islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
13934

33-الأحزاب

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا

{يا أيها النبي اتق الله}اثبت على تقوى الله، ودم عليه {ولا تطع الكافرين والمنافقين} وذلك أن الكافرين قالوا له: ارفض ذكر آلهتنا، وقل: إن لها شفاعةً ومنفعةً لمن عبدها، ووازرهم المنافقون على ذلك {إن الله كان عليما} بما يكون قبل كونه {حكيما} فيما يخلق.

وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

{واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا}.

وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا

{وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا}.

مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ال

{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} هذا تكذيب لبعض من قال من الكافرين: إن لي قلبين أفهم بكل واحد منهما أكثر مما يفهم محمد، فأكذبه الله تعالى. قيل: إنه ابن خطل {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم} لم يجعل نسائكم اللائي تقولون: هن علينا كظهور أمهاتنا في الحرام كما تقولون، وكان هذا من طلاق الجاهلية، فجعل الله في ذلك كفارة {وما جعل أدعياءكم} من تبنيتموه {أبناءكم} في الحقيقة كما تقولون {ذلكم قولكم بأفواهكم} قول بالفم لا حقيقة له {والله يقول الحق} وهو أن غير الابن لا يكون ابناً {وهو يهدي السبيل} أي: السبيل المستقيم.

ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمً

{ادعوهم لآبائهم} أي: انسبوهم إلى الذين ولدوهم {هو أقسط عند الله} أعدل عند الله {فإن لم تعلموا آباءهم} من هم {فإخوانكم في الدين} أي: فهم إخوانكم في الدين {ومواليكم} وبنو عمكم. وقيل: أولياؤكم في الدين {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} وهو أن يقول لغير ابنه: يا بني من غير تعمد أن يجريه مجرى الولد في الميراث، وهو قوله: {ولكن ما تعمدت قلوبكم} يعني: ولكن الجناح في الذي تعمدت قلوبكم.

النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَ

{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء، ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى. {وأزواجه أمهاتهم} في حرمة نكاحهن عليهم {وأولو الأرحام } والأقارب {بعضهم أولى ببعض} في الميراث {في كتاب الله} في حكمه {من المؤمنين والمهاجرين} وذلك أنهم كانوا في ابتداء الإسلام يرثون بالإيمان والهجرة {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} لكن إن يوصوا بهم بشيء من الثلث فهو جائز {كان ذلك في الكتاب مسطورا} كان هذا الحكم في اللوح المحفوظ مكتوباً.

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا

{وإذ أخذنا} واذكر إذ أخذنا {من النبيين ميثاقهم} على الوفاء بما حملوا، وأن يصدق بعضهم بعضاً.

لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا

{ليسأل الصادقين عن صدقهم} المبلغين من الرسل عن تبليغهم، وفي تلك المسألة تبكيت للكفار {وأعد للكافرين} بالرسل {عذابا أليما}.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا

{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود} يعني: الأحزاب، وهم قريش وغطفان قريظة والنضير، حاصروا المسلمين أيام الخندق {فأرسلنا عليهم ريحا} وهي الصبا كفأت قدورهم، وقلعت فساطيطهم {وجنودا لم تروها} وهم الملائكة {وكان الله بما يعملون} من حفر الخندق {بصيرا}.

إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا

{إذ جاءوكم من فوقكم} من قبل المشرق، يعني: قريظة والنضير، {ومن أسفل منكم} قريش من ناحية مكة {وإذ زاغت الأبصار} مالت وشخصت، وتحيرت لشدة الأمر وصعوبته عليكم {وبلغت القلوب الحناجر} ارتفعت إلى الحلوق لشدة الخوف {وتظنون بالله الظنونا} ظن المنافقون أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون بنصر الله.

هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا

{هنالك} في تلك الحال {ابتلي المؤمنون} اختبروا ليتبين المخلص من المنافق {وزلزلوا} وحركوا وخوفوا.

وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا

{وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} شك ونفاق: {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} إذ وعدنا أن فارس والروم يفتحان علينا.

وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا

{وإذ قالت طائفة منهم} من المنافقين: {يا أهل يثرب} يعني: المدينة {لا مقام لكم} لا مكان لكم تقيمون فيه {فارجعوا} إلى منازلكم بالمدينة، أمروهم بترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذلانه، وذلك أن النبي صلى الله كان قد خرج من المدينة إلى سلع لقتال القوم {ويستأذن فريق منهم} من المنافقين {النبي} في الرجوع إلى منازلهم {يقولون: إن بيوتنا عورة} ليست بحصينة، نخاف عليها العدو. قال الله تعالى: {وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا} من القتال.

وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا

{ولو دخلت عليهم} لو دخل عليهم هؤلاء الذين يريدون قتالهم المدينة {من أقطارها} جوانبها {ثم سئلوا الفتنة} سألتهم الشرك بالله {لأتوها} لأعطوا مرادهم {وما تلبثوا بها إلا يسيرا} وما احتبسوا عن الشرك إلا يسيراً، أي لأسرعوا الإجابة إليه.

وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا

{ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة الخندق {لا يولون الأدبار} لا ينهزمون عن العدو {وكان عهد الله مسؤولا} والله تعالى يسألهم عن ذلك العهد يوم القيامة.

قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا

{قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل} الذي كتب عليكم {وإذا لا تمتعون إلا قليلا} لا تبقون في الدنيا إلا إلى آجالكم.

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا

{قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا}.

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا

{قد يعلم الله المعوقين منكم} الذين يعوقون الناس عن نصرة محمد عليه السلام، {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا } يقولون لهم: خلوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه مغرور وتعالوا إلينا {ولا يأتون البأس إلا قليلا} لا يحضرون الحرب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا تعذيراً وتقصيراً، يرى أن له عذراً ولا عذر له، يوهمونهم أنهم معهم.

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأ

{أشحة عليكم} بخلاء عليكم بالخير والنفقة {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم } في رؤوسهم من الخوف كدوران عين الذي {يغشى عليه من الموت} قرب أن يموت فانقلبت عيناه {فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد} آذوكم بالكلام وجادلوكم في الغنيمة {أشحة} بخلاء {على الخير} الغنيمة.

يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا

{يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} لجبنهم وشدة خوفهم يظنون أنهم بعد إنهزامهم لم ينصرفوا بعد {وإن يأت الأحزاب} يرجعوا كرةً ثانيةً {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} خارجون من المدينة إلى البادية في الأعراب {يسألون عن أنبائكم} أي: يودوا لو أنهم غائبون عنكم يسمعون أخباركم بسؤالهم عنها من غير مشاهدة. قال الله تعالى: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا} رياءً من غير حسبة، ولما وصف الله تعالى حال المنافقين في الحرب وصف حال المؤمنين فقال:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا

{لقد كان لكم} أيها المؤمنون {في رسول الله أسوة حسنة} سنة صالحة، واقتداء حسن حيث لم يخذلوه ولم يتولوا عنه، كما فعل هو صلى الله عليه وسلم يوم أحد شج حاجبه، وكسرت رباعيته، فوقف صلى الله عليه وسلم ولم يمهزم ، ثم بين لمن كان هذا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} أي: يخافهما.

وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا

{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا} تصديقاً لوعد الله تعالى: {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} ووعد الله تعالى إياهم في قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب}. فعلموا بهذه الآية أنهم يبتلون، فلما ابتلوا بالأحزاب علموا أن الجنة والنصر قد وجبا لهم إن سلموا وصبروا، وذلك قوله: {وما زادهم إلا إيمانا} وتصديقاً بالله ورسوله {وتسليما} لله أمره.

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا

{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله } كانوا صادقين في عهودهم بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم {فمنهم من قضى نحبه} فرغ من نذره واستشهد. يعني: الذين قتلوا بأحد {ومنهم من ينتظر} أن يقتل شهيداً {وما بدلوا تبديلا} عهدهم، ثم ذكر جزاء الفريقين فقال:

لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا

{ليجزي الله الصادقين بصدقهم} الآية.

وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا

{ورد الله الذين كفروا} قريشاً والأحزاب {بغيظهم} على ما فيهم من الغيظ {لم ينالوا خيرا} لم يظفروا بالمسلمين {وكفى الله المؤمنين القتال} بالريح والملائكة.

وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا

{وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} الذين عاونوا الأحزاب من يقظة {من صياصيهم} حصونهم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصرهم، واشتد ذلك عليهم حتى نزلوا على حكمه، وذلك قوله تعالى: {وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون} يعني: الرجال {وتأسرون فريقا} يعني: النساء والذرية. وقوله:

وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا

{وأرضا لم تطئوها} يعني: خيبر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم الله تعالى إياها.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا

{يا أيها النبي قل لأزواجك} الآية. نزلت حين سألت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من عرض الدنيا وآذينه بزيارة النفقة، فأنزل الله سبحانه هذه الآيات، وأمره أن يخبرهن بين الإقامة معه على طلب ما عند الله، أو السراح إن أردن الدنيا، وهو قوله: {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن} متعة الطلاق، فقرأ عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات، فاخترن الآخرة على الدنيا، والجنة على الزينة، فرفع الله سبحانه درجتهن على سائر النساء بقوله:

وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا

{وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}.

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا

{يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} بمعصية ظاهرة {يضاعف لها العذاب ضعفين} ضعفي عذاب غيرها من النساء.

وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا

{ومن يقنت} يطع {نؤتها أجرها مرتين} مثلي ثواب غيرها من النساء {وأعتدنا لها رزقا كريما} يعني: الجنة.وقوله:

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا

{فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} أي: لا تقلن قولاً يجد منافق به سبيلاً إلى أن يطمع في موافقتكن له. وقوله: {وقلن قولا معروفا} أي: فلن بما يوجبه الدين والإسلام بغير خضوع فيه بل بتصريح.

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا

{وقرن في بيوتكن} أمر لهن من الوقار والقرار جميعاً {ولا تبرجن} ولا تظهرن المحاسن كما كان يفعله أهل الجاهلية، وهو ما بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما. {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس} وهو كل مستنكر ومستقذر من عمل {أهل البيت} يعني: نساء النبي صلى الله عليه وسلم ورجال أهل بيته.

وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا

{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله } يعني: القرآن {والحكمة} يعني: السنة.

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ

{إن المسلمين والمسلمات} الآية. قالت النساء: ذكر الله تعالى الرجال بخير في القرآن، ولم يذكر النساء بخير، فما فينا خير يذكر، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} الآية. نزلت في عبد الله بن جحش وأخته زينب، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة، وظنت أنه خطبها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد كرهت ذلك، فأنزل الله تعالى: {وما كان لمؤمن} يعني: عبد الله بن جحش {ولا مؤمنة} يعني: أخته زينب {إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } أي: الاختيار، فأعلم أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله، وزوجها من زيد، ومكثت عنده حيناً، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يوم لحاجة، فأبصرها قائمةً في درع وخمار، فأعجبه وكأنها وقعت في نفسه، وقال: سبحان الله مقلب القلوب، فلما جاء زيد أخبرته بذلك، وألقي في نفس زيد كراهتها، فأراد فراقها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي، فإنها تؤذيني بلسانها، فذلك قوله:

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوّ

{وإذ تقول للذي أنعم الله عليه} بالإسلام، يعني: زيداً {وأنعمت عليه} بالإعتاق: {أمسك عليك زوجك واتق الله} فيها، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يتزوج بها، إلا أنه آثر ما يجب من الأمر بالمعروف، وقوله: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه} أن لو فارقها تزوجها، وذلك أن الله تعالى كان قضى ذلك، وأعلمه أنها ستكون من أزواجه، وأن زيداً يطلقها {وتخشى الناس} تكره قالة الناس لو قلت: طلقها، فيقال أمر رجلاً بطلاق امرأته، ثم تزوجها {والله أحق أن تخشاه} في كل الأحوال، ليس أنه لم يخش الله في شيء من هذه القضية، ولكن ذكر الكلام ها هنا على الجملة. وقيل والله أحق أن تستحيي منه، فلا تأمر زيداً بإمساك زوجته بعد إعلام الله سبحانه إياك أنها ستكون زوجتك، وأنت تستحيي من الناس وتقول: أمسك عليك زوجك. {فلما قضى زيد منها وطرا} حاجته من نكاحها {زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج} الآية. لكيلا يظن ظان أن امرأة المتبنى لا تحل للمتبني، وكانت العرب تظن ذلك، وقوله: {وكان أمر الله مفعولا} كائناً لا محالة، وكان قد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا

{ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له} فيما أحل له من النساء {سنة الله في الذين خلوا من قبل} يقول: هذه السنة قد مضت أيضاً لغيرك. يعني: كثرة أزواج داود وسليمان عليهما السلام، والمعنى: سن الله له سنةً واسعةً لا حرج عليه فيها {وكان أمر الله قدرا مقدورا} قضاءً مقضياً.

الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا

{الذين يبلغون رسالات الله} الذين نعت قوله: {في الذين خلوا من قبل}. {ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} لا يخشون قالة الناس ولائمتهم فيما أحل الله لهم {وكفى بالله حسيبا} حافظاً لأعمال خلقه.

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} فتقولوا: إنه تزوج امرأة ابنه، يعني: زيداً ليس له بابن وإن كان قد تبناه {ولكن} كان {رسول الله وخاتم النبيين} لا نبي بعده.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا

{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} وهو أن لا ينسى على حال.

وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا

{وسبحوه} صلوا له {بكرة} صلاة الفجر {وأصيلا} صلاة العصر والعشاءين.

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا

{هو الذي يصلي عليكم} يغفر لكم ويرحمكم {وملائكته} يستغفرون لكم {ليخرجكم من الظلمات إلى النور} من ظلمات الجهل والكفر إلى نور اليقين والإسلام.

تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا

{تحيتهم} تحية الله للمؤمنين {يوم يلقونه} يرونه {سلام} يسلم عليهم {وأعد لهم أجرا كريما} وهو الجنة.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا} على أمتك بإبلاغ الرسالة.

وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا

{وداعيا إلى الله} إلى ما يقرب منه من الطاعة والتوحيد {بإذنه} بأمره، أي: إنه أمرك بهذا لا أنك تفعله من قبلك {وسراجا منيرا} يستضاء به من ظلمات الكفر. وقوله:

وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا

{وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا}

وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا

{ودع أذاهم } لا تجازهم عليه إلى أن تؤمر فيهم بأمرنا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا

{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات} تزوجتموهن {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} تجامعوهن {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} تحصونها عليهن بالأفراد والأشهر، لأن المطلقة قبل الجماع لا عدة عليها {فمتعوهن} أعطوهن ما يستمتعن به، وهذا أمر ندب، لأن الواجب لها نصف الصداق {وسرحوهن سراحا جميلا} بالمعروف كما أمر الله تعالى، ثم ذكر ما يحل من النساء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ و

{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} مهورهن {وما ملكت يمينك} من الإماء {مما أفاء الله عليك} جعلهن غنيمة تسبى وتسترق بحكم الشرع {وبنات عمك وبنات عماتك} أن يتزوجهن، يعني: نساء بني عبد المطلب {وبنات خالك وبنات خالاتك} يعني: نساء بني زهرة {اللاتي هاجرن معك} فمن لمن يهاجر منهن لم يحل له نكاحها {وامرأة} وأحللنا لك امرأة {مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها} فله ذلك {خالصة لك من دون المؤمنين} فليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يستبيح وطء امرأة بلفظ الهبة من غير ولي ولا مهر ولا شاهد {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} وهو أن لا نكاح إلا بولي وشاهدين {وما ملكت أيمانهم} يريد أنه لا يحل لغير النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربع ولي وشاهدين، وإلا ملك اليمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يحل له ما ذكر في هذه الآية {لكيلا يكون عليك حرج} في النكاح.

تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُ

{ترجي من تشاء منهن} تؤخر {وتؤوي} وتضم {إليك من تشاء} أباح الله سبحانه له أن يترك القسمة والتسوية بين أزواجه، حتى إنه ليؤخر من شاء منهن عن وقت نوبتها، ويطأ من يشاء من غير نوبتها، ويكون الاختيار في ذلك إليه يفعل فيه ما يشاء، وهذا من خصائصه {ومن ابتغيت} طلبت وأردت إصابتها {ممن عزلت} هجرت وأخرت نوبتها {فلا جناح عليك} في ذلك كله {ذلك أدنى أن تقر أعينهن} الآية. إذا كانت هذه الرخصة منزلة من الله سبحانه عليك كان أقرب إلى أن {ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم } من أمر النساء والميل إلى بعضهن، ولما خير النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه ورضين به، قصره الله سبحانه عليهن، وحرم عليه طلاقهن والتزوج بسواهن، وجعلهن أمهات المؤمنين، وهو قوله:

لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا

{لا يحل لك النساء من بعد} أي: من بعد هؤلاء التسع {ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} ليس لك أن تطلق واحدةً من هؤلاء، ولا تتزوج بدلها أخرى أعجبتك بجمالها {إلا ما ملكت يمينك} من الإماء فإنهن حلال لك.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَان

{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} الآية. نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم، وهو قوله: {غير ناظرين إناه} أي: منتظرين إدراكه {ولا مستأنسين لحديث} طالبين الأنس {والله لا يستحيي من الحق } لا يترك تأديبكم وحملكم على الحق {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} إذا أردتم أن تخاطبوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أمر فخاطبوهن من وراء حجاب، وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال، فلما نزلت هذه الآية ضرب عليهن الحجاب، فكانت هذا آية الحجاب بينهن وبين الرجال {ذلكم} أي: الحجاب {أطهر لقلوبكم وقلوبهن} فإن كل واحد من الرجل والمرأة إذا لم ير الآخر لم يقع في قبله {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} أي: ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} وذلك أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه قال: لئن قبض رسول الله صلى عليه وسلم لأنكحن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، فأعلم الله سبحانه أن ذلك محرم بقوله: {إن ذلكم كان عند الله عظيما} أي: ذنباً عظيماً.

إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

{إن تبدوا شيئا أو تخفوه} الآية. نزلت في هذا الرجل الذي قال: لأنكحن عائشة، أخبر الله أنه عالم بما يظهر ويكتم، فلما نزلت آية الحجاب قالت الآباء والأنباء لرسول الله صلى عليه وسلم: ونحن أيضاً نكلمهن من وراء الحجاب؟ فأنزل الله سبحانه:

لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْء

{لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن} أي: في ترك الاحتجاب من هؤلاء.

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

{إن الله وملائكته يصلون على النبي} الله تعالى يثني على النبي ويرحمه، والملائكة يدعون له {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} قولوا: اللهم صلى على محمد وسلم.

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا

{إن الذين يؤذون الله ورسوله} يعني: اليهود والنصارى والمشركين في قولهم: {يد الله مغلولة} و{إن الله فقير} و{المسيح ابن الله} والملائكة بنات الله، وشجوا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: ساحر وشاعر.

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا

{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } يرمونهم بغير ما عملوا.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا

{يا أيها النبي قل لأزواجك} الآية. كان قوم من الزناة يتبعون النساء إذا خرجن ليلاً، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء، ولم يكن يومئذ تعرف الحرة من الأمة، لأن زيهن كان واحداً، إنما يخرجون في درع وخمار، فنهيى الله سبحانه الحرائر أن يتشبهن بالإماء، وأنزل قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} أي: يرخين أرديتهن وملاحفهن، ليعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن، وهو قوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا} لما سلف من ترك الستر {رحيما} بهن إذ يسترهن.

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا

{لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض } يعني: الزناة {والمرجفون في المدينة} الذين يوقعون أخبار السرايا بأنهم هزموا بالكذب والباطل {لنغرينك بهم} لنسلطنك عليهم {ثم لا يجاورونك فيها} لا يساكنونك في المدينة {إلا قليلا} حتى خرجوا منها.

مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا

{ملعونين} مطرودين {أينما ثقفوا} وجدوا {أخذوا وقتلوا تقتيلا}.

سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا

{سنة الله في الذين خلوا من قبل} سن الله في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يقتلوا حيث ما ثقفوا. وقوله:

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا

{يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا}.

إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا

{إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا}.

خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا

{خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا}.

يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا

{يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا}.

وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا

{إنا أطعنا سادتنا} أي: قادتنا ورؤساءنا في الشرك والضلالة.

رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا

{ربنا آتهم ضعفين من العذاب } مثلي عذابنا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا

{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى} لا تؤذوا نبيكم كما آذوا هم موسى عليه السلام، وذلك أنهم رموه بالبرص والأدرة حتى برأه الله مما رموه به بآية معجزة {وكان عند الله وجيها} ذا جاه ومنزلة. وقوله:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا

{وقولوا قولا سديدا} أي: حقاً وصواباً. قيل: هو لا إله إلا الله.

يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

{يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}.

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا

{إنا عرضنا الأمانة} الفرائض التي افترض الله سبحانه على العباد، وشرط عليهم أن من أداها جوزي بالإحسان، ومن خان فيها عوقب. {على السماوات والأرض والجبال} أفهمهن الله سبحانه خطابه وأنطقهن {فأبين أن يحملنها} مخافةً وخشيةً لا معصيةً ومخالفةً، وهو قوله: {وأشفقن منها} أي: خشين منها {وحملها الإنسان} آدم عليه السلام {إنه كان ظلوما} لنفسه {جهولا} غراً بأمر الله سبحانه وما احتمل من الأمانة، ثم بين أن حمل آدم عليه السلام هذه الأمانة كان سبباً لتعذيب المنافقين والمشركين في قوله:

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا

{ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} يعني: إذا خانوا في الأمانة بمعصية أمر الله سبحانه تاب عليهم بفضله {وكان الله غفورا رحيما}.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس