1-" حم " .
2-" تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " .
3-" ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق " إلا خلقاً ملتبساً بالحق وهو ما تقتضيه الحكمة والمعدلة ، وفيه دلالة على وجود الصانع الحكيم ، والبعث للمجازاة على ما قررناه مراراً . " وأجل مسمى " وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه الكل وهو يوم القيامة ، أو كل واحد وهو آخر مدة بقائه المقدرة له . " والذين كفروا عما أنذروا " من هول ذلك الوقت ،ويجوز أن تكون ما مصدرية . " معرضون " لا يتفكرون فيه ولا يستعدون لحلوله .
4-" قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات " أي أخبروني عن حال آلهتكم بعد تأمل فيها ، هل يعقل أن يكون في انفسها مدخل في خلق شيء من أجزاء العالم فنستحق به العبادة . وتخصيص الشرك بالسموات احتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية . " ائتوني بكتاب من قبل هذا " من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد . " أو أثارة من علم " أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به . " إن كنتم صادقين " في دعواكم ، وهو إلزام بعدم ما يدل على ألوهيتهم بوجه ما نقلاً بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلاً ، وقرئ إثارة بالكسر أي مناظرة فإن المناظرة تثير المعاني ، و أثرة أي شيء أوثرتم به وأثرة بالحركات الثلاث في الهمزة وسكون الثاء فالمفتوحة للمرة من مصدر أثر الحديث إذا رواه والمكسورة بمعنى الأثرة والمضمومة اسم ما يؤثر .
5-" ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له " إنكار أن يكون أحد أضل من المشركين حيث تركوا عبادة السميع البصير المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب لهم لو سمع دعاءهم ، فضلاً أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم . " إلى يوم القيامة " ما دامت الدنيا ." وهم عن دعائهم غافلون " لأنهم إما جمادات وإما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم .
6-" وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء " يضربونهم ولا ينفعونهم . " وكانوا بعبادتهم كافرين " مكذبين بلسان الحال أو المقال . وقيل الضمير للعابدين وهو كقوله تعالى : " والله ربنا ما كنا مشركين " .
7-" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات " واضحات أو مبينات . " قال الذين كفروا للحق " لأجله وفي شأنه . والمراد به الآيات ووضعه موضع ضميرها ووضع " الذين كفروا " موضع ضمير المتلو عليهم للتسجيل عليها بالحق وعليهم بالكفر والانهماك في الضلالة . " لما جاءهم " حينما جاءهم من غير نظر وتأمل . " هذا سحر مبين " ظاهر بطلانه .
8-" أم يقولون افتراه " إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحراً إلى ذكر ما هو أسنع منه وإنكار له وتعجيب . " قل إن افتريته " على الفرض . " فلا تملكون لي من الله شيئاً " أي إن عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف أجترء عليه وأعرض نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم . " هو أعلم بما تفيضون فيه " تندفعون فيه من القدح في آياته . " كفى به شهيداً بيني وبينكم " يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والإنكار ، وهو عيد بجزاء إفاضتهم ، " وهو الغفور الرحيم " وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم جرمهم .
9-" قل ما كنت بدعاً من الرسل " بديعاً منهم أدعوكم إلى ما لا يدعون إليه ، أو أقدر على ما لم يقدروا عليه ، وهو الإتيان بالمقترحات كلها ونظيره الخف بمعنى الخفيف . وقرئ بفتح الدال على أنه كقيم أو مقدر بمضاف أي ذا بدع . " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " في الدارين على التفضيل إذ لا علم لي بالغيب ، و " لا " لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي " وما " إما موصولة منصوبة أو استفهامية مرفوعة . وقرئ " يفعل " الله . " إن أتبع إلا ما يوحى إلي " لا أتجاوزه ، وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار عما لم يوح إليه من الغيوب ، أو استعجال المسلمين أن يتخلصوا من أذى المشركين . " وما أنا إلا نذير " من عقاب . " مبين " بين الإنذار بالشواهد المبينة والمعجزات المصدقة .
10-" قل أرأيتم إن كان من عند الله " أي القرآن . " وكفرتم به " وقد كفرتم به ، ويجوز أن تكون الواو عاطفة على الشرط وكذا الواو في قوله : " وشهد شاهد من بني إسرائيل " إلا أنها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله ، والشاهد هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه الصلاة والسلام وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول عليه الصلاة والسلام . " على مثله " مثل القرآن وهو ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له ، أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله . " فآمن " أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقاً للحق . " واستكبرتم " عن الإيمان " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " استئناف مشعر بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم ، ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين .
11-" وقال الذين كفروا للذين آمنوا " لأجلهم . " لو كان " الإيمان أو ما أتى به محمد عليه الصلاة والسلام . " خيراً ما سبقونا إليه " وهم سقاط إذ عامتهم فقراء وموال ورعاة ، وإنما قاله قريش وقيل بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار ، أو اليهود حين أسلم عبد الله من سلام وأصحابه . " وإذ لم يهتدوا به " ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم وقوله : " فسيقولون هذا إفك قديم " مسبب عنه وهو كقولهم : أساطير الأولين .
12-" ومن قبله " ومن قبل القرآن وهو خبر لقوله : " كتاب موسى " ناصب لقوله : " إماماً ورحمةً " على الحال . " وهذا كتاب مصدق " لكتاب موسى أو لما بين يديه وقد قرئ به " لساناً عربياً " حال من ضمير " كتاب " في " مصدق " أو منه لتخصصه بالصفة ، وعاملها معنى الإشارة وفائدتها الإشعار بالدلالة على أن كونه مصدقاً للتوراة كما دل على أنه حق دل على أنه وحي وتوقيف من الله سبحانه وتعالى . وقيل مفعول " مصدق " أي يصدق ذا لسان عربي بإعجازه . " لينذر الذين ظلموا " علة " مصدق " ، وفيه ضمير الكتاب أو الله أو الرسول ، ويؤيد الأخير قراءة نافع و ابن عامر و البزي بخلاف عنه و يعقوب بالتاء " وبشرى للمحسنين " عطف على محله .
13-" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والإستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل ، وثم للدلالة على تأخر رتية العمل وتوقف اعتباره على التوحيد . " فلا خوف عليهم " من لحوق مكروه . " ولا هم يحزنون " على فوات محبوب، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط .
14-" أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون " من اكتساب الفضائل العلمية والعملية ، وخالدين حال من المستكن في أصحاب وجزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء .
15-" ووصينا الإنسان بوالديه حسناً " وقرأ الكوفيون إحساناً ، وقرئ " حسناً " أي إيصاء " حسناً " . " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً " ذات كره أو حملاً ذاكره وهو المشقة ، وقرأ الحجازيان و أبو عمرو و وهشام وهما لغتان كالفقر والفقر . وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر . " وحمله وفصاله " ومدة " حمله وفصاله " ن والفصال الفطام ويدل عليه قراءة يعقوب وفصله أو وقته والمراد به الرضاع التام المنتهى به ولذلك عبر به كما يعبر بالأمد عن المدة ، قال : كل حيً مستكمل عدة العمـ ــر ومود إذا انتهى أمده " ثلاثون شهراً " كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها ، وفيه دليل على أن أقل مدة ستة أشهر لأنه حط منه الفطام حولان لقوله تعالى : " حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " بقي ذلك وبه قال الأطباء ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما . " حتى إذا بلغ أشده " إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله " وبلغ أربعين سنةً " قيل لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين . " قال رب أوزعني " ألهمني وأصله أولعني من أوزعته بكذا . " أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي " يعني نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها ،وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو و أبواه من المهاجرين والأنصار سواه . " وأن أعمل صالحاً ترضاه " نكرة للتعظيم أو لأنه أراد نوعاً من الجنس يستجلب رضا الله عز وجل . " وأصلح لي في ذريتي " واجعل لي الصلاح سارياً في ذريتي واسخاً فيهم ونحوه قوله : وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي " إني تبت إليك " عما لا ترضاه أو يشغل عنك " وإني من المسلمين " المخلصين لك .
16-" أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا " يعني طاعاتهم فإن المباح حسن ولا يثاب عليه . " ونتجاوز عن سيئاتهم " لتوبتهم ، وقرأ حمزة و الكسائي و حفص بالنون فيهما . " في أصحاب الجنة " كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم . " وعد الصدق" مصدر مؤكد لنفسه فإن يتقبل ويتجاوز عد " الذي كانوا يوعدون " أي في الدنيا .
17-" والذي قال لوالديه أف لكما " مبتدأ خبره " أولئك " ، والمراد به الجنس وإن صح نزولها في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، فإن خصوص السبب لا يوجب التخصيص . وفي " أف " قراءات ذكرت في سوة بني إسرائيل . " أتعدانني أن أخرج " أبعث ، وقرأ هشام أتعداني بنون واحدة مشددة . " وقد خلت القرون من قبلي " فلم يرجع أحد منهم . " وهما يستغيثان الله " يقولان الغياث بالله منك ، أو يسألانه أن يغيثه بالتوفيق للإيمان . " ويلك آمن " أي يقولان له " ويلك"،وهو الدعاء بالثبور بالحث على ما يخاف على تركه . " إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين " أباطيلهم التي كتبوها .
18-" أولئك الذين حق عليهم القول " بأنهم أهل النار وهو يرد النزول في عبد الرحمن لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه . " في أمم قد خلت من قبلهم " كقوله في أصحاب الجنة . " من الجن والإنس " بيان للأمم . " إنهم كانوا خاسرين " تعليل للحكم على الاستئناف .
19-" ولكل " من الفريقين ." درجات مما عملوا " مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر ، أو من أجل ما عملوا والـ" درجات " غالبة في المثوبة وها هنا جاءت على التغليب . " وليوفيهم أعمالهم " جزاءها ،وقرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائي و ابن ذكوان بالنون ." وهم لا يظلمون " بنقص ثواب وزيادة عقاب .
20-" ويوم يعرض الذين كفروا على النار " يعذبون بها . وقيل تعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم : عرضت الناقة على الحوض . " أذهبتم " أي يقال لهم أذهبتم ، وهو ناصب اليوم وقرأ ابن كثير و ابن عامر و يعقوب بالاستفهام غير أن ابن كثير يقرؤه بهمزة ممدودة وهما يقرآن بها وبهمزتين محققتين . " طيباتكم " لذاتكم . " في حياتكم الدنيا " باستيفائها . " واستمتعتم بها " فما بقي لكم منها شيء . " فاليوم تجزون عذاب الهون " الهوان وقد قرئ به . " بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون " بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة الله ، وقرئ " تفسقون " بالكسر .
21-" واذكر أخا عاد " يعني هوداً . " إذ أنذر قومه بالأحقاف " جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج ، وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن " وقد خلت النذر " الرسل " من بين يديه ومن خلفه " قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض . " أن لا تعبدوا إلا الله " أي لا تعبدوا ، أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته . " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " هائل بسبب شرككم .
22-" قالوا أجئتنا لتأفكنا " لتصرفنا . " عن آلهتنا " عن عبادتها . " فأتنا بما تعدنا " من العذاب على الشرك ." إن كنت من الصادقين " في وعدك .
23-" قال إنما العلم عند الله " لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فاستعجل به ، وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له . " وأبلغكم ما أرسلت به " إليكم وما على الرسول إلا البلاغ . " ولكني أراكم قوماً تجهلون " لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين ومنذرين لا معذبين مقترحين .
24-" فلما رأوه عارضاً " سحاباً عرض في أفق السماء . " مستقبل أوديتهم " متوجه أوديتهم ، والإضافه فيه لفظية وكذا في قوله : " قالوا هذا عارض ممطرنا " أي يأتينا بالمطر . " بل هو " أي قال هود عليه الصلاة والسلام " بل هو ما استعجلتم به " من العذاب ،وقرئ قل بل : " ريح " هي ريح ، ويجوز أن يكون بدل ما " فيها عذاب أليم " صفتها وكذا قوله :
25-" تدمر " تهلك . " كل شيء " من نفوسهم و أحوالهم . " بأمر ربها " إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته ،وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مراراً ، وقرئ يدمر كل شيء من دمر دماراً إذا هلك فيكون العائد محذوفاً أو الهاء في " ربها " ويحتمل أن يكون استئنافاً للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضياً لا يتقدم ولا يتأخر ، وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم ، وقرأ عاصم و حمزة و الكسائي لا يرى إلا مساكنهم بالياء المضمومة ورفع المساكن " كذلك نجزي القوم المجرمين " روي أن هوداً عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة ، وكانوا تحتها سبع ليال وثمانة أيام ، ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر .
26-" ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه " " إن " نافية وفي أحسن من ما ههنا لأنها توجب التكرير لفظاً ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما ، او شرطية محذوفة الجواب والتقدير ، ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر ، أو صلة كما في قوله : يرجي المرء ما إن لا يراه ويعرض دون أدناه الخطوب والأول أظهر وأوفق لقوله : " هم أحسن أثاثاً " " كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً " . " وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً " ليعرفوا تلك النعم يستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها . " فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء " من الإغناء وهو القليل . " إذ كانوا يجحدون بآيات الله " صلة " فما أغنى " وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث " وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " من العذاب .
27-" ولقد أهلكنا ما حولكم " يا أهل مكة . " من القرى " كحجر ثمود وقرى قوم لوط . " وصرفنا الآيات " بتكريرها ." لعلهم يرجعون " عن كفرهم .
28-" فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهةً " فهلا منعتهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقربون بهم إلى الله تعالى حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وأول مفعولي " اتخذوا " الراجع إلى الموصول محذوف ، وثانيهما " قرباناً " و " آلهة " بدل أو عطف بيان ،أو " آلهة " و " قرباناً " حال أو مفعول له على أنه بمعنى التقرب . وقرئ قرباناً بضم الراء . " بل ضلوا عنهم " غابوا عن نصرهم وامتنع أن يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال . " وذلك إفكهم " وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره صرفهم عن الحق ، وقرئ إفكهم بالتشديد للمبالغة ، و آفكهم أي جعلهم آفكين و آفكهم أي قولهم الأفك أي ذو الإفك . " وما كانوا يفترون " .
29-" وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن " أملناهم إليك والنفر دون العشرة وجمعه أنفار . " يستمعون القرآن " حال محمولة على المعنى " فلما حضروه " أي القرآن أو الرسول . " قالوا أنصتوا " قالوا بعضهم لبعض اسكتوا لنسمعه . " فلما قضي " أتم وفرغ من قراءته ، وقرئ على بناء الفاعل وهو ضميرة الرسول عليه الصلاة والسلام ." ولوا إلى قومهم منذرين " أي منذرين إياهم بما سمعوا . روي أنهم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي النخلة عند منصرفه من الطائف يقرأ في تهجده .
30-" قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى " قيل إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهوداً أو ما سمعوا بأمر عيسى عليه الصلاة والسلام ." مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق " من العقائد . " وإلى طريق مستقيم " من الشرائع .
31-" يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم " بعض ذنوبكم ، وهو ما يكون في خالص حق الله فإن المظالم لا تغفر بالإيمان . " ويجركم من عذاب أليم " هو معد للكفار ، واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه باقتصارهم على المغفرة والإجارة على أن لا ثواب لهم ، والأظهر في توابع التكليف كبني آدم .
32-" ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض " إذ لا ينجي منه مهرب . " وليس له من دونه أولياء " يمنعونه منه . " أولئك في ضلال مبين " حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه .
33-" أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن " ولم يتعب ولم يعجز ، والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالإيجاد أبد الآباد . " بقادر على أن يحيي الموتى " أي قادر ، ويدل عليه قراءة يعقوب يقدر ، والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على " أن " وما في حيزها ولذلك أجاب عنه بقوله : " بلى إنه على كل شيء قدير " تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود ، كأنه صدر السورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد .
34-" ويوم يعرض الذين كفروا على النار " منصوب بقول مضمر مقوله : " أليس هذا بالحق " والإشارة إلى العذاب . " قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " بكفركم في الدنيا ، ومعنى الأمر هو الإهانة بهم والتوبيخ لهم .
35-" فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " أولو الثبات والجد منهم فإنك من جملتهم ، و " من " للتبيين ، وقيل للتبعيض ، و " أولو العزم " منهم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ، ومشاهيرهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهم السلام . وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه ، وإبراهيم على النار وذبح ولده والذبيح على الذبح ، ويعقوب على فقد الولد والبصر ، ويوسف على الجب والسجن ، وأيوب على الضر ، وموسى قال له قومه " إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين " ، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة ، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة . " ولا تستعجل لهم " لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة . " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار " استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة . " بلاغ " هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية ، أو تبليغ من الرسول عليه الصلاة والسلام ويؤيده أنه قرئ بلغ ، وقيل " بلاغ " مبتدأ خبره " لهم " و " ما " بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم ، وقرئ بالنصب اي بلغوا بلاغاً . " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة ، وقرئ يهلك بفتح اللام وكسرها من هلك وهلك ، ونهلك بالنون ونصب القوم . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا " .