين {جنة} سترةً يستترون بها من القتل. يعني: قولهم: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} وقوله: {يحلفون بالله ما قالوا}. {فصدوا عن سبيل الله} منعوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم {إنهم ساء ما كانوا يعملون} بئس العمل عملهم.
{ذلك بأنهم آمنوا} في الظاهر {ثم كفروا} بالاعتقاد.
{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} في طولها واستواء خلقها، وكان عبد الله ابن أبي جسيماً صبيحاً فصيحاً، إذا تكلم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله، وهو قوله: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} ثم أعلم أنهم في ترك التفهم بمنزلة الخشب، فقال: {كأنهم خشب مسندة} أي: ممالة إلى الجدار {يسبحون} من جبنهم وسوء ظنهم {كل صيحة عليهم} أي: إن نادى مناد في العسكر، أو ارتفع صوت، ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب {هم العدو} وإن كانوا معك {فاحذرهم} ولا تأمنهم {قاتلهم الله} لعنهم الله {أنى يؤفكون} من أين يصرفون عن الحق بالباطل؟!.
{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم} وذلك أنه لما نزلت هذا الآيات قيل لعبد الله بن أبي: لقد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه وأعرض بوجهه إظهاراً للكراهة {ورأيتهم يصدون} يعرضون عما دعوا إليه {وهم مستكبرون} لا يستغفرون، ثم أخبر أن استغفار الرسول عليه السلام لا ينفعهم لفسقهم وكفرهم فقال:
{سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم}.
{هم الذين يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله} وذلك أن عبد الله ابن أبي قال لقومه وذويه: لا تنفقوا على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم عنهم - حتى يفضوا، أي: يتفرقوا {ولله خزائن السماوات والأرض} أي: إنه يرزق الخلق كلهم، وهو يرزق المؤمنين والمنافقين جميعاً.
{يقولون لئن رجعنا إلى المدينة} يعني: عبد الله بن أبي، وكان قد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بني المصطلق، وجرى بينه وبين واحد من المؤمنين جدال، فأفرط عليه المؤمن فقال عبد الله بن أبي: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} يعني: الأعز نفسه، والأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: {ولله العزة} القوة والغلبة {ولرسوله} بعلو كلمته وإظهار دينه {وللمؤمنين} بنصر الله إياهم على من ناوأهم .
{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم} لا تشغلكم {أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} أي: الصلوات الخمس {ومن يفعل ذلك} يشتغل بشيء عن الصلوات {فأولئك هم الخاسرون}.
{وأنفقوا من ما رزقناكم} يعني: أذوا الزكاة {من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: رب لولا أخرتني إلى أجل قريب} هلا أخرتني إلى أجل قريب، يسأل الرجعة وما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت {فأصدق} أي: أتصدق وأزكي {وأكن من الصالحين} أي: أحج. قال الله تعالى:
{ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}.