1-" ويل للمطففين " التطفيف البخس في الكيل والوزن لأن ما يبخس طفيف أي حقير . روي أن أهل المدينة كانوا أخبث الناس كيلاً فنزلت فأحسنوه ،وفي الحديث " خمس بخمس ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم ،وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ،ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر " .
2-" الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون " أي إذا اكتالوا من الناس حقوقهم يأخذونها وافية ، وإنما أبدل " على " بمن للدلالة على أن اكتيالهم لما لهم على الناس ، أو اكتيال يتحامل فيه عليهم .
3-" وإذا كالوهم أو وزنوهم " أي إذا كالوا الناس أو وزنوا لهم . "يخسرون " فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله : ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلا بمعنى جنيت لك أو كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ولا يحسن جعل المنفصل تأكيداً للمتصل فإنه يخرج الكلام عن مقابلة ما قبله إذ المقصود بيان اختلاف حالهم في الأخذ والدفع ، لا في المباشرة وعدمها ويستدعي إثبات الألف بعد الواو كما هو خط المصحف في نظائره .
4-" ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون " فإن من ظن ذلك لم يتجاسر على أمثال هذه القبائح فكيف بمن تيقنه وفيه إنكار وتعجيب من حالهم .
5-" ليوم عظيم " عظمه لعظم ما يكون فيه .
6-" يوم يقوم الناس " نصب بمبعوثون أو بدل من الجار والمجرور ويؤيده القراءة بالجر " لرب العالمين " لحكمه . وفي هذا الإنكار والتعجيب وذكر الظن ووصف اليوم بالعظم ، وقيام الناس فيه لله ، والتعبير عنه برب العالمين مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه .
7-" كلا " ردع عن التطفيف والغفلة عن البعث والحساب " إن كتاب الفجار " ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم " لفي سجين " كتاب جامع لأعمال الفجرة من الثقلين كما قال :
8-" وما أدراك ما سجين ".
9-" كتاب مرقوم " أي مسطور بين الكتابة أو معلم بعلم من رآه أنه لا خير فيه ، فعيل من السجن لقب به الكتاب لأنه سبب الحبس ، أو لأنه مطروح كما قيل : تحت الأرضين في مكان وحش ، وقيل اسم مكان والتقدير ما كتاب السجين ، أو محل كتاب مرقوم فحذف المضاف .
10-" ويل يومئذ للمكذبين " بالحق أو بذلك .
11-" الذين يكذبون بيوم الدين " صفة مخصصة أو موضحة أو ذامة .
12-"وما يكذب به إلا كل معتد " متجاوز عن النظر غال في التقليد حتى استقصر قدرة الله تعالى وعلمه فاستحال منه الإعادة . " أثيم " منهمك في الشهوات المخدجة بحيث أشغلته عما وراءها وحملته على الإتقان لما عداه .
13-" إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين " من فرط جهله وإعراضه عن الحق فلا تنفعه شواهد النقل كما لم تنفعه دلائل العقل .
14-" كلا " ردع عن هذا القوك . " بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " رد لما قالوه وبيان لما أدى بهم إلى هذا القول ، بأن غلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها حتى صار ذلك صدأ على قلوبهم فعمي عليهم معرفة الحق والباطل ، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات كما قال عليه الصلاةوالسلام " إن العبد كلما أذنب حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه " والرين الصدأ ، وقرأ حفص " بل ران" بإظهار اللام .
15-" كلا " ردع عن الكسب الرائن " إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " فلا يرونه بخلاف المؤمنين ومن أنكر الرؤية جعله تمثيلاً لأهانتهم بإهانة من يمنع عن الدخول على الملوك أو قدر مضافاً مثل ربهم ، أو قرب ربهم .
16-" ثم إنهم لصالوا الجحيم " ليدخلون النار ويصلون بها .
17-" ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون " تقوله لهم الزبانية .
18-" كلا " تكرير ليعقب بوعد الأبرار كما عقب بوعيد الفجار إشعاراً بأن التطفيف فجور والإيفاء بر ، أو ردع عن التكذيب . " إن كتاب الأبرار لفي عليين " .
19-" وما أدراك ما عليون " .
20-" كتاب مرقوم " الكلام فيه ما مر في نظيره .
21-" يشهده المقربون " يحضرونه فيحفظونه ، أو يشهدون على ما فيه يوم القيامة ,
22-" إن الأبرار لفي نعيم " .
23-" على الأرائك " على الأسرة في الحجال . " ينظرون " إلى ما يسرده من النعم والمتفرجات .
24-" تعرف في وجوههم نضرة النعيم " بهجة التنعم وبريقه ، وقرأ يعقوب تعرف على البناء للمفعول و نضرة بالرفع .
25-" يسقون من رحيق " شراب خالص . " مختوم " .
26-" ختامه مسك " أي مختوم أوانيه بالمسك مكان الطين ، ولعله تمثيل لنفاسته ، أو الذي له ختام أي مقطع هو رائحة المسك ، وقرأ الكسائي خاتمه بفتح التاء أي ما يختم به ويقطع . " وفي ذلك " يعني الرحيق أو النعيم " فليتنافس المتنافسون " فليرتغب المرتغبون .
27-" ومزاجه من تسنيم " علم لعين بعينها سميت تسنيماً لارتفاع مكانها أو رفعة شرابها .
28-" عيناً يشرب بها المقربون " فإنهم يشربونها صرفاً لأنهم لم يشتغلوا بغير الله ، وتمزج لسائر أهل الجنة وانتصاب " عيناً " على المدح أو الحال " من تسنيم " والكلام في الباء كما في " يشرب بها عباد الله " .
29-" إن الذين أجرموا " يعني رؤساء قريش . " كانوا من الذين آمنوا يضحكون " كانوا يستهزئون بفقراء المؤمنين .
30-" وإذا مروا بهم يتغامزون " يغمز بعضهم بعضاً ويشيرون بأعينهم .
31-" وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين " متلذذين بالسخرية منهم ،وقرأ حفص فكهين .
32-" وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون " وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال .
33-" وما أرسلوا عليهم " على المؤمنين . " حافظين " يحفظون عليهم أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم .
34-" فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون " حين يرونهم أذلاء مغلوبين في النار . وقيل يفتح لهم باب إلى الجنة فيقال لهم اخرجوا إليها ،فإذا وصلوا أغلق دونهم فيضحك المؤمنين منهم .
35-" على الأرائك ينظرون " حال من " يضحكون " .
36-" هل ثوب الكفار " أي هل أثيبوا . "ما كانوا يفعلون " وقرأ حمزة و الكسائي بادغام اللام في الثاء . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة " .