1-" يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " روي "أنه عليه الصلاة والسلام خلا بمارية في نوبة عائشة رضي الله تعالى عنها أو حفصة ، فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت" . وقيل " شرب عسلاً عند حفصة ، فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له إنا نشم منك ريح المعافير فحرم العسل فنزلت " " تبتغي مرضاة أزواجك " تفسيراً لـ" تحرم " أو حال من فاعله أو استئناف لبيان الداعي إليه . " والله غفور " لك هذه الزلة فإنه لا يجوز تحريم ما أحله الله . "رحيم " رحمك حيث لم يؤاخذك به وعاتبك محاماة على عصمتك .
2-" قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " قد شرع لكم تحليلها وهو حل ما عقدته بالكفارة ، أو الاستثناء فيها بالمشيئة حتى لا تحنث من قولهم : حلل في يمينه إذا استثنى فيها ، واحتج بها من رأى التحريم مطلقاً أو تحريم المرأة يميناً ، وهو ضعيف إذ لا يلزم من جوب كفارة اليمين فيه كونه يميناً مع احتمال أنه عليه الصلاة والسلام أتى بلفظاليمين كما قيل " والله مولاكم " متوليى أمركم " وهو العليم " بما يصلحكم " الحكيم " المتقن في أفعاله وأحكامه .
3-" وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه " يعني حفصة " حديثاً " تحريم مارية أو العسل أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما " فلما نبأت به " أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث " وأظهره الله عليه " واطلع النبي عليه الصلاة والسلام على الحديث أي على إفشائه . " عرف بعضه " عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت . " وأعرض عن بعض " عن أعلام بعض تكرماً أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض ، ويؤيده قراءة الكسائي بالتخفيف فإنه لا يحتمل ههنا غيره لكن المشدد من باب إطلاق اسم المسبب على السبب والمخفف بالعكس ، ويؤيده الأول قوله : " فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير " فإنه أوفق للإسلام .
4-" إن تتوبا إلى الله " خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة . " فقد صغت قلوبكما " فقد وجد منكما ما يوجب التوبة ، وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة رسول الله عليه الصلاة والسلام بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه . " وإن تظاهرا عليه " وإن تتظاهرا عليه بما يسؤوا ، وقرأ الكوفيون بالتخفيف . " فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين ، فإن الله ناصره وجبريل ريئس الكروبيين قرينه ، ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه . " والملائكة بعد ذلك ظهير " متظاهرون ،وتخصيص جبريل عليه السلام لتعظيمه ، والمراد بالصالح الجنس ولذلك عمم بالإضافة وبقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره الله تعالى به .
5-" عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن " على الغليب ، أو تعميم الخطاب ، وليس فيه ما يدل على أنه لم يطلق حفصة وأن في النساء خيراً منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه ، وقرأ نافع و أبو عمرو " يبدله " بالتخفيف . " مسلمات مؤمنات " مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات . " قانتات " مصليات أو مواظبات على الطاعات . " تائبات " عن الذنوب " عابدات " متعبدات أو متذللات لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام . " سائحات " صائمات سميى الصائم سائحاً لأنه يسبح بالنهار بلا زاد ، أو مهاجرات " ثيبات وأبكاراً " وسط العاطف بينهما لتنافيهما لأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار .
6-" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم " بترك المعاصي وفعل الطاعات " وأهليكم " بالنصح والتأديب ،وقرئ و أهلوكم عطف على واو " قوا " ، فيكون " أنفسكم " أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين . " ناراً وقودها الناس والحجارة " ناراً تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب . "عليها ملائكة " تلي أمرها وهو الزبانية . " غلاظ شداد " غلاظ الأقوال شداد الأفال ، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة " لا يعصون الله ما أمرهم " فيما مضى . "ويفعلون ما يؤمرون " فيما يستقبل ، أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به .
7-" يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون " أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار ، والنهي عن الاعتذار لأنه لا عذر لهم أو العذر لا ينفعهم .
8-" يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً " بالغة في النصح وهو صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة ، وصفت به على الإسناد المجازي مبالغة أو في النصاحة . وهي الخياطة كأنها تنصح ما خرق الذنب . وقرأ أبو بكر بضم النون وهو مصدر بمعنى النصح كالشكر والشكور ،والنصاحة كالثبات والثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحاً ، أو توبوا نصوحاً لأنفسكم . وسئل علي رضي الله تعالى عنه عن التوبة فقال : يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة ، وللفرائض الإعادة ، ورد المظالم واستحلال الخصوم ، وأن تعزم على أن لا تعود ، وأن تربي نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية . " عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار " ذكر يصيغة الاطماع جرياً على عادة الملوك ، وإشعاراً بأنه تفضل والتوبة غير موجبة وأن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء . " يوم لا يخزي الله النبي " ظرف لـ" يدخلكم " " والذين آمنوا معه " عطف على النبي عليه الصلاة والسلام إحماداً لهم وتعويضاً لمن ناوأهم ، وقيل مبتدأ خبره " نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم " أي على الصراط . " يقولون " إذا طفئ نور المنافقين " ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير " وقيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلاً .
9-" يا أيها النبي جاهد الكفار " بالسيف " والمنافقين " بالحجة " واغلظ عليهم " واستعمل الخشونة فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه . " ومأواهم جهنم وبئس المصير " جهنم أو مأواهم .
10-" ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط " مثل الله تعالى حالهم في أنهم يعاقبون بكفرهم ولا يحابون بما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من النسبة بحالهما ." كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين " يريد به تعظيم نوح ولوط عليهما السلام . " فخانتاهما " بالنفاق . " فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً " فلم يغن النبيان عنهما بحق الزواج شيئاً إغناء ما " وقيل " أي لهما عند موتهما أو يوم القيامة ." ادخلا النار مع الداخلين " مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام .
11-" وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون " شبه حالهم في أن وصلة الكافرين لا تضرهم بحال آسية رضي الله عنها ومنزلتها عند الله مع أنها كانت تحت أعدى أعداء الله . " إذ قالت " ظرف للمثل المحذوف . " رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة " قريباً من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين . " ونجني من فرعون وعمله " من نفسه الخبيثة وعمله السيء . " ونجني من القوم الظالمين " من القبط التابعين له في الظلم .
12-" ومريم ابنة عمران " عطف على " امرأة فرعون " تسلية للأرامل " التي أحصنت فرجها " من الرجال " فنفخنا فيه " في فرجها ، وقرئ فيها أي في " مريم " أو في الجملة . " من روحنا " من روح خلقناه بلا توسط أصل . " وصدقت بكلمات ربها " بصحفه المنزلة أو بما أوحى إلى أنبيائه . " وكتبه " وما كتب في اللوح المحفوظ ، أو جنس الكتب المنزلة وتدل عليه قراءة البصريان و حفص بالجمع ،وقرئ بكلمة الله وكتابه أي بعيسى عليه السلام والإنجيل " وكانت من القانتين" من عداد المواظبين على الطاعة ، والتذكير للتغليب والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم ، أو من نسلهم فتكون " من " ابتدائية . عن النبي صلى الله عليه وسلم " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع : آسية بنت مراحم امرأة فرعون : ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد . وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " وعنه عليه الصلاة والسلام " من قرأ سورة التحريم آتاه الله توتة نصوحاً" .