1-" ن " من أسماء الحروف ،وقيل اسم الحوت والمراد به الجنس أو البهموت وهو الذي عليه الأرض ، أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شيء أشد سواداً من النفس يكتب به ، ويؤيد الأول سكونه وكتبه بصورة الحرف . " والقلم " وهو الذي خط اللوح ، أو الذي يخط به أقسم به تعالى لكثرة فوائده وأخفى ابن عامر و الكسائي و يعقوب النون إجراء للواو المنفصل مجرى المتصل ، فإن النون الساكنة تخفى مع حروف الفم إذا اتصلت بها . وقد روي ذلك عن نافع و عاصم ، وقرئت بالفتح والكسر كـ" ص " . " وما يسطرون " وما يكتبون والضمير لـ" القلم " بالمعنى الأول على التعظيم ، أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس وإسناد الفعل إلى الأدلة وإجراؤه مجرى أولي العلم لإقامته مقامهم ، أو لأصحابه أو للحفظة و " ما " مصدرية أو موصولة .
2-" ما أنت بنعمة ربك بمجنون " جواب القسم والمعنى ما أنت بمجنون منعماً عليك بالنبوة وحصافة الرأي ، والعامل في الحال معنى النفي وقيل " بمجنون " الباء لا تمنع عمله فيما قبله لأنها مزيدة ، وفيه نظر من حيث المعنى .
3-" وإن لك لأجراً " على الاحتمال والإبلاغ . "غير ممنون " مقطوع أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطيك بلا توسط .
4-" وإنك لعلى خلق عظيم " إذ تتحمل من قومك ما لا يتحمل أمثالك ، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن ، ألست تقرأ القرآن " قد أفلح المؤمنون " .
5-" فستبصر ويبصرون " .
6- " بأيكم المفتون " أيكم الذي فتن بالجنون والباء مزيدة ، أو بأيكم الجنون على أن المفتوت مصدر كالمعقول والمجلود ، أو بأي الفريقين منكم المجنون أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين ، أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم .
7-" إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " وهم المجانين على الحقيقة . "وهو أعلم بالمهتدين " الفائزين بكمال العقل .
8-" فلا تطع المكذبين " تهييج للتصميم على معاصاتهم .
9-" ودوا لو تدهن " تلاينهم بأن تدع نهيهم عن الشرك ، أو توافقهم فيه أحياناً . " فيدهنون" فيلاينونك بترك الطعن والموافقة ، والفاء للعطف أي ودوا التداهن وتمنوه لكنهم أخروا ادهانهم حتى تدهن ، أو للسببية أي " ودوا لو تدهن " فهم يدهنون حينئذ ، أو ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون طمعاً فيه ، وفي بعض المصاحف فيدهنوا على أنه جواب التمني .
10-" ولا تطع كل حلاف " كثير الحلف في الحق والباطل " مهين " حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة .
11-" هماز " عياب " مشاء بنميم " نقال للحديث على وجه السعاية .
12-"مناع للخير " يمنع الناس عن الخير من الإيمان والإيقان والعمل الصالح . " معتد " متجاوز في الظلم . " أثيم " كثير الآثام .
13-" عتل " جاف غليظ من عتله إذا قاده بعنف وغلظة . " بعد ذلك " بعدما عد من مثالبه " زنيم " دعي مأخوذ من زنمتي الشاة وهما المتدليتان من أذنها وحلقها ، قيل هو الوليد من المغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده . وقيل الأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده في زهرة .
14-" أن كان ذا مال وبنين " .
15-" إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين " قال ذلك حينئذ لأنه كان متمولاً مستظهراً بالبنين من فرط غروره ، لكن العامل مدلول قال لا نفسه ، لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ن ويجوز أن يكون علة لـ" لا تطع " أي لا تطع من هذه مثاله لأن كان ذا مال . وقرأ ابن عامر و حمزة و يعقوب و أبو بكر أن كان على الاستفهام ، غير أن ابن عامر جعل الهمزة بين بين أي الأن كان ذا مال كذب ، أو أتطيعه لأن كان ذا مال . وقرئ أن كان بالكسر على أن شرط الغنى في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر في النهي عن قتل الأولاد ، أو " أن " سرطه للمخاطب أي لا تطعه شارطاً يساره لأنه إذا أطاع للغني فكأنه شرطه في الطاعة .
16-" سنسمه " بالكي " على الخرطوم " على الأنف وقد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقي أثره ،وقيل هو عبارة عن أي يذله غاية الإذلال كقولهم : جدع أنفه ، رغم أنفه ، لأن السمة على الوجه سيما على الأنف شين ظاهر ، أو نسود وجهه يوم القيامة .
17-" إنا بلوناهم " بلونا أهل مكة شرفها الله تعالى ، بالقحط . " كما بلونا أصحاب الجنة " يريد البستان الذي كان دون صنعاء بفرسخين ، وكان لرجل صالح وكان ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأه المنجل وألقته الريح ، أو بعد البساط الذي يبسط تحت النخلة فيجتمع لهم شيء كثير ، فلما مات قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعله أبونا ضاق علينا الأمر ، فحلفوا " ليصرمنها " وقت الصباح خفية عن المساكين كما قال : " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين " ليقطعنها داخلين في الصباح .
18-" ولا يستثنون " ولا يقولون إن شاء الله ، وإنما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير أن المخرج به خلاف المذكور والمخرج بالاستثناء عينه ، أو لأن معنى لأخرج إن شاء الله ولا أخرج إلى أن يشاء الله واحد ، أو " ولا يستثنون " حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم .
19-" فطاف عليها " على الجنة " طائف " بلاء طائف . "من ربك " مبتدأ منه ." وهم نائمون " .
20-" فأصبحت كالصريم " كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء . فعيل بمعنى مفعول ، أو كالدليل باحتراقها واسودادها ، أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سميا بالصريم لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه أو كالرمل .
21-" فتنادوا مصبحين " .
22-" أن اغدوا على حرثكم " أن أخرجوا أو بأن اخرجوا إليه غدوة ، وتعدية الفعل بعلى إما لتضمنه معنى الاقبال أو لتشبيه الغدو للصرام بغدو العدو المتضمن لمعنى الاستيلاء . " إن كنتم صارمين " قاطعين له .
23-" فانطلقوا وهم يتخافتون " يتشاورون فيما بينهم وخفى وخفت وخفد بمعنى الكتم ، ومنه الخفدود للخفاش .
24-" أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " " أن " مفسرة وقرئ بطرحها على إضمار القول ، والمراد بنهي المسكين عن الدخول المبالغة في النهي عن تمكينه من الدخول كقولهم : لا أرينك ها هنا .
25-" وغدوا على حرد قادرين " وغدوا قادرين على نكد لا غير ، من حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر ، وحاردت الإبل إذا منعت درها . والمعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين فتنكد عليهم بحيث لا يقدرون إلا على النكد ، أو غدوا حاصلين على النكد والحرمان مكان كونهم قادرين على الانتفاع .وقيل الحرد بمعنى الحرد وقد قرئ به أي لم يقدروا إلا على حنق بعضهم لبعض كقوله : " يتلاومون " وقيل الحرد والقصد والسرعة قال : أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله أي غدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وقيل علم للجنة .
26-" فلما رأوها " أول ما رأوها . " قالوا إنا لضالون " طريق جنتنا وما هي بها .
27-" بل نحن " أي بعد ما تأملوه وعرفوا أنها هي قالوا " بل نحن " " محرومون " حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا .
28-" قال أوسطهم " رأياً ، أو سناً . " ألم أقل لكم لولا تسبحون " لولا تذكرونه وتتوبون إليه من خبث نيتكم ، وقد قاله حينما عزموا على ذلك ويدل على هذا المعنى .
29-" قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين " أي لولا تستثنون فسمي الاستثناء تسبيحاً لتشاركهما في التعظيم ، أو لأنه تنزيه على أن يجري في ملكه ما لا يريده .
30-" فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون " يلوم بعضهم بعضاً فإن منهم من إشار بذلك ومنهم من استصوبه ، ومنهم من سكت راضياً ، ومنهم من أنكره .
31-" قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين " متجاوزين حدود الله تعالى .
32-" عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها " ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة . وقد روي أنهم أبدلوا خيراً منها وقرئ " يبدلنا " بالتخفيف . " إنا إلى ربنا راغبون " واجون العفو طالبون الخير و " إلي " لانتهاء الرغبة ، أو لتضمنها معنى الرجوع .
33-" كذلك العذاب " مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة العذاب في الدنيا . " ولعذاب الآخرة أكبر " أعظم منه ." لو كانوا يعلمون " لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب .
34-" إن للمتقين عند ربهم " أي في الآخرة ، أو في جوار القدس " جنات النعيم " جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص .
35-" أفنجعل المسلمين كالمجرمين " إنكار لقول الكفرة ، فإنهم كانوا يقولون : إن صح إنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالاً منهم كما نحن عليه في الدنيا .
36-" ما لكم كيف تحكمون " التفات فيه تعجب من حكمهم واستبعاد له ، وإشعار بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي .
37-" أم لكم كتاب " من السماء . " فيه تدرسون " تقرأون .
38-" إن لكم فيه لما تخيرون " إن لكم ما تختارونه وتشتهونه ، وأصله أن لكم بالفتح لأنه المدروس فلما جيء باللام كسرت ، ويجوز أن يكون حكاية للمدروس أو استئنافاً وتخير الشيء واختاره أخذ خيره .
39-" أم لكم أيمان علينا " عهود مؤكدة بالإيمان . " بالغة " متناهية في التوكيد ، وقرئت بالنصب على الحال والعامل فيها أحد الظرفين . "إلى يوم القيامة " متعلق بالمقدر في " لكم " أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم في ذلك اليوم ، أو بـ" بالغة " أي أيمان تبلغ ذلك اليوم . " إن لكم لما تحكمون " جواب القسم لأن معنى أم لكم أيمان علينا أم أقسمنا لكم .
40-" سلهم أيهم بذلك زعيم " بذلك الحكم قائم يدعيه ويصححه .
41-" أم لهم شركاء " يشاركونهم في هذا القول ." فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين " في دعواهم إذ لا أقل من التقليد ، وقد نبه سبحانه وتعالى في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أن يتشبثوا به من عقل أو نقل يدل عليه الاستحقاق أو وعد أو محض تقليد ، على الترتيب تنبيهاً علىمراتب النظر وتزيفاً لما لا سند له .وقيل المعنى " أم لهم شركاء " يعني الأصنام يجعلونهن مثل المؤمنين في الآخرة كأنه لما نفى أن تكون التسوية من الله تعالى نفى بهدا أن تكون مما يشاركون الله به .
42-" يوم يكشف عن ساق " يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل في ذلك ، وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب . قال حاتم : أخو الحرب إن عضت به الحرب عطفها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عياناً مستعار من ساق الشجر وساق الإنسان ، وتنكيره للتهويل أو للتعظيم .وقرئ تكشف و تكشف بالتاء على بناء الفاعل أو المفعول والفعل للساعة أو الحال " ويدعون إلى السجود " توبيخا على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة ، أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع . " فلا يستطيعون " لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه .
43-" خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذلة " تلحقهم ذلة . " وقد كانوا يدعون إلى السجود " في الدنيا أو زمان الصحة . "وهم سالمون " متمكنون منه مزاحو العلل فيه .
44-" فذرني ومن يكذب بهذا الحديث " كله إلى فإني أكفيكه . " سنستدرجهم " سندنيهم من العذاب درجة درجة بالإمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة . " من حيث لا يعلمون " أنه استدراج وهو الإنعام عليهم لأنهم حسبوه تفضيلاً لهم على المؤمنين .
45-" وأملي لهم " وأمهلهم . " إن كيدي متين " لا يدفع بشيء ، وإنما سمي إنعامه استدراجاً بالكيد لأنه في صورته .
46-" أم تسألهم أجراً " على الإرشاد . " فهم من مغرم " من غرامة . "مثقلون " يحملها فيعرضون عنك .
47-" أم عندهم الغيب " اللوح أو المغيبات . " فهم يكتبون " منه ما يحكمون به ويستغنون به عن علمك .
48-" فاصبر لحكم ربك " وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم " ولا تكن كصاحب الحوت " يونس عليه الصلاة والسلام . " إذ نادى " في بطن الحوت . " وهو مكظوم " مملوء غيظاً من الضجر فتبتلي ببلائه .
49-" لولا أن تداركه نعمة من ربه " يعنى التوفيق التوفيق للتوبة وقبولها وحسن تذكير الفعل للفصل ، وقرئ تداركته و تداركه أي تتداركه على حكاية الحال الماضية بمعنى لولا كان يقال فيه تتداركه . " لنبذ بالعراء " بالأرض الخالية من الشجر . " وهو مذموم " مليم مطرود عن الرحمة والكرامة . وهو حال يعتمد عليها الجواب لأنها المنفية دون النبذ .
50-" فاجتباه ربه " بأن رد الوحي إليه ، أو استنبأه إن صح أنه لم يكن نبياً قبل هذه الواقعة . " فجعله من الصالحين " من الكاملين في الصلاح بأن عصمه من أن يفعل ما تركه أولى ، وفيه دليل على خلق الأفعال والآية نزلت حين هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف ، وقيل بأحد حين حل به ما حل فأراد أن يدعو على المنهزمين .
51-" وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم " " إن " هي المخففة واللام دليلها والمعنى : إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزراً بحيث يكادون يزلون قدمك ، أو يهلكونك من قولهم نظر إلي نظراً يكاد يصرعني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله ، أو أنهم يكادون يصيبونك بالعين . إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون ، فإراد بعضهم أن يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت .وفي الحديث " إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر " ولعله يكون من خصائص بعض النفوس .وقرأ نافع " ليزلقونك" من زلقته فزلق كحزنته فحزن وقرئ ليزهقونك أي ليهلكونك ." لما سمعوا الذكر " أي القرآن أي ينبعث عند سماعه بغضهم وحسدهم ."ويقولون إنه لمجنون " حيرة في أمره وتنفيراً عنه .
52-" وما هو إلا ذكر للعالمين " لما جننوه لأجل القرآن بين أنه ذكر عام لا يدركه ولا يتعاطاه إلا من كان أكمل الناس عقلاً وأميزهم رأياً . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة القلم أعطاه الله ثواب الذين حسن الله أخلاقهم " .