1-" قل أوحي إلي " وقرئ أحي وأصله وحى من وحى إليه فقلبت الواو همزة لضمتها ووحى على الأصل وفاعله : " أنه استمع نفر من الجن " والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة ، و " الجن " أجسام عاقلة خفية يغلب عليهم النارية أو الهوائية . وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل نفوس بشرية مفارقة عن أبدانها ، وفيه دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام ما رآهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فاخبر الله به رسوله . " فقالوا " لما رجعوا إلى قومهم . " إنا سمعنا قرآناً " كتاباً . " عجباً " بديعاً مبايناً لكلام الناس في حسن نظمه ودقة معناه . وهو مصدر وصف به لللمبالغة .
2-" يهدي إلى الرشد " إلى الحق والصواب . " فآمنا به " بالقرآن . " ولن نشرك بربنا أحداً " على ما نطقت به الدلائل القاطعة على التوحيد .
3-" وأنه تعالى جد ربنا " قرأه ابن كثير و البصريان بالكسر على أنه من جملة المحكي بعد القول ، وكذا ما بعده إلا قوله : " وألو استقاموا " . " وأن المساجد " ، " وأنه لما قام " فإنها من جملة الموحى به ووافقهم نافع و أبو بكر إلا في قوله :" وأنه لما قام " على استئناف أو مقول ، وفتح الباقون الكل إلا ما صدر بالفاء على أن ما كان من قولهم فمعطوف على محل الجار والمجرور في " به " كأنه قيل : صدقنا " أنه تعالى جد ربنا " أي عظمته من جد فلان في عيني إذا عظم ، أو سلطانه أو غناه مستعار من الجد الذي هو البخت ، والمعنى وصفه بالتعالي عن الصاحبة والولد لعظمته أو لسلطانه أو لغناه وقوله : " ما اتخذ صاحبةً ولا ولداً " بيان لذلك ، وقرئ جداً على التمييز " جد ربنا " بالكسر أي صدق ربوبيته ، كأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقدوه من الشرك واتخاذ الصاحبة والولد .
4-" وأنه كان يقول سفيهنا " إبليس أو مردة الجن . " على الله شططاً " قولاً ذا شطط وهو البعد ومجاوزة الحد ، أو هو شطط لفرط ما أشط فيه ، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله .
5-" وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً " اعتذار عن اتباعهم السفيه في ذلك بظنهم أن أحداً لا يكذب على الله ، و " كذباً " نصب على المصدر لأنه نوع من القول أو الوصف المحذوف ، أي قولاً مكذوباً فيه ، ومن قرأ إن لن تقول كيعقوب جعله مصدراً لأن التقول لا يكون إلا " كذباً " .
6-" وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن " فإن الرجل كان إذا أمسى بقفر قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه . " فزادوهم " فزادوا الجن باستعاذتهم بهم ز " رهقاً " كبراً وعتواً ، أو فزاد الجن والإنس غياً بأن أصلوهم حتى استعاذوا بهم ، والرهق في الأصل غشيان الشيء .
7-" وأنهم " وأن الإنس " ظنوا كما ظننتم " أيها الجن أو بالعكس ، والآيتان من كلام الجن بعضهم أو استئناف كلام الله تعالى ، ومن فتح " أن " فيهما جعلهما من الموحى به . " أن لن يبعث الله أحداً " ساد مسد مفعولي " ظنوا " .
8-" وأنا لمسنا السماء " طلبنا بلوغ السماء أو خبرها ، واللمس مستعار من المس للطلب كالجس يقال ألمسه والتمسه وتلمسه كطلبه واطلبه وتطلبه . " فوجدناها ملئت حرساً " حراساً اسم جمع كالخدم " شديداً " قوياً وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها . " وشهباً " جمع شهاب وهو المضيء المتولد من النار .
9-" وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع " مقاعد خالية عن الحرس والشهب ، أو صالحة للترصد والاستماع ، و " للسمع " صلة لـ" نقعد " أو صفة لـ" مقاعد " . " فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً " أي شهاباً راصداً له ولأجله يمنعه عن الاستماع بالرجم ، أو ذوي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد ، وقد مر بيان ذلك في الصافات .
10-" وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض " بحراسة السماء " أم أراد بهم ربهم رشداً " خيراً .
11-" وأنا منا الصالحون " المؤمنون الأبرار . " ومنا دون ذلك " أي قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون . " كنا طرائق " ذوي طرائق أي مذاهب ، أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق . " قدداً " متفرقة مختلفة جمع قدة من قد إذا قطع .
12-" وأنا ظننا " علمنا . " أن لن نعجز الله في الأرض " كائنين في الأرض أينما كنا فيها . " ولن نعجزه هربا " هاربين منها إلى السماء ، أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمراً ولن نعجزه هرباً إلى طلبنا .
13-" وأنا لما سمعنا الهدى " أي القران . " آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف " فهو لا يخاف ، وقرئ فلا يخف والأول أدل على تحقيق نجاة المؤمنين واختصاصها بهم . " بخساً ولا رهقاً " نقصاً في الجزاء ولا أن يرهقه ذلة ، أو جزاء بخس لأنه لم يبخس لأحد حقاً ولم يرهق ظلماً ، لأن من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب ذلك .
14-" وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " الجائرون عن طريق الحق وهو الإيمان والطاعة . " فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً " توخوا رشداً عظيماً يبلغهم إلى دار الثواب .
15-" وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً " توقد بهم كما توقد بفكار الإنس .
16-" وألو استقاموا " أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما . " على الطريقة " أي على الطريقة المثلى . " لأسقيناهم ماءً غدقاً " لوسعنا عليهم الرزق، وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ولعزة وجوده بين العرب .
17-" لنفتنهم فيه " لنختبرهم كيف يشكرونه ، وقيل معناه أن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم . " ومن يعرض عن ذكر ربه " عن عبادته أو موعظته أو حيه . " يسلكه " يدخله وقرأ غير الكوفيين بالنون . " عذاباً صعداً " شاقاً يعلو المعذب ويغلبه مصدر وصف به .
18-" وأن المساجد لله " مختصة به . " فلا تدعو مع الله أحدا " فلا تعبدوا فيها غيره ، ومن جعل " أن " مقدرة باللام علة للنهي ألغى فائدة ، وقيل المراد بـ" المساجد " الأرض كلها لأنها جعلت للنبي عليه الصلاة والسلام مسجداً . وقيل المسجد الحرام لأنه قيل المساجد ومواضع السجود على أن المراد النهي عن السجود لغير الله ، وآرابه السبعة أو السجدات على أنه جمع مسجد .
19-" وأنه لما قام عبد الله " أي النبي عليه الصلاة والسلام وإنما ذكر بلفظ العبد للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه ، والاشعار بما هو المقتضى لقيامه . " يدعوه " يعبده " كادوا " كاد الجن . " يكونون عليه لبداً " متراكمين من ازدحامهم عليه تعجباً مما رأوا من عبادته وسمعوا من قراءته ، أو كاد الإنس يكونون عليه مجتمعين لإبطال أمره ، وهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه كلبدة الإسد ، وعن ابن عامر لبداً بضم اللام جمع لبدة وهي لغة . وقرئ لبداً كسجداً جمع لابدو لبداً كصبر جمع لبود .
20-" قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا " فليس ذلك ببدع ولا منكر يوجب تعجبكم أو إطباقكم على مقتي ، وقرأ عاصم و حمزة قل على الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام ليوافق ما بعده .
21-" قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً " ولا نفعاً أو غياً ، عبر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعاراً بالمعنيين .
22-" قل إني لن يجيرني من الله أحد " إن أراد بي سوءاً . " ولن أجد من دونه ملتحداً " منحرفاً او ملتجأ وأصله المدخل من اللحد .
23-" إلا بلاغاً من الله " استثناء من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة ، أو من ملتحداً أو معناه لا أبلغ وما قبله دليل الجواب . " ورسالاته " عطف على " بلاغاً " و " من الله " صفته فإن صلته عن كقوله صلى الله عليه وسلم : " بلغوا عني ولو آية " . " ومن يعص الله ورسوله " في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه . " فإن له نار جهنم " وقرئ " فإن " على فجزاؤه أن " خالدين فيها أبداً " جمعه للمعنى .
24-" حتى إذا رأوا ما يوعدون " في الدنيا كوقعه بدر ، أو في الآخرة والغاية لقوله : " يكونون عليه لبداً " بالمعنى الثاني ، أو لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار وعصيانهم له . " فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقل عدداً " هو أم هم .
25-" قل إن أدري " ما أدري ." أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً " غاية تطول مدتها كأنه لما سمع المشركون " حتى إذا رأوا ما يوعدون " قالوا متى يكون إنكاراً ، فقيل قل إنه كائن لا محالة ولكن لا أدري ما وقته .
26-" عالم الغيب " هو عالم الغيب . " فلا يظهر " فلا يطلع . " على غيبه أحداً " أي على الغيب المخصوص به علمه .
27-" إلا من ارتضى " لعلم بعضه حتى يكون له معجزة . " من رسول " بيان لـ" من " ، واستدل به على إبطال الكرامات ، وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير وسط ، وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون تلقياً عن الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة بتوسط الأنبياء . " فإنه يسلك من بين يديه " من بين يدي المرتضى " ومن خلفه رصداً " حرساً من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم .
28-" ليعلم أن قد أبلغوا " أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبريل والملائكة النازلون بالوحي ، أو ليعلم الله تعالى أن قد أبلغ الأنبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجوداً . " رسالات ربهم " كما هي محروسة من التغيير . " وأحاط بما لديهم " بما عند الرسل ." وأحصى كل شيء عدداً " حتى القطر والرمل . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جني صدق محمداً أو كذب به عتق رقبة " .