1-" سبح لله ما في السموات والأرض " ذكر ها هنا وفي الحشر و الصنف بلفظ الماضي ، وفي الجمعة و التغابن بلفظ المضارع بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته ، لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات ، ومجيء المصدر مطلقاً في بني إسرائيل أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال ، وإنما عدي باللام وهو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته إشعاراً بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصاً لوجهه . " وهو العزيز الحكيم " حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح .
2-" له ملك السموات والأرض " فإنه الموجد لها والمتصرف فيها . " يحيي ويميت " استئناف أو خبر لمحذوف " وهو على كل شيء " من الإحياء والإماتة وغيرهما . " قدير " تام القدرة .
3-" هو الأول " السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها . " والآخر " الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها ، أو " هو الأول " الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات ، أو " الأول " خارجاً و " الآخر " ذهناً " والظاهر والباطن " الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول ، أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين ، والمتوسطة للجمع بين المجموعين . " وهو بكل شيء عليم " يستوي عنده الظاهر والخفي .
4-" هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض " كالبذور . " وما يخرج منها " كالزروع . " وما ينزل من السماء " كالأمطار . "وما يعرج فيها " كالأبخرة . " وهو معكم أين ما كنتم " لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال . " والله بما تعملون بصير " فيجازيكم عليه ، ولعل تقديم الخلق على العلم لأنه دليل عليه .
5-" له ملك السموات والأرض " ذكره مع الإعادة كما ذكره مع الإداء لأنه كالمقدمة لهما ." وإلى الله ترجع الأمور " .
6-" يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور " بمكنوناتها .
7-" آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم ، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها، وفيه حث على الإنفاق وتهوين له على النفس . " فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير " وعد فيه مبالغات جعل الجملة اسمية وإعادة ذكر الإيمان والإنفاق وبناء الحكم على الضمير وتنكير الأجر ووصفه بالكبر .
8-" وما لكم لا تؤمنون بالله " أي وما تصنعون غير مؤمنين به كقولك : ما لك قائماً . " والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم " حال من ضمير تؤمنون ، والمعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول بدعوكم إليه بالحجج والآيات . " وقد أخذ ميثاقكم " أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر ،الواو للحال من مفعول "يدعوكم " ، وقرأ أبو عمرو على البناء للمفعول ورفع ميثاقكم . " إن كنتم مؤمنين " لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه .
9-" هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم " أي الله أو العبد . " من الظلمات إلى النور " من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ." وإن الله بكم لرؤوف رحيم " حيث نبهكم بالرسول والآيات ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية .
10-" وما لكم أن لا تنفقوا " وأي شيء لكم في " أن لا تنفقوا " . " في سبيل الله " فيما يكون قربة إليه ." ولله ميراث السموات والأرض " يرث كل شيء فيهما فلا يبقى لأحد مال ، وإذا كان كذلك فإنفاقه بحيث يستخلف عوضاً يبقى وهو الثواب كان أولى . " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً " بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السبق وقوة اليقين ، وتحري الحاجات حثاً على تحري الأفضل منها بعد الحث على الإنفاق ، و ذكر القتال للاستطراد وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه ، و " الفتح " فتح مكة إذ عز الإسلام به وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والإنفاق . " من الذين أنفقوا من بعد " أي من بعد الفتح " وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى " أي وعد الله كلاً من المنفقين المثوبة الحسنى وهي الجنة .وقرأ ابن عامر وكل بالرفع على الابتداء أي وكل وعده الله ليطابق ما عطف عليه . " والله بما تعملون خبير " عالم بظاهره وباطنه فيجازيكم على حسبه ، والآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أول من آمن وأنفق في سبيل الله وخاصم الكفار حتى ضرب ضرباً أشرف به على الهلاك .
11-" من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه ، فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له . " فيضاعفه له " أي يعطي أجره أضعافاً . " وله أجر كريم " أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى و إن لم يضاعف ، فكيف وقد يضاعف أضعافاً . وقرأ عاصم فيضاعفه بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال : أيقرض الله أحد فيضاعفه له . وقرأ ابن كثير فيضعفه مرفوعاً وقرأ ابن عامر و يعقوب فيضعفه منصوباً .
12-" يوم ترى المؤمنين والمؤمنات " ظرف لقوله " وله " أو " فيضاعفه " أو مقدر باذكر " يسعى نورهم " ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة . " بين أيديهم وبأيمانهم " لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين . " بشراكم اليوم جنات " أي يقولم لهم من يتلقاهم من الملائكة " بشراكم " اي المبشر به جنات ، أو " بشراكم " دخول جنات . " تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم " الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة .
13-" يوم يقول المنافقون والمنافقات " بدل من " يوم ترى " . " للذين آمنوا انظرونا " انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف ، أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم . وقرأ حمزة أنظرونا على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم . " نقتبس من نوركم " نصب منه . " قيل ارجعوا وراءكم " إلى الدنيا . " فالتمسوا نوراً " بتحصيل المعارف الألهية والأخلاق الفاضلة ، فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس ، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نوراً آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا ، وهو تهكم بهم وتخيب من المؤمنين أو الملائكة " فضرب بينهم " بين المؤمنين والمنافقين . "بسور " بحائط . "له باب " يدخل منه المؤمنون . "باطنه " باطن السور أو الباب . " فيه الرحمة " لأنه يلي الجنة ". وظاهره من قبله العذاب " من جهته لأنه يلي النار .
14-" ينادونهم ألم نكن معكم " يريدون موافقتهم في الطاهر . " قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم " بالنفاق . " وتربصتم " بالمؤمنين الدوائر " وارتبتم " وشككتم في الدين . " وغرتكم الأماني " كامتداد العمر " حتى جاء أمر الله " وهو الموت . " وغركم بالله الغرور " الشيطان أو الدنيا .
15-" فاليوم لا يؤخذ منكم فدية " فداء وقرأ ابن عامر و يعقوب بالتاء ." ولا من الذين كفروا" ظاهراً و باطناً ." مأواكم النار هي مولاكم " هي أولى بكم كقول لبيد : فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها وحقيقة مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك : هو مئنة الكرام أي مكان قول القائل إنه لكريم ، أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب ، أو ناصركم على طريقة قوله : تحية بينهم ضرب وجبع أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا . "وبئس المصير " النار .
16-" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " ألم يأت وقته يقال أنى الأمر يأتي أنياً وأناً إذا جاء إناه ، وقرئ ألم يئن بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألما يأن .روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا بالرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت . " وما نزل من الحق " أي القرآ ن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ، ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله ، وقرأ نافع و حفص و يعقوب "نزل " بالتخفيف . وقرئ أنزل . " و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل " عطف على " تخشع " ، وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله : " فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم " أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم ، أو ما بينهم وبين أنبيائهم " فقست قلوبهم " . وقرئ " الأمد " وهو الوقت الأطول . "وكثير منهم فاسقون " خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة .
17-" اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها " تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بالإحياء والإموات ترغيباً في الخشوع وزجراً عن القساوة . " قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون " كي تكمل عقولكم .
18-" إن المصدقين والمصدقات " إن المتصدقين والمتصدقات ، وقد قرئ بهما ، وقرأ ابن كثير و أبو بكر بتخفيف الصاد أي الذين صدقوا الله ورسوله ." وأقرضوا الله قرضاً حسناً " عطف على معنى الفعل في المحل باللام لأن معناه : الذين أصدقوا ، أو صدقوا وهو على الأول للدلالة على أن المعتبر هو التصدق المقرون بالإخلاص . " يضاعف لهم ولهم أجر كريم " معناه والقراءة في " يضاعف " كما مر غير أنه لم يجزم لأنه خبر إن وهو مسند إلى " لهم " أو إلى ضمير المصدر .
19-" والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " أي أولئك عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء ، أو هم المبالغون في الصدق فإنهم آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله ورسوله والقائمون بالشهادة لله ولهم ، أو على الأمم يوم القيامة .وقيل " والشهداء عند ربهم " مبتدأ وخبر ، والمراد به الأنبياء من قوله : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد " أو الذين استشهدوا في سبيل الله " لهم أجرهم ونورهم " مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ولكنه من غير تضعيف ليحل التفاوت ، أو الأجر والنور الموعودان لهم . " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم " فيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار من حيث أن التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفاء .
20-" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل ، بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جداً إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم و زينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة ، وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد ، ثم قرر ذلك بقوله : " كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً " وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث ، أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجاباً بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها ، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجاباً ، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاماً ، ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله : " وفي الآخرة عذاب شديد " تنفيراً عن الانهماك في الدنيا وحثاً على ما يوجب كرامة العقبى ،ثم أكد ذلك بقوله : " ومغفرة من الله ورضوان " أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة . " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة .
21-" سابقوا " سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار ." إلى مغفرة من ربكم " إلى موجباتها ."وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " أي عرضها كعرضهما وإن كان العرض كذلك فما ظنك بالطول ، وقيل المراد به البسطة كقوله :" فذو دعاء عريض " " أعدت للذين آمنوا بالله ورسله " فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإيمان وحده كاف في استحقاقها . " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " ذلك الموعود يتفضل به على من يشاء من غير أيجاب . " والله ذو الفضل العظيم " منه التفضل بدلك وإن عظم قدره .
22-" ما أصاب من مصيبة في الأرض " كجدب وعاهة . " ولا في أنفسكم " كمرض و آفة . " إلا في كتاب " إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى . " من قبل أن نبرأها " نخلقها والضمير للـ" مصيبة " أو " الأرض " أو للأنفس " إن ذلك " أي إثباته في كتاب . " على الله يسير " لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة .
23-" لكي لا تأسوا " أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا " على ما فاتكم " من نعم الدنيا " ولا تفرحوا بما آتاكم " بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر ، وقرأ أبو عمرو " بما آتاكم " من الإتيان ليعادل ما فاتكم ، وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها ، وأما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها ،والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال ،ولذلك عقبه بقوله : " والله لا يحب كل مختال فخور " إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء .
24-" الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضمن به غالباً أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله : " ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد " لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه ، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنقاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع و ابن عامر " فإن الله غني " .
25-" لقد أرسلنا رسلنا " أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم . " بالبينات " بالحجج والمعجزات . " وأنزلنا معهم الكتاب " ليبين الحق ويميز صواب العمل . " والميزان " لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى : " ليقوم الناس بالقسط " وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده ، وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام ،ويجوز أن يراد به العدل . " ليقوم الناس بالقسط " لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال : " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " فإن الآت الحروب متخذة منه . " ومنافع للناس " إذ ما من صنعة إلا والحديد ألاتها . " وليعلم الله من ينصره ورسله " باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلاً ، أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله . " بالغيب " حال من المستكن في ينصره ." إن الله قوي " ، على إهلاك من أراد إهلاكه ." عزيز " لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه .
26-" ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب " بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب . وقيل المراد بالكتب الخط . " فمنهم " فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم " أرسلنا " . " مهتد وكثير منهم فاسقون " خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن السنن القابلة للمبالغة في الذم والدلالة على أن الغلبة للضلال .
27-" ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم " أي أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى عليه السلام ،والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم ، أو من عاصرهما من الرسل لا للذرية ، فإن الرسل لملقى بهم من الذرية . " وآتيناه الإنجيل " وقرئ بفتح الهمزة وأمره أهون من أمر البرطيل لأنه أعجمي . " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً " وقرئ رآفة على فعالة . " ورحمةً ورهبانيةً ابتدعوها " أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها ، أو رهبانية مبتدعة على أنها من المجعولات وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس ، منسوبة إلى البرهان وهو المبالغ في الخوف من رهب كالخشيان من خشي ، وقرئت بالضم كأنها منسوبة إلى البرهان وهو جمع راهب كراكب وركبان . " ما كتبناها عليهم " ما فرضناها عليهم . " إلا ابتغاء رضوان الله " استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها " ابتغاء رضوان الله " . وقيل متصل فإن " ما كتبناها عليهم " بمعنى ما تعبدناهم بها وهو كما ينفي الإيجاب المقصود منه دفع العقاب ينفي الندب المقصود منه مجرد حصول مرضاة الله ، وهو يخالف قوله " ابتدعوها " إلا أن يقال " ابتدعوها " ثم ندبوا إليها ، أو " ابتدعوها " بمعنى استحدثوها واتوا بها ، أو لأنهن اخترعوها من تلقاء أنفسهم . " فما رعوها " أي فم رعوها جميعاً . "حق رعايتها " بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام ونحوها إليها . " فآتينا الذين آمنوا " أتوا بالإيمان الصحيح ومن ذلك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وحافظوا حقوقها ." منهم " من المتسمين باتباعه . "أجرهم وكثير منهم فاسقون " خارجون عن حال الاتباع .
28-" يا أيها الذين آمنوا " بالرسل المتقدمة . " اتقوا الله " فيما نهاكم عنه . " وآمنوا برسوله " محمد عليه الصلاة والسلام . " يؤتكم كفلين " نصيبين . " من رحمته " لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمانكم بمن قبله . ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخاً ببركة الإسلام ، وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم . " ويجعل لكم نوراً تمشون به " يريد المذكور في قوله : " يسعى نورهم " أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس . " ويغفر لكم والله غفور رحيم " .
29-" لئلا يعلم أهل الكتاب " اي ليعلموا و لا مزيدة ويؤيده أنه قرئ ليعلم و لكي يعلم و لأن يعلم بإدغام النون في الياء . " ألا يقدرون على شيء من فضل الله " أن هي المخففة والمعنى : أنه لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضله و لا يتمكنون من نيله لأنهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالإيمان به ، أو لا يقدرون على شيء من فضله فضلاً عن أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة فيخصوها بمن أرادوا ويؤيده قوله : " وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " وقيل لا غير مزيدة والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شيء من فضل الله ولا ينالونه ، فيكون " وأن الفضل " عطفاً على " لئلا يعلم " ، وقرئ ليلا يعلم ووجهه أن الهمزة حذفت وأدغمت النون في اللام ثم أبدلت ياء . وقرئ ليلا على أن الأصل في الحروف المفردة الفتح . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسوله أجمعين " .