1-" حم " إن جعلته مبتدأ فخبره .
2-" تنزيل من الرحمن الرحيم " وإن جعلته تعديداً للحروف فـ" تنزيل " خبر محذوف أو مبتدأ لتخصصه بالصفة وخبره :
3-" كتاب " وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف ، ولعل افتتاح هذه السور السبع بـ" حم " وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى ، وإضافة الـ" تنزيل " إلى " الرحمن الرحيم " للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية . " فصلت آياته " ميزت باعتبار اللفظ والمعنى . وقرئ " فصلت " أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني ، أو فصلت بين الحق والباطل . " قرآناً عربياً " نصب على المدح أو الحال من " فصلت " ، وفيه امتنان بسهولة قراءاته وفهمه . " لقوم يعلمون " أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر ، وهو صفة أخرى لـ" قرآناً " أو صلة لـ" تنزيل " ، أو لـ" فصلت " ، الأول أولى لوقوعه بين الصفات .
4-" بشيراً ونذيراً " للعاملين به والمخالفين له ، وقرئا بالرفع على الصفة للـ" كتاب " أو الخبر لمحذوف . " فأعرض أكثرهم " عن تدبره وقبوله . " فهم لا يسمعون " سماع تأمل وطاعة .
5-" وقالوا قلوبنا في أكنة " أغطية جمع كنان . " مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر " صمم ، وأصله الثقل ، وقرئ بالكسر . " ومن بيننا وبينك حجاب " يمنعنا عن التواصل ، ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له ، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم . " فاعمل " على دينك أو في إبطال أمرنا . " إننا عاملون " على ديننا أو في إبطال أمرك .
6-" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد " لست ملكاً ولا جنياً لا يمكنكم التلقي منه ، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والاسماع ، وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل ، وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل . " فاستقيموا إليه " فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه ، أو فاستووا إليه بالتوحيد والإخلاص في العمل . " واستغفروه " مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل ، ثم هددهم على ذلك فقال : " وويل للمشركين " من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله .
7-" الذين لا يؤتون الزكاة " لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق ، وذلك من أعظم الرذائل ، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع . وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإيمان والطاعة . " وهم بالآخرة هم كافرون " حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة .
8-" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر " عظيم . " غير ممنون " لايمن يه عليهم من المن وأصله الثقل ، أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته . وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون .
9-" قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين " في مقدار يومين ، أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون . ولعل المراد من " الأرض " ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها " في يومين " أنه خلق لها أصلاً مشتركاً ثم خلق لها صوراً بها صارت أنواعاً ، وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته . " وتجعلون له أنداداً " ولا يصح أن يكون له ند . " ذلك " الذي " خلق الأرض في يومين " . " رب العالمين " خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها .
10-" وجعل فيها رواسي " استئناف غير معطوف على " خلق " للفصل بما هو خارج عن الصلة . " من فوقها " مرتفعة عليها ليظهر ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب . " وبارك فيها " وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان . " وقدر فيها أقواتها " أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به ، أو أقواتاً تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها ، وقرئ وقسم فيها أقواتها . " في أربعة أيام " في تتمة أربعة أيام كقولك : سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً . ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين . والتصريح على الفذلكة . " سواء " أي استوت سواء بمعنى أستواء ، والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر . وقيل حال من الضمير في أقواتها أو فيها ، وقرئ بالرفع على هي سواء " للسائلين " متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها ، أو بقدر فيها الأقوات للطالبين لها .
11-" ثم استوى إلى السماء " قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توحهاً لا يلوي على غيره ، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله : " والأرض بعد ذلك دحاها " ودحوها على خلق الجبال من فوقها . " وهي دخان " أمر ظلماني ،ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المصغرة التي كتب منها " فقال لها وللأرض ائتيا " بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة . أو " ائتيا " في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة ، أو الإخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة ، وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد منكما ويؤيده قراءة آتيا في المؤاتاة أي كل واحدة أختها فيما أردت منكما . " طوعاً أو كرهاً " شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما ، وهما مصدران وقعا موقع الحال . " قالتا أتينا طائعين " منقادين بالذات ، والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها ، وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع إنما الطائع كقوله : " كن فيكون " وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير ، وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله : " ساجدين " .
12-" فقضاهن سبع سماوات " فخلقهن خلقاً إبداعياً وأتقن أمرهن ، والضمير لـ" السماء " على المعنى أو مبهم ، و " سبع سماوات " حال على الأول وتمييز على الثاني . " في يومين " قيل خلق السموات يوم الخميس والقمر والنجوم يوم الجمعة . " وأوحى في كل سماء أمرها " شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختياراً أو طبعاً .وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره ونواهيه . " وزينا السماء الدنيا بمصابيح " فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلألأ عليها . " وحفظاً " أي وحفظناها من الآفات ، أو من المسترقة حفظاً . وقيل مفعول له على المعنى كأنه قال : وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظاً . " ذلك تقدير العزيز العليم " البالغ في القدرة والعلم .
13-" فإن أعرضوا " عن الإيمان بعد هذا البيان . " فقل أنذرتكم صاعقةً " فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة . " مثل صاعقة عاد وثمود " وقرئ صعقة مثل صعقة عاد وثمود وهي المرة من الصعق أو الصعق يقال صعقته الصاعقة صعقاً فصعق صعقاً .
14-" إذ جاءتهم الرسل " حال من " صاعقة عاد " ، ولا يجوز جعله صفة لـ" صاعقة " أو ظرفاً لـ" أنذرتكم " لفساد المعنى . " من بين أيديهم ومن خلفهم " أتوهم من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة ، أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار ، ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة ، وكل من اللفظين يحتملهما ، أو من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغتهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين إلى الإيمان بهم أجمعين ، ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى : " يأتيها رزقها رغداً من كل مكان " . " أن لا تعبدوا إلا الله " بأن لا تعبدوا أو أي لا تعبدوا . " قالوا لو شاء ربنا " إرسال الرسل . " لأنزل ملائكة " برسالته ." فإنا بما أرسلتم به " على زعمكم . " كافرون " إذ أنتم مثلنا لا فضل لكم علينا .
15-" فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق " فتعظموا فيها على أهلها من غير استحقاق . " وقالوا من أشد منا قوةً " اغتراراً بقوتهم وشوكتهم . قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقتلعها بيده . " أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة " قدرة فإنه قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى ، قوي على ما لا يقدر عليه أحد غيره . " وكانوا بآياتنا يجحدون " يعرفون أنها حق وينكرونها وهو عطف على " فاستكبروا " .
16-" فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً " باردة تهلك بشدة بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع ، أو شديدة الصوت في هبوبها من الصرير . " في أيام نحسات " جمع نحسة من نحس نحساً نقيص سعد سعداً ، وقرأ الحجازيان والبصريان بالسكون على التخفيف أو النعت على فعل ، أو الوصف بالمصدر قيل كان آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء . " لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا " أضاف الـ" عذاب " إلى " الخزي " وهو الذل على قصد وصفه به لقوله : " ولعذاب الآخرة أخزى " وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة . " وهم لا ينصرون " بدفع العذاب عنهم .
17-" وأما ثمود فهديناهم " فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل ، وقرئ " ثمود " بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنوناً في الحالتين وبضم الثاء . " فاستحبوا العمى على الهدى " فاختاروا الضلالة على الهدى . " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " صاعقة من السماء فأهلكتهم ، وإضافتها إلى " العذاب " ووصفه بـ" الهون " للمبالغة . " بما كانوا يكسبون " من اختيار الضلالة .
18-" ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " من تلك الصاعقة .
19-" ويوم يحشر أعداء الله إلى النار " وقرئ يحشر على البناء للفاعل وهو الله عز وجل . وقرأ نافع نحشر بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب " أعداء " . " فهم يوزعون " يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار .
20-" حتى إذا ما جاؤوها " إذا حضروها و " ما " مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور . " شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون " بأن ينطقها الله تعالى ، أو يظهر عليها آثاراً تدل على ما اقترف بها بلسان الحال .
21-" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا " سؤال توبيخ أو تعجب ، ولعل المراد به نفس التعجب . " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ، أو ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذي أنطق كل حي ، ولو أول الجواب النطق بدلالة الحال بقي الشيء عاماً في الموجودات الممكنة . " وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافاً .
22-" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم " أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة ، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها . وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب . " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون " فلذلك احترأتم على ما فعلتم .
23-" وذلكم " إشارة إلى ظنهم هذا ، وهو مبتدأ وقوله : " ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " خبران له ويجوز أن يكون " ظنكم " بدلاً و " أرداكم " خبراً ز " فأصبحتم من الخاسرين " إذ صار ما منحوا للاستعاد به في الدارين سبباً لشقاء المنزلين .
24-" فإن يصبروا فالنار مثوى لهم " لا خلاص لهم عنها . " وإن يستعتبوا " يسألوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون . " فما هم من المعتبين " المجابين إليها ونظيره قوله تعالى حكاية " أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " وقرئ " وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين " ، أي إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة .
25-" وقيضنا " وقدرنا . " لهم " للكفرة . " قرناء " أخذاناً من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر . وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة لمعارضة . " فزينوا لهم ما بين أيديهم " من أمر الدنيا و إتباع الشهوات . " وما خلفهم " من أمر الآخرة وإنكاره . " وحق عليهم القول " أي كلمة العذاب . " في أمم " في جملة أمم كقول الشاعر : إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكاً ففي آخرين قد أفكوا وهو حال من الضمير المجرور . " قد خلت من قبلهم من الجن والإنس " وقد عملوا مثل أعمالهم . " إنهم كانوا خاسرين " تعليل لاستحقاقهم العذاب ، والضمير " لهم " وللـ" أمم " .
26-" وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " وعارضوه بالخرافات أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارئ ، وقرئ بضم الغين والمعنى واحد يقال لغى يلغي ولغا يلغو إذا هذى . " لعلكم تغلبون " أي تغلبونه على قراءته .
27-" فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً " المراد بهم هؤلاء القائلون ، أو عامة الكفار . " ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون " سيئات أعمالهم وقد سبق مثله .
28-" ذلك " : إشارة إلى الأسوأ . " جزاء أعداء الله " خبره . " النار " عطف بيان للـ" جزاء " أو خبر محذوف ز " لهم فيها " في النار . " دار الخلد " فإنها دار إقامتهم ، وهو كقولك : في هذه الدار دار سرور ، وتعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة . " جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون " ينكرون الحق أو يلغون ، وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو .
29-" وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس " يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان . وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل ، وقرأ ابن كثير و ابن عامر و يعقوب و أبو بكر و السوسي " أرنا " بالتخفيف كفخذ في فخذ ، وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء . " نجعلهما تحت أقدامنا " ندوسهما انتقاماً منهما ، وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل . " ليكونا من الأسفلين " مكاناً أو ذلاً .
30-" إن الذين قالوا ربنا الله " اعترافاً بربوبيته وإقراراً بوحدانيته . " ثم استقاموا " في العمل , " ثم " لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة ، أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار ، وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها . " تتنزل عليهم الملائكة " فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن ، أو عند الموت أو الخروج من القبر . " أن لا تخافوا " ما تقدمون عليه . " ولا تحزنوا " على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة بالياء أو مفسرة . " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " في الدنيا على لسان الرسل .
31-" نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا " نلهمكم الحق ونحملكم على الخير بدل ما كانت الشياطين تفعل بالكفرة . " ما تشتهي أنفسكم " بالشفاعة والكرامة حيثما يتعادى الكفرة وقرناؤهم . " ولكم فيها " في الآخرة " ما تشتهي أنفسكم " من اللذائذ " ولكم فيها ما تدعون " ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الأول .
32-" نزلاً من غفور رحيم " حال من ما تدعون للإشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف .
33-" ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله " إلى عبادته . " وعمل صالحاً " فيما بينه وبين ربه . " وقال إنني من المسلمين " تفاخراً به واتخاذاً للإسلام ديناً ومذهباً من قولهم : هذا قول فلان لمذهبه . والآية عامة لمن استجمع تلك الصفات . وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في المؤذنين .
34-" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " في الجزاء وحسن العاقبة و " لا " الثانية مزيدة لتأكيد النفي . " ادفع بالتي هي أحسن " ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقاً ، أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، وإنما أخرجه مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال : كيف أصنع ؟ للمبالغة ولذلك وضع " أحسن " موضع الحسنة " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق .
35-" وما يلقاها " وما يلقى هذه السجية وهي مقابلته الإساءة بالإحسان . " إلا الذين صبروا " فإنها تحبش النفس عن الانتقام . " وما يلقاها إلا ذو حظً عظيم " من الخير وكمال النفس وقيل الحظ الجنة .
36-" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " نخس شبه به وسوسته لأنها تبعث الإنسان على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ ، وجعل النزغ نازغاً على طريقة جديدة ، أو أريد به نازغ وصفاً للشيطان بالمصدر . " فاستعذ بالله " من شره ولا تطعه . " إنه هو السميع " لاستعاذتك . " العليم " بنيتك أو بصلاحك .
37-" ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر " لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم . " واسجدوا لله الذي خلقهن " الضمير للأربعة المذكورة ، والمقصود تعليق الفعل بهما إشعاراً بأنهما من عداد ما لا يعلم ولا يختار . " إن كنتم إياه تعبدون " فإن السجود أخص العبادات وهو موضع السجود عندنا لاقتران الأمر به ، وعند أبي حنيفة آخر الآية الأخرى لأنه تمام المعنى .
38-" فإن استكبروا " عن الامتثال . " فالذين عند ربك " من الملائكة . " يسبحون له بالليل والنهار " أي دائماً لقوله . " وهم لا يسأمون " أي لا يملون .
39-" ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعةً " يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل . " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " تزخرفت وانتفخت بالنبات ، وقرئ ربأت أي زادت . " إن الذي أحياها " بعد موتها ز " لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير " من الإحياء والإماتة .
40-" إن الذين يلحدون " يميلون عن الاستقامة . " في آياتنا " بالطعن والتحريف والتأويل الباطل والإلغاء فيها . " لا يخفون علينا " فنجازيهم على إلحادهم . " أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة " قابل الإلقاء في النار بالإتيان آمناً مبالغة في إحماد حال المؤمنين . " اعملوا ما شئتم " تهديد شديد . " إنه بما تعملون بصير " وعيد بالمجازاة .
41-" إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم " بدل من قوله : " إن الذين يلحدون في آياتنا " أو مستأنف وخبر " إن " محذوف مثل معاندون أو هالكون ، أو " أولئك ينادون " و الذكر القرآن . " وإنه لكتاب عزيز " كثير النفع النظير أو منيع لا يتأتى إبطاله وتحريفه .
42-" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " لا تطرق إليه الباطل من جهة من الجهات أو مما فيه من الأخبار الماضية والأمور الآتية . " تنزيل من حكيم " أي حكيم . " حميد " يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه .
43-" ما يقال لك " أي ما يقول لك كفار قومك . " إلا ما قد قيل للرسل من قبلك " إلا مثل ما قال لهم كفار قومهم ، ويجوز أن يكون المعنى ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم ، " إن ربك لذو مغفرة " لأنبيائه . " وذو عقاب أليم " لأعدائهم ، وهو على الثاني يحتمل أن يكون المقول بمعنى أن حاصل ما أوحي إليك وإليهم ، وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة .
44-" ولو جعلناه قرآناً أعجمياً " جواب لقولهم : هلا أنزل القرآن بلغة العجم والضمير للذكر . " لقالوا لولا فصلت آياته " بينت بلسان نفقهه . " أأعجمي وعربي " أكلام أعجمي ومخاطب عربي إنكار مقرر للتخصيص ، والأعجمي يقال للذي لا يفهم كلامه . وهذا قراءة أبي بكر و حمزة و الكسائي ، وقرأ قالون و أبو عمرو بالمد والتسهيل وورش بالمد وإبدال الثانية ألفاً ، و ابن كثير و ابن ذكوان و حفص بغير المد بتسهيل الثانية وقرئ أعجمي وهو منسوب إلى العجم ، وقرأ هشام أعجمي على الإخبار ، وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجمياً لإفهام العجم وبعضها عربياً لإفهام العرب ، والمقصود إبطال مقترحهم باستلزامه المحذور ، أو للدلالة على أنهم لا ينفكون عن النعت في الآيات كيف جاءت . " قل هو للذين آمنوا هدىً " إلى الحق " وشفاء " لما في الصدور في الشك والشبه ز " والذين لا يؤمنون " مبتدأ خبره " في آذانهم وقر " على تقدير هو في " آذانهم وقر " لقوله : " وهو عليهم عمى " وذلك لتصامهم عن سماعه وتعاميهم عما يريهم من الآيات ، ومن جوز العطف على عاملين مختلفين عطف ذلك على " للذين آمنوا هدى " . " أولئك ينادون من مكان بعيد " أي صم ، وهو تمثيل لهم في عدم قبولهم الحق واستماعهم له بمن به مسافة بعيدة .
45-" ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه " بالتصديق والتكذيب كما اختلف في القرآن . " ولولا كلمة سبقت من ربك " وهي العدة بالقيامة وفصل الخصومة حينئذ ، أو تقدير الآجال . " لقضي بينهم " باستئصال المكذبين . " وإنهم " وإن اليهود أو " الذين لا يؤمنون " . " لفي شكً منه " من التوراة أو القرآن , " مريب " موجب للاضطراب .
46-" من عمل صالحاً فلنفسه " نفعه . " ومن أساء فعليها " ضره . " وما ربك بظلام للعبيد " فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله .
47-" إليه يرد علم الساعة " أي إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو . " وما تخرج من ثمرات من أكمامها " من أوعيتها جمع كم بالكسر ، وقرأ نافع و ابن عامر و حفص من ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع ، وقرئ بجمع الضمير أيضاً و " ما " نافية و " من " الأولى مزيدة للاستغراق ،ويحتمل أن تكون موصولة معطوفة على " الساعة " و " من " مبينة بخلاف قوله : " وما تحمل من أنثى ولا تضع " بمكان . " إلا بعلمه " إلا مقروناً بعلمه واقعاً حسب تعلقه به . " ويوم يناديهم أين شركائي " بزعمكم . " قالوا آذناك " أعلمناك . " ما منا من شهيد " من أحد يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا عنهم عاينا الحال فيكون السؤال عنهم للتوبيخ ، أو من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا . وقيل هو قول الشركاء أي ما منا من يشهد لهم بأنهم كانوا محقين .
48-" وضل عنهم ما كانوا يدعون " يعبدون . " من قبل " لا ينفعهم أو لا يرونه . " وظنوا " وأيقنوا . " ما لهم من محيص " مهرب والظن معلق عنه بحرف النفي .
49-" لا يسأم الإنسان " لا يمل . " من دعاء الخير " من طلب السعة في النعمة ، وقرئ من دعاء بالخير . " وإن مسه الشر " الضيقة . " فيؤوس قنوط " من فضل الله ورحمته وهذا صفة الكافر لقوله : " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " وقد يولع في يأسه من جهة البنية والتكرير وما في القنوط من ظهور أثر اليأس .
50-" ولئن أذقناه رحمةً منا من بعد ضراء مسته " بتفريجها عنه . " ليقولن هذا لي " حقي أستحقه لمالي من الفضل والعمل ، أولي دائماً لا يزول . " وما أظن الساعة قائمةً " تقوم . " ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " أي ولئن قامت على التوهم كان لي عند الله الحالة الحسنى من الكرامة ، وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فلاستحقاق لا ينفك عنه . " فلننبئن الذين كفروا " فلنخبرنهم . " بما عملوا " بحقيقة أعمالهم ولنبصرنهم عكس ما اعتقدوا فيها . " ولنذيقنهم من عذاب غليظ " لا يمكنهم التقصي عنه .
51-" وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض " عن الشكر . " ونأى بجانبه " وانحراف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبراً ، والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله : " في جنب الله " . " وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " كثير مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره ، وهو أبلغ من الطويل إذ الطول الامتدادين ، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ؟
52-" قل أرأيتم " أخبروني . " إن كان " أي القرآن . " من عند الله ثم كفرتم به " من غير نظر وإتباع دليل . " من أضل ممن هو في شقاق بعيد " أي من أضل منكم ، فوضع الموصول موضع الضمير شرحاً لحالهم وتعليلاً لمزيد ضلالهم .
53-" سنريهم آياتنا في الآفاق " يعني ما أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام به من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية ، وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة . " وفي أنفسهم " ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم ، أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة . " حتى يتبين لهم أنه الحق " الضمير للقرآن أو الرسول أو التوحيد أو الله " أولم يكف بربك " أي أو لم يكف ربك ، والفاء مزيدة للتأكيد كأنه قيل : أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى . " أنه على كل شيء شهيد " بدل منه ، والمعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة ، أو مطلع فيعلم حالك وحالهم ، أو لم يكف الإنسان رادعاً عن المعاصي أنه تعالى مطلع على كل شيء لا يخفى عليه خافية .
54-" ألا إنهم في مرية " شك ، وقرئ بالضم وهو لغة كخفية وخفية . " من لقاء ربهم " بالبعث والجزاء . " ألا إنه بكل شيء محيط " عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها ، مقتدر عليها لا يفوته شيء منها . عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة السجدة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات " .