islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير البيضاوى
17285

57-الحديد

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

1-" سبح لله ما في السموات والأرض " ذكر ها هنا وفي الحشر و الصنف بلفظ الماضي ، وفي الجمعة و التغابن بلفظ المضارع بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته ، لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات ، ومجيء المصدر مطلقاً في بني إسرائيل أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال ، وإنما عدي باللام وهو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته إشعاراً بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصاً لوجهه . " وهو العزيز الحكيم " حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح .

لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

2-" له ملك السموات والأرض " فإنه الموجد لها والمتصرف فيها . " يحيي ويميت " استئناف أو خبر لمحذوف " وهو على كل شيء " من الإحياء والإماتة وغيرهما . " قدير " تام القدرة .

هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

3-" هو الأول " السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها . " والآخر " الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها ، أو " هو الأول " الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات ، أو " الأول " خارجاً و " الآخر " ذهناً " والظاهر والباطن " الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول ، أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين ، والمتوسطة للجمع بين المجموعين . " وهو بكل شيء عليم " يستوي عنده الظاهر والخفي .

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ ب

4-" هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض " كالبذور . " وما يخرج منها " كالزروع . " وما ينزل من السماء " كالأمطار . "وما يعرج فيها " كالأبخرة . " وهو معكم أين ما كنتم " لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال . " والله بما تعملون بصير " فيجازيكم عليه ، ولعل تقديم الخلق على العلم لأنه دليل عليه .

لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

5-" له ملك السموات والأرض " ذكره مع الإعادة كما ذكره مع الإداء لأنه كالمقدمة لهما ." وإلى الله ترجع الأمور " .

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

6-" يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور " بمكنوناتها .

آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ

7-" آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم ، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها، وفيه حث على الإنفاق وتهوين له على النفس . " فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير " وعد فيه مبالغات جعل الجملة اسمية وإعادة ذكر الإيمان والإنفاق وبناء الحكم على الضمير وتنكير الأجر ووصفه بالكبر .

وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

8-" وما لكم لا تؤمنون بالله " أي وما تصنعون غير مؤمنين به كقولك : ما لك قائماً . " والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم " حال من ضمير تؤمنون ، والمعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول بدعوكم إليه بالحجج والآيات . " وقد أخذ ميثاقكم " أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر ،الواو للحال من مفعول "يدعوكم " ، وقرأ أبو عمرو على البناء للمفعول ورفع ميثاقكم . " إن كنتم مؤمنين " لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه .

هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

9-" هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم " أي الله أو العبد . " من الظلمات إلى النور " من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ." وإن الله بكم لرؤوف رحيم " حيث نبهكم بالرسول والآيات ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية .

وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَع

10-" وما لكم أن لا تنفقوا " وأي شيء لكم في " أن لا تنفقوا " . " في سبيل الله " فيما يكون قربة إليه ." ولله ميراث السموات والأرض " يرث كل شيء فيهما فلا يبقى لأحد مال ، وإذا كان كذلك فإنفاقه بحيث يستخلف عوضاً يبقى وهو الثواب كان أولى . " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً " بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السبق وقوة اليقين ، وتحري الحاجات حثاً على تحري الأفضل منها بعد الحث على الإنفاق ، و ذكر القتال للاستطراد وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه ، و " الفتح " فتح مكة إذ عز الإسلام به وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والإنفاق . " من الذين أنفقوا من بعد " أي من بعد الفتح " وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى " أي وعد الله كلاً من المنفقين المثوبة الحسنى وهي الجنة .وقرأ ابن عامر وكل بالرفع على الابتداء أي وكل وعده الله ليطابق ما عطف عليه . " والله بما تعملون خبير " عالم بظاهره وباطنه فيجازيكم على حسبه ، والآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أول من آمن وأنفق في سبيل الله وخاصم الكفار حتى ضرب ضرباً أشرف به على الهلاك .

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ

11-" من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه ، فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له . " فيضاعفه له " أي يعطي أجره أضعافاً . " وله أجر كريم " أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى و إن لم يضاعف ، فكيف وقد يضاعف أضعافاً . وقرأ عاصم فيضاعفه بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال : أيقرض الله أحد فيضاعفه له . وقرأ ابن كثير فيضعفه مرفوعاً وقرأ ابن عامر و يعقوب فيضعفه منصوباً .

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

12-" يوم ترى المؤمنين والمؤمنات " ظرف لقوله " وله " أو " فيضاعفه " أو مقدر باذكر " يسعى نورهم " ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة . " بين أيديهم وبأيمانهم " لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين . " بشراكم اليوم جنات " أي يقولم لهم من يتلقاهم من الملائكة " بشراكم " اي المبشر به جنات ، أو " بشراكم " دخول جنات . " تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم " الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة .

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذ

13-" يوم يقول المنافقون والمنافقات " بدل من " يوم ترى " . " للذين آمنوا انظرونا " انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف ، أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم . وقرأ حمزة أنظرونا على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم . " نقتبس من نوركم " نصب منه . " قيل ارجعوا وراءكم " إلى الدنيا . " فالتمسوا نوراً "‌ بتحصيل المعارف الألهية والأخلاق الفاضلة ، فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس ، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نوراً آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا ، وهو تهكم بهم وتخيب من المؤمنين أو الملائكة " فضرب بينهم " بين المؤمنين والمنافقين . "بسور " بحائط . "له باب " يدخل منه المؤمنون . "باطنه " باطن السور أو الباب . " فيه الرحمة " لأنه يلي الجنة ". وظاهره من قبله العذاب " من جهته لأنه يلي النار .

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ

14-" ينادونهم ألم نكن معكم " يريدون موافقتهم في الطاهر . " قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم " بالنفاق . " وتربصتم " بالمؤمنين الدوائر " وارتبتم " وشككتم في الدين . " وغرتكم الأماني " كامتداد العمر " حتى جاء أمر الله " وهو الموت . " وغركم بالله الغرور " الشيطان أو الدنيا .

فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

15-" فاليوم لا يؤخذ منكم فدية " فداء وقرأ ابن عامر و يعقوب بالتاء ." ولا من الذين كفروا" ظاهراً و باطناً ." مأواكم النار هي مولاكم " هي أولى بكم كقول لبيد : ‌ فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها ‌ وحقيقة مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك : هو مئنة الكرام أي مكان قول القائل إنه لكريم ، أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب ، أو ناصركم على طريقة قوله : ‌ تحية بينهم ضرب وجبع ‌ أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا . "وبئس المصير " النار .

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

16-" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " ألم يأت وقته يقال أنى الأمر يأتي أنياً وأناً إذا جاء إناه ، وقرئ ألم يئن بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألما يأن .روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا بالرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت . " وما نزل من الحق " أي القرآ ن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ، ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله ، وقرأ نافع و حفص و يعقوب "نزل " بالتخفيف . وقرئ أنزل . " و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل " عطف على " تخشع " ، وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله : " فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم " أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم ، أو ما بينهم وبين أنبيائهم " فقست قلوبهم " . وقرئ " الأمد " وهو الوقت الأطول . "وكثير منهم فاسقون " خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة .

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

17-" اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها " تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بالإحياء والإموات ترغيباً في الخشوع وزجراً عن القساوة . " قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون " كي تكمل عقولكم .

إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ

18-" إن المصدقين والمصدقات " إن المتصدقين والمتصدقات ، وقد قرئ بهما ، وقرأ ابن كثير و أبو بكر بتخفيف الصاد أي الذين صدقوا الله ورسوله ." وأقرضوا الله قرضاً حسناً " عطف على معنى الفعل في المحل باللام لأن معناه : الذين أصدقوا ، أو صدقوا وهو على الأول للدلالة على أن المعتبر هو التصدق المقرون بالإخلاص . " يضاعف لهم ولهم أجر كريم " معناه والقراءة في " يضاعف " كما مر غير أنه لم يجزم لأنه خبر إن وهو مسند إلى " لهم " أو إلى ضمير المصدر .

وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

19-" والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " أي أولئك عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء ، أو هم المبالغون في الصدق فإنهم آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله ورسوله والقائمون بالشهادة لله ولهم ، أو على الأمم يوم القيامة .وقيل " والشهداء عند ربهم " مبتدأ وخبر ، والمراد به الأنبياء من قوله : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد " أو الذين استشهدوا في سبيل الله " لهم أجرهم ونورهم " مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ولكنه من غير تضعيف ليحل التفاوت ، أو الأجر والنور الموعودان لهم . " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم " فيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار من حيث أن التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفاء .

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَة

20-" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل ، بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جداً إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم و زينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة ، وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد ، ثم قرر ذلك بقوله : " كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً " وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث ، أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجاباً بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها ، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجاباً ، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاماً ، ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله : " وفي الآخرة عذاب شديد " تنفيراً عن الانهماك في الدنيا وحثاً على ما يوجب كرامة العقبى ،ثم أكد ذلك بقوله : " ومغفرة من الله ورضوان " أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة . " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة .

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

21-" سابقوا " سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار ." إلى مغفرة من ربكم " إلى موجباتها ."وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " أي عرضها كعرضهما وإن كان العرض كذلك فما ظنك بالطول ، وقيل المراد به البسطة كقوله :" فذو دعاء عريض " " أعدت للذين آمنوا بالله ورسله " فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإيمان وحده كاف في استحقاقها . " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " ذلك الموعود يتفضل به على من يشاء من غير أيجاب . " والله ذو الفضل العظيم " منه التفضل بدلك وإن عظم قدره .

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

22-" ما أصاب من مصيبة في الأرض " كجدب وعاهة . " ولا في أنفسكم " كمرض و آفة . " إلا في كتاب " إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى . " من قبل أن نبرأها " نخلقها والضمير للـ" مصيبة " أو " الأرض " أو للأنفس " إن ذلك " أي إثباته في كتاب . " على الله يسير " لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة .

لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ

23-" لكي لا تأسوا " أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا " على ما فاتكم " من نعم الدنيا " ولا تفرحوا بما آتاكم " بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر ، وقرأ أبو عمرو " بما آتاكم " من الإتيان ليعادل ما فاتكم ، وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها ، وأما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها ،والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال ،ولذلك عقبه بقوله : " والله لا يحب كل مختال فخور " إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء .

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

24-" الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضمن به غالباً أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله : " ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد " لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه ، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنقاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع و ابن عامر " فإن الله غني " .

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِن

25-" لقد أرسلنا رسلنا " أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم . " بالبينات " بالحجج والمعجزات . " وأنزلنا معهم الكتاب " ليبين الحق ويميز صواب العمل . " والميزان " لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى : " ليقوم الناس بالقسط " وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده ، وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام ،ويجوز أن يراد به العدل . " ليقوم الناس بالقسط " لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال : " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " فإن الآت الحروب متخذة منه . " ومنافع للناس " إذ ما من صنعة إلا والحديد ألاتها . " وليعلم الله من ينصره ورسله " باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلاً ، أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله . " بالغيب " حال من المستكن في ينصره ." إن الله قوي " ، على إهلاك من أراد إهلاكه ." عزيز " لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

26-" ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب " بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب . وقيل المراد بالكتب الخط . " فمنهم " فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم " أرسلنا " . " مهتد وكثير منهم فاسقون " خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن السنن القابلة للمبالغة في الذم والدلالة على أن الغلبة للضلال .

ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ ر

27-" ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم " أي أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى عليه السلام ،والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم ، أو من عاصرهما من الرسل لا للذرية ، فإن الرسل لملقى بهم من الذرية . " وآتيناه الإنجيل " وقرئ بفتح الهمزة وأمره أهون من أمر البرطيل لأنه أعجمي . " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً " وقرئ رآفة على فعالة . " ورحمةً ورهبانيةً ابتدعوها " أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها ، أو رهبانية مبتدعة على أنها من المجعولات وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس ، منسوبة إلى البرهان وهو المبالغ في الخوف من رهب كالخشيان من خشي ، وقرئت بالضم كأنها منسوبة إلى البرهان وهو جمع راهب كراكب وركبان . " ما كتبناها عليهم " ما فرضناها عليهم . " إلا ابتغاء رضوان الله " استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها " ابتغاء رضوان الله " . وقيل متصل فإن " ما كتبناها عليهم " بمعنى ما تعبدناهم بها وهو كما ينفي الإيجاب المقصود منه دفع العقاب ينفي الندب المقصود منه مجرد حصول مرضاة الله ، وهو يخالف قوله " ابتدعوها " إلا أن يقال " ابتدعوها " ثم ندبوا إليها ، أو " ابتدعوها " بمعنى استحدثوها واتوا بها ، أو لأنهن اخترعوها من تلقاء أنفسهم . " فما رعوها " أي فم رعوها جميعاً . "حق رعايتها " بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام ونحوها إليها . " فآتينا الذين آمنوا " أتوا بالإيمان الصحيح ومن ذلك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وحافظوا حقوقها ." منهم " من المتسمين باتباعه . "أجرهم وكثير منهم فاسقون " خارجون عن حال الاتباع .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

28-" يا أيها الذين آمنوا " بالرسل المتقدمة . " اتقوا الله " فيما نهاكم عنه . " وآمنوا برسوله " محمد عليه الصلاة والسلام . " يؤتكم كفلين " نصيبين . " من رحمته " لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمانكم بمن قبله . ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخاً ببركة الإسلام ، وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم . " ويجعل لكم نوراً تمشون به " يريد المذكور في قوله : " يسعى نورهم " أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس . " ويغفر لكم والله غفور رحيم " .

لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

29-" لئلا يعلم أهل الكتاب " اي ليعلموا و لا مزيدة ويؤيده أنه قرئ ليعلم و لكي يعلم و لأن يعلم بإدغام النون في الياء . " ألا يقدرون على شيء من فضل الله " أن هي المخففة والمعنى : أنه لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضله و لا يتمكنون من نيله لأنهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالإيمان به ، أو لا يقدرون على شيء من فضله فضلاً عن أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة فيخصوها بمن أرادوا ويؤيده قوله : " وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " وقيل لا غير مزيدة والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شيء من فضل الله ولا ينالونه ، فيكون " وأن الفضل " عطفاً على " لئلا يعلم " ، وقرئ ليلا يعلم ووجهه أن الهمزة حذفت وأدغمت النون في اللام ثم أبدلت ياء . وقرئ ليلا على أن الأصل في الحروف المفردة الفتح . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسوله أجمعين " .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس