1-" حم " .
2-" عسق " لعله إسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين ، وإن كانا اسماً واحداً فالفصل ليطابق سائر الحواميم ، وقرئ حم سق .
3-" كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم " أي مثل ما في هذه السورة من المعاني ، أو إيحاء مثل إيحائها أوحى إليك وإلى الرسل من قبلك ، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته ، وقرأ ابن كثير يوحى بالفتح على أن كذلك مبتدأ و يوحى خبره المسند إلى ضميره ، أو مصدر و يوحى مسند إلى إليك ، و " الله " مرتفع بما دل عليه يوحى ، و " العزيز الحكيم " صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة ، أو بالابتداء كما في قراءة نوحي بالنون و " العزيز " وما بعده أخبار أو " العزيز الحكيم " صفتان . وقوله :
4-" له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم " خبران له وعلى الوجوه الأخر استئناف مقرر لعزته وحكمته .
5-" تكاد السموات " وقرأ نافع و الكسائي بالياء . " يتفطرن " يتشققن من عظمة الله ، وقيل من ادعاء الولد له . وقرأ البصريان و أبو بكر ينفطرن بالنون والأول أبلغ لأنه مطاوع فطر وهذا مطاوع فطر ، وقرئ تتفطرن بالتاء لتأكيد التأنيث وهو نادر . " من فوقهن " أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية ، وتخصيصها على الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على علو شأنه من تلك الجهة ، وعلى الثاني ليدل على الانفطار من تحتهن بالطريق الأول . وقيل الضمير للأرض فإن المراد بها الجنس . " والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض " بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإلهام وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة ، وذلك في الجملة يعم المؤمن ولكافر بل لو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد ، وحيث خص بالمؤمنين فالمراد به الشفاعة . " ألا إن الله هو الغفور الرحيم " إذ ما من مخلوق إلا وهو ذو حظ من رحمته ، والآية على الأول زيادة تقرير لعظمته وعلى الثاني دلالة على تقدسه عما نسب إليه ، وإن عدم معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء باستغفار الملائكة وفرط غفران الله ورحمته .
6-" والذين اتخذوا من دونه أولياء " شركاء وأنداداً . " الله حفيظ عليهم " رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها . " وما أنت " يا محمد . " عليهم بوكيل " بموكل بهم أو بموكول إليك أمرهم .
7-" وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً " الإشارة إلى مصدر " يوحي " أو إلى معنى الآية المتقدمة ، فإنه مكرر في القرآن في مواضع جمة فتكون الكاف مفعولا به و " قرآناً عربياً " حال منه . " لتنذر أم القرى " أهل أم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى . " ومن حولها " من العرب . " وتنذر يوم الجمع " يوم القيامة يجمع فيه الخلائق أو الأرواح أو الأشباح ،أو العمال والأعمال وحذف ثاني مفعول الأول و أول مفعولي الثاني للتهويل وإبهام التعميم ، وقرئ لينذر بالياء والفعل للقرآن . " لا ريب فيه " اعتراض لا محل له من الإعراب . " فريق في الجنة وفريق في السعير " أي بعد جمعهم في الموقف يجمعون أولاً ثم يفرقون ، والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه ، وقرئا منصوبين على الحال منهم أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين بمعنى مشارفين للتفرق ، أو متفرقين في داري الثواب والعقاب .
8-" ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدةً " مهتدين أو ضالين . " ولكن يدخل من يشاء في رحمته " بالهداية والحمل على الطاعة . " والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير " أي يدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه ،ولعل تغيير المقابلة للمبالغة في الوعيد إذ الكلام في الإنذار .
9-" أم اتخذوا " بل اتخذوا . " من دونه أولياء " كالأصنام . " فالله هو الولي " جواب لشرط محذوف مثل إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق . " وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير " كالتقرير لكونه حقيقاً بالولاية .
10-" وما اختلفتم " أنتم والكفار . " فيه من شيء " من أمر من أمور الدنيا أو الدين . " فحكمه إلى الله " مفوض إليه يميز المحق من المبطل بالنصر أو بالإثابة والمعاقبة . وقيل " وما اختلفتم فيه " من تأويل متشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله . " ذلكم الله ربي عليه توكلت " في مجامع الأمور . " وإليه أنيب " إليه أرجع في المعضلات .
11-" فاطر السموات والأرض " خبر آخر لـ" ذلكم " أو مبتدأ خبره . " جعل لكم " وقرئ بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله . " من أنفسكم " من جنسكم . " أزواجاً " نساء . " ومن الأنعام أزواجاً " أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً ، أو خلق لكم من الأنعام أصنافاً أو ذكوراً و أناثاً . " يذرؤكم " يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس ، و " الأنعام " على تغليب المخاطبين العقلاء . " فيه " في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام يكون بينهم توالد ، فإنه كالمنبع للبث والتكثير . " ليس كمثله شيء " أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه ، والمراد من مثله ذاته كما في قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى ، ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاته . ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عنى أنه يعطى معنى " ليس كمثله " غير أنه آكد لما ذكرناه . وقيل مثله صفته أي ليس كصفته صفة . " وهو السميع البصير " لكل ما يسمع ويبصر .
12-" له مقاليد السموات والأرض " خزائنها . " يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " يوسع ويضيق على وقف مشيئته . " إنه بكل شيء عليم " فيفعله على ما ينبغي .
13-" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى " أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام وما بينهما من أرباب الشرائع ، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله : " أن أقيموا الدين " وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول " شرع " ، أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به . " ولا تتفرقوا فيه " ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً " " كبر على المشركين " عظم عليهم . " ما تدعوهم إليه " من التوحيد . " الله يجتبي إليه من يشاء " يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين ." ويهدي إليه " بالإشارة والتوفيق . " من ينيب " يقبل إليه .
114-" وما تفرقوا " يعني الأمم السالفة . وقيل أهل الكتاب لقوله : " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب " " إلا من بعد ما جاءهم العلم " العلم بأن التفرق ضلال متوعد عليه ، أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها . " بغياً بينهم " عداوة أو طلباً للدنيا . " ولولا كلمة سبقت من ربك " بالإمهال . " إلى أجل مسمى " هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة . " لقضي بينهم " باستئصال المبطلين حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا . " وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم " يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب . وقرئ ورثوا و ورثوا . " لفي شك منه " من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان ، أو من القرآن . " مريب " مقلق أو مدخل في الريبة .
15-" فلذلك " فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب ، أو العلم الذي أوتيته . " فادع " إلى الاتفاق على الملة الحنفية أو الإتباع لما أوتيت ، وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع إلى لإفادة الصلة والتعليل . " واستقم كما أمرت " واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى : " ولا تتبع أهواءهم " الباطلة . " وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب " يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض . " وأمرت لأعدل بينكم " في تبليغ الشرائع والحكومات ، والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية . " الله ربنا وربكم " خالق الكل ومتولي أمره ." لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " وكل مجازى بعمله . " لا حجة بيننا وبينكم " ولا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد . " الله يجمع بيننا " يوم القيامة . " وإليه المصير " مرجع الكل لفصل القضاء ،وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأساً حتى تكون منسوخة بآية القتال .
16-" والذين يحاجون في الله " في دينه . " من بعد ما استجيب له " من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه ، أو من بعد ما استجاب الله لرسوله فأظهر دينه بنصره يوم بدر ، أو من بعد استجاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته واستفتحوا به . " حجتهم داحضة عند ربهم " زائلة باطلة . " وعليهم غضب " لمعاندتهم . " ولهم عذاب شديد " على كفرهم .
17-" الله الذي أنزل الكتاب " جنس الكتاب . " بالحق " ملتبساً بعيداً من الباطل ، أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام . " والميزان " والشرع الذي توزن به الحقوق ويسوي بين الناس ، أو العدل بأن أنزل الأمر به أو آلة الوزن بأن أوحى بإعدادها . " وما يدريك لعل الساعة قريب " إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه أعمالك وتوفى جزاءك ، وقيل تذكير القريب لأنه بمعنى ذات قرب ، أو لأن الساعة بمعنى البعث .
18-" يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها " استهزاء . " والذين آمنوا مشفقون منها " خائفون منها مع اغتيابها لتوقع الثواب . " ويعلمون أنها الحق " أ ي الكائن لا محالة . " ألا إن الذين يمارون في الساعة " يجادلون فيها من المرية ، أو من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كلاً من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة . " لفي ضلال بعيد " عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات ،فمن لم يهتد لتجويزه ، فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه
19-" الله لطيف بعباده " بربهم بصنوف من البر لا تبلغها الأفهام . " يرزق من يشاء " أي يرزقه كما يشاء فيخص كلاً من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته . " وهو القوي " الباهر القدرة . " العزيز " المنيع الذي لا يغلب .
20-" من كان يريد حرث الآخرة " ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل ولذلك قيل : الدنيا مزرعة الآخرة ، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ويقال للزرع الحاصل منه ، " نزد له في حرثه " فنعطه بالواحد عشراً إلى سبعمائة فما فوقها . " من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها " شيئاً منها على ما قسمنا له . " وما له في الآخرة من نصيب " إذ " الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " .
21-" أم لهم شركاء " بل ألهم شركاء ، والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم . " شرعوا لهم " بالتزيين . " من الدين ما لم يأذن به الله " كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا . وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء ،وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالهم وافتتانهم بما تدينوا به ، أو صور من سنة لهم . " ولولا كلمة الفصل " أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء ،أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة . " لقضي بينهم " بين الكافرين والمؤمنين ، أو المشركين وشركائهم . " وإن الظالمين لهم عذاب أليم " وقرئ أن بالفتح عطفاً على كلمة " الفصل " أي " ولولا كلمة الفصل " وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا ،فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة .
22-" ترى الظالمين " في القيامة . " مشفقين " خائفين . " مما كسبوا " من السيئات . " وهو واقع بهم " أي وباله لاحق بهم أشفقوا . " والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات " في أطيب بقاعها وأنزهها . " لهم ما يشاؤون عند ربهم " أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم ." ذلك " إشارة إلى المؤمنين . " هو الفضل الكبير " الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا .
23-" ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ذلك الثواب الذي يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد ، أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده . وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و الكسائي يبشر من بشره وقرئ يبشر من أبشره . " قل لا أسألكم عليه " على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة . " أجراً " نفعاً منكم . " إلا المودة في القربى" أي تودوا قرابتي ، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى : لا أسألكم أجراً قط ولكني أسألكم المودة ، و " في القربى " حال منها أي " إلا المودة " ثابتة في ذوي " القربى " متمكنة في أهلها ، أو في حق القرابة ومن أجلها كما جاء في الحديث " الحب في الله والبغض في الله " . روي :" أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال : علي وفاطمة وابناهما " . وقيل " القربى " التقرب إلى الله أي إلا تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح ، وقرئ إلا مودة في القربى . " ومن يقترف حسنةً " ومن يكتب طاعة سيما حب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومودته لهم . " نزد له فيها حسناً " في الحسنة بمضاعفة الثواب ، وقرئ يزد أي يزد الله وحسنى . " إن الله غفور " لمن أذنب " شكور " لمن أطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة .
24-" أم يقولون " بل أيقولون . " افترى على الله كذباً " افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن . " فإن يشإ الله يختم على قلبك " استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوماً على قلبه جاهلاً بربه ،فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا ، وكأنه قال : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه . وقيل يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه ، أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم . " ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور " استئناف لنفي الافتراء عما يقوله بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده ، بمحو باطلهم وإثبات حقه بالقرآن ،أو بقضائه الذي لا مرد له ، وسقوط الواو من " يمح " في بعض المصاحف لإتباع اللفظ كما في قوله تعالى :" ويدع الإنسان بالشر " .
25-" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " بالتجاوز عما تابوا عنه ، والقبول يعدي إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإبانة ، وقد عرفت حقيقة التوبة . وعن علي رضي الله تعالى عنه : هي اسم يقع على ستة معان : على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ،ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته . " ويعفو عن السيئات " صغيرها وكبيرها لمن يشاء . " ويعلم ما تفعلون " فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة ، وقرأ الكوفيون غير أبي بكر ما تفعلون بالتاء .
26-" ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في " وإذا كالوهم " والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة ، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " أفضل الدعاء الحمد لله " ، أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها . " ويزيدهم من فضله " على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة . " والكافرون لهم عذاب شديد " بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل .
27-" ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض " لتكبروا وأفسدوا فيها بطراً ، أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب ،وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية . " ولكن ينزل بقدر " بتقدير . " ما يشاء " كما اقتضته مشيئته . " إنه بعباده خبير بصير " يعلم خفايا أمرهم و جلايا حالهم 0فيقدر لهم ما يناسب شأنهم . روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت . وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا .
28-" وهو الذي ينزل الغيث " المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع ،وقرأ نافع و ابن عامر ينزل بالتشديد . " من بعد ما قنطوا " أيسوا منه ،وقرئ بكسر النون . " وينشر رحمته " في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان . " وهو الولي " الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته . " الحميد " المستحق للحمد على ذلك .
29-" ومن آياته خلق السموات والأرض " فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم . " وما بث فيهما " عطف على السموات ألو الـ" خلق " . " من دابة " من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب ، أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيها في الجملة . " وهو على جمعهم إذا يشاء " أي في أي وقت يشاء . " قدير " متمكن منه و " إذا " كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع .
30-" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فبسبب معاصيكم ، والفاء لأن " ما " شرطية أو متضمنة معناه ،ولم يذكرها نافع و ابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية . " ويعفو عن كثير " من الذنوب فلا يعاقب عليها . والآية مخصوصة بالمجرمين ، فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه .
31-" وما أنتم بمعجزين في الأرض " فائتين ما قضى عليكم من المصائب . " وما لكم من دون الله من ولي " يحرصكم عنها . " ولا نصير " يدفعها عنكم .
32-" ومن آياته الجوار " السفن الجارية . " في البحر كالأعلام " كالجبال . قالت الخنساء : وإن صخر لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
33-" إن يشأ يسكن الريح " وقرئ الرياح . " فيظللن رواكد على ظهره " فيبقين ثوابت على ظهر البحر . " إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " لكل من وكل همته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه ، أو لكل مؤمن كامل الإيمان فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر .
34-" أو يوبقهن " أو يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرقة ، والمراد إهلاك أهلها لقوله تعالى : " بما كسبوا " وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله تعالى : " ويعف عن كثير " إذ المعنى أو يرسلها فيوبق ناساً بذنوبهم وينج ناساً على العفو منهم ، وقرئ ويعفو على الاستئناف .
35-" ويعلم الذين يجادلون في آياتنا " عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم " ويعلم " ، أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جواراً للأشياء الستة لأنه أيضاً غير واجب ، وقرأ نافع و ابن عامر بالرفع على الاستئناف ، وقرئ بالجزم عطفاً على " يعف " فيكون المعنى ويجمع بين إهلاك قوم و إنجاء قوم وتحذير آخرين . " لهم من محيص " محيد من العذاب والجملة معلق عنها الفعل .
36-" فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا " تمتعون به مدة حياتكم . " وما عند الله " من ثواب الآخرة . " خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " لخلوص نفعه ودوامه و " ما " الأولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا فجاءت الفاء جوابها بخلاف الثانية . وعن علي رضي الله تعالى عنه :تصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه بماله كله فلامه جمع فنزلت .
37-" والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون " " والذين " بما بعده عطف على " للذين آمنوا " أو مدح منصوب أو مرفوع ،وبناء " يغفرون " على ضميرهم خبراً للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال النصب ،وقرأ حمزة و الكسائي كبير الإثم .
38-" والذين استجابوا لربهم " نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان فاستجابوا له . " وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم " ذو شورى بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاورا ويجتمعوا عليه ، وذلك من فرط تدبرهم وتيقظهم في الأمور ، وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور . " ومما رزقناهم ينفقون " في سبيل الله الخير .
39-" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون " على ما جعله الله لهم كراهة التذلل ، وهو وصفهم عن عجز المغفور بسائر أمهات الفضائل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران ،فإنه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم ، والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي ،ثم عقب وصفهم بالانتصار للمنع عن التعدي .
40-" وجزاء سيئة سيئة مثلها " وسمى الثانية " سيئة " للازدواج ، أو لأنها تسوء من تنزل به . " فمن عفا وأصلح " بينه وبين عدوه . " فأجره على الله " عدة مبهمة تدل على عظم الموعود . " إنه لا يحب الظالمين " المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام .
41-" ولمن انتصر بعد ظلمه " بعد ما ظلم ، وقد قرئ به . " فأولئك ما عليهم من سبيل " بالمعاتبة والمعاقبة .
42-" إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " يبتدئونهم بالإضرار وبطلبون ما لا يستحقونه تجبراً عليهم . " ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " على ظلمهم وبغيهم .
43-" ولمن صبر " على الأذى . " وغفر " ولم ينتصر . " إن ذلك لمن عزم الأمور " أي إن ذلك منه فحذف كما حذف في قولهم : السمن منوان بدرهم ، للعلم به .
44-" ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده " من ناصر يتولاه من بعد خذلان الله إياه . " وترى الظالمين لما رأوا العذاب " حين يرونه فذكر بلفظ الماضي تحقيقاً . " يقولون هل إلى مرد من سبيل " هل إلى رجعة إلى الدنيا .
45-" وتراهم يعرضون عليها " على النار ، ويدل عليه " العذاب " . " خاشعين من الذل " متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل . " ينظرون من طرف خفي " أيبتدئ نظرهم إلى النار مع تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف . " وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم " بالتعريض للعذاب المخلد . " يوم القيامة " ظرف لـ" خسروا " والقول في الدنيا ،أو لقال أي يقولون إذا رأوهم على تلك الحال . " ألا إن الظالمين في عذاب مقيم " تمام كلامهم أو تصديق من الله لهم .
46-" وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل " إلى الهدى أو النجاة .
47-" استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله " لا يرده الله بعدما حكم به و " من " صلة لـ" مرد " . وقيل صلة " يأتي " أي من قبل أن يأتي يوم من الله لا يمكن رده . " ما لكم من ملجأ " مفر . " يومئذ وما لكم من نكير " إنكار لما اقترفتموه لأنه مدون في صحائف أعمالكم تشهد عليه ألسنتكم وجوار حكم .
48-" فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً " رقيباً أو محاسباً . " إن عليك إلا البلاغ " وقد بلغت . " و إنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها " أراد بالإنسان الجنس لقوله : " وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور " بليغ الكفران ينسى النعمة رأساً ويذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها ،وهدا وإن اختص بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه . وتصدير الشرطية الأولى بـ" إذا " والثانية بـ" إن " لأن إذاقة النعمة محققة من حيث أنها عادة مقتضاة بالذات بخلاف إصابة البلية ، وإقامة علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة .
49-" لله ملك السموات والأرض " فله أن يقسم النعمة والبلية كيف يشاء . " يخلق ما يشاء " من غير لزوم ومجال اعتراض . " يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور " .
50-" أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً " بدل من " يخلق " بدل البعض ، والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة فيهب لبعض إما صنفاً واحداً من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعاً ويعقم آخرين ، ولعل تقديم الإناث لأنها أكثر لتكبير النسل ، أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك ، أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء ،أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور ، أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في الثلث لأنه فسم المشترك بين القسمين ، ولم يحتج إليه الرابع لا فصاحة بأنه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدمة . " إنه عليم قدير " فيفعل بحكمة واختيار .
51-" وما كان لبشر " وما صح له . " أن يكلمه الله إلا وحياً " كلاماً خفياً يدرك لأنه بسرعة تمثيل ليس في ذاته مركباً من حروف مقطعة تتوقف على تموجات متعاقبة ، وهو ما يعم المشاقه به كما روي في الحديث المعراج ، وما وعد به في حديث الرؤية والمهتف به كما اتفق لموسى في طوى والطور ، ولكن عطف قوله : " أو من وراء حجاب " عليه يخصه بالأول فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها . وقيل المراد به الإلهام والإلقاء في الروع أو الوحي المنزل به الملك إلى الرسل فيكون المراد بقوله : " أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء " أو يرسل إليه نبياً فيبلغ وحيه كما أمره ، وعلى الأول المراد بالرسول الملك الموحي إلى الرسل ، ووحياً بما عطف عليه منتصب بالمصدر لأن " من وراء حجاب " صفة كلام محذوف والإرسال نوع من الكلام ، ويجوز أن يكون وحياً ويرسل مصدرين و " من وراء حجاب " ظرفاً وقعت أحوالاً ، وقرأ نافع " أو يرسل " برفع اللام " إنه علي " عن صفات المخلوقين . " حكيم " يفعل ما تقتضيه حكمته فيكلم تارة بوسط ، وتارة بغير وسط إما عياناً و إما من وراء حجاب .
52-" وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا " يعني ما أوحي إليه ،وسماه روحاً لأن القلوب تحيا به ، وقيل جبريل والمعنى أرسلناه إليك بالوحي . " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان " أي قبل الوحي ، وهو دليل على أنه لم يكن متعبداً قيل النبوة بشرع . وقيل المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع . " ولكن جعلناه " أي الروح أو الكتاب أو الإيمان . " نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا " بالتوفيق للقبول والنظر فيه . " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " هو الإسلام ،وقرئ لتهدى أي ليهديك الله .
53-" صراط الله " بدل من الأول . " الذي له ما في السموات وما في الأرض " خلقاً وملكاً . " ألا إلى الله تصير الأمور " بارتفاع الوسائط والتعلقات ، وفيه وعد ووعيد للمطيعين والمجرمين . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ حم عسق كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له " .