1-" الحاقة " أي الساعة أو الحالة التي يحق وقوعها ، أو التي تحق فيها الأمور أي نعرف حقيقتها ، أو تقع فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء على الإسناد المجازي ، وهي مبتدأ خبرها :
2-" ما الحاقة " وأصله ما هي أي : أي شيء هي على التعظيم لشأنها والتهويل لها ، فوضع الظاهر موضع الضمير لأنه أهول لها .
3-" وما أدراك ما الحاقة " وأي شيء أعلمك ما هي ، أي أنك لا تعلم كنهها فإنها أعظم من أن تبلغها دراية أحد ، و " ما " مبتدأ و " أدراك " خبره .
4-" كذبت ثمود وعاد بالقارعة " بالحالة التي تقرع فيها الناس بالإفزاع والأجرام بالانفطار والانتشار ، وإنما وضعت موضع ضمير " الحاقة " زيادة في وصف شدتها .
5-" فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية " بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة وهي الصيحة ، أو لرجفة لتكذيبهم . "بالقارعة " ، أو بسبب طغيانهم بالتكذيب وغيره على أنها مصدر كالعاقبة وهو لا يطابق قوله :
6-" وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر " بالواقعة أي شديدة الصوت أو البرد من الصر أو الصر . " عاتية " شديدة العصف كأنها عتت على خزانها فلم يستطيعوا ضبطها ، أو على " عاد " فلم يقدروا على ردها .
7-" سخرها عليهم " سلطها عليهم بقدرته ، وهو استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها اتصالات فلكية ، إذ لو كانت لكان هو المقدر لها والسبب ." سبع ليال وثمانية أيام حسوماً " متتابعات جمع حاسم من حسمت الدابة إذا تابعت بين كيها ، أو نحسات حسمت كل خير واستأصلته ، أو قاطعات قطعت دابرهم ، ويجوز أن يكون مصدراً منتصباً على العلة بمعنى قطعاً ، أو المصدر لفعله المقدر حالاً أي تحسمهم " حسوماً " ويؤيده القراءة بالفتح ،وهي كانت أيام العجوزمن صبيحة أربعاء إلىغروب الأربعاء الآخر ، وإنما سميت عجوزاً لأنها عجز الشتاء ، أو لأن عجوزاً من عاد توارت في سرب فانتزعها الريح في الثامن فأهلكتها . " فترى القوم " إن كنت حاضرهم " فيها " في مهابها أو في الليالي والأيام " صرعى " موتى جمع صريع " كأنهم أعجاز نخل " أصول نخل . " خاوية " متأكلة الأجواف .
8-" فهل ترى لهم من باقية " من بقية أو نفس باقية ، أو بقاء .
9-" وجاء فرعون ومن قبله " ومن تقدمه ، وقرأ البصريان و الكسائي " ومن قبله " أي ومن عنده من أتباعه ، ويدل عليه أنه قرئ ومن معه . " والمؤتفكات " قرى قوم لوط والمراد أهلها . " بالخاطئة " بالخطأ أو بالفعلة ، او الأفعال ذات الخطأ .
10-" فعصوا رسول ربهم " أي فعصت كل أمة رسولها . "فأخذهم أخذةً رابية " زائدة في الشدة زيادة أعمالهم في القبح .
11-" إنا لما طغى الماء " جاوز حده المعتاد ، أو طعى على خزانه وذلك في الطوفان وهو يؤيد من قبله . " حملناكم " أي آباءكم وأنتم في أصلابهم " في الجارية " في سفينة نوح عليه الصلاة والسلام .
12-" لنجعلها لكم " لنجعل الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين . " تذكرةً " عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته ." وتعيها " وتحفظها ، وعن ابن كثير تعيها بسكون العين تشبيهاً بكتف ، والوعي أن تحفظ الشيء في نفسك والإيعاء أن تحفظه في غيرك . "أذن واعية " من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته والتفكر فيه والعمل بموجبه ، والتنكير للدلالة على قلتها وأن من هذا شأنه مع قلته تسبب لإنجاء الجم الغفير وإدامة نسلهم . وقرأ نافع أذن بالتخفيف .
13-" فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة " لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها تفخيماً لسأنها وتنبيهاً على مكانها عاد إلى شرحها ، وإنما حسن إسناد الفعل إلى المصدر لتقيده وحسن تذكيره للفصل ، وقرئ " نفخةً " بالنصب على إسناد الفعل إلى الجار والمجرور والمراد بها النفخة الأولى التي عندها خراب العالم .
14-" وحملت الأرض والجبال " رفعت من أماكنها بمجرد القدرة الكاملة ، أو بتوسط زلزلة أو ريح عاصفة . "فدكتا دكةً واحدةً " فضربت الجملتان بعضها ببعض ضربة واحدة فيصير الكل هباء ، أو فبسطتا واحدة فصارتا أرضاً ولا عوج فيها ولا أمتاً لأن الدك سبب التسوية ، ولذلك قيل ناقة دكاء للتي لا سنام لها ، وأرض دكاء للمتسعة المستوية .
15-" فيومئذ " فحينئذ " وقعت الواقعة " قامت القيامة .
16-" وانشقت السماء " لنزول الملائكة " فهي يومئذ واهية " ضعيفة مسترخية .
17-" والملك " والجنس المتعارف بالملك " على أرجائها " جوانبها جمع رجا بالقصر ، ولعله تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها ، وإن كان على ظاهره فلعل هلاك الملائكة أثر ذلك . " ويحمل عرش ربك فوقهم " فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء ، أو فوق الثمانية لأنها في نية التقديم . " يومئذ ثمانية " ثمانية أملاك ، لما روي مرفوعاً " أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة آخرين " . وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ،ولعله أيضاً تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام وعلى هذا قال :
18-" يومئذ تعرضون " تشبيهاً للمحاسبة بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم ، وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسماً لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة وأهل النار صح ظرفاً للكل . " لا تخفى منكم خافية " سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها ، وإنما المراد منه إنشاء الحال والمبالغة في العدل ، أو على الناس كما قال الله تعالى :" يوم تبلى السرائر " وقرأ حمزة و الكسائي بالياء للفصل .
19-" فأما من أوتي كتابه بيمينه " تفصيل للعرض . " فيقول " تبجحاً . " هاؤم اقرؤوا كتابيه " هاء اسم لخذ ، وفيه لغات أجودها هاء يا رجل وهاء يا امرأة وهاؤما يا رجلان أو امرأتان ،وقاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة ومفعوله محذوف و " كتابه " مفعول " اقرؤوا " لأنه أقرب العاملين ،ولأنه لو كان مفعول " هاؤم " لقيل اقرؤوه إذ الأولى اضماره حيث أمكن ، والهاء فيه وفي " حسابيه " و " ماليه " و " سلطانيه " للسكت تثبيت في الوقف وتسقط في الوصل و استحب الوقف لثباتها في الإمام ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل .
20-" إني ظننت أني ملاق حسابيه " أي علمت ،ولعله عبر عنه بالظن إشعاراً بأنه لا يقدح في الاعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالباً .
21-" فهو في عيشة راضية " ذات رضا على النسبة بالصيغة . أو جعل الفعل لها مجازاً وذلك لكونها صافية عن الشوائب دائمة مقرونة بالتعظيم .
22-" في جنة عالية " مرتفعة المكان لأنها في السماء ، أو الدرجات أو الأبنية والأشجار .
23-" قطوفها " جمع قطف وهو ما يجتنى بسرعة والقطف بالفتح المصدر . " دانية " يتناولها القاعد .
24-" كلوا واشربوا " بإضمار القول وجمع الضمير للمعنى . " هنيئاً " أكلاً وشرباً " هنيئاً " أو هننئتم " هنيئاً " . " بما أسلفتم " بما قدمتم من الإعمال الصالحة . " في الأيام الخالية " الماضية من أيام الدنيا .
25-" وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول " لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة . " يا ليتني لم أوت كتابيه " .
26-" ولم أدر ما حسابيه " .
27-" يا ليتها " يا ليت الموتة التي منها . " كانت القاضية " القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ، أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علي لأنه صادفها أمر الموت فتمناه عندها ،أو يا ليت حياة الدنيا كانت الموتة ولم أخلق فيها حياً .
28-" ما أغنى عني ماليه " مالي من المال والتبع وما نفى والمفعول محذوف ، أو أستفهام إنكار مفعول لأغنى .
29-" هلك عني سلطانيه " ملكي وتسلطي على الناس ، أو حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا ، وقرأ حمزة عني مالي عني سلطاني بحذف الهاءين في الوصل والباقون إثباتها في الحالين .
30-" خذوه " يقوله الله تعالى لخزنة النار . " فغلوه " .
31-" ثم الجحيم صلوه " ثم لا تصلوه إلا الجحيم ، وهي النار العظمى لأنه كان يتعظم على الناس .
32-" ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً " أي طويلة . "فاسلكوه " فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة ، وتقديم الـ" سلسلة " كتقديم " الجحيم " للدلالة على التخصيص والاهتمام بذكر أنواع ما يعذب به ، و " ثم " لتفاوت ما بينها في الشدة .
33-" إنه كان لا يؤمن بالله العظيم " تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة ، وذكر " العظيم " للإشعار بأنه هو المستحق للعظمة فمن تعظم فيها استوجب ذلك .
34-" ولا يحض على طعام المسكين " ولا يحث على بذل طعامه أو على إطعامه فضلاً عن أن يبذل من ماله ،ويجوز أن يكون ذكر الحض للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل . وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع ، ولعل تخصيص الأمرين بالذكر لأن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب .
35-" فليس له اليوم هاهنا حميم " قريب يحميه .
36-" ولا طعام إلا من غسلين " غسالة أهل النار وصديدهم فعلين من الغسل .
37-" لا يأكله إلا الخاطئون " أصحاب الخطايا من خطئ الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطأ المضاد للصواب ، وقرئ الخاطيون بقلب الهمزة ياء و الخاطون بطرحها .
38-" فلا أقسم " لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم ، أو فـ" أقسم " و " لا " مزيدة أو فلا رد لإنكارهم البعث و " أقسم " مستأنف . " بما تبصرون " .
39-" وما لا تبصرون " بالمشاهدات والمغيبات وذلك يتناول الخالق والمخلوقات بأسرها .
40-" إنه " إن القرآن " لقول رسول " يبلغه عن الله تعالى فإن الرسول لا يقول عن نفسه . " كريم " على الله تعالى وهو محمد أو جبريل عليهما الصلاة والسلام .
41-" وما هو بقول شاعر " كما تزعمون تارة . " قليلاً ما تؤمنون " تصدقون لما ظهر لكم صدقه تصديقاً قليلاً لفرط عنادكم .
42-" ولا بقول كاهن " كما تدعون أخرى " قليلاً ما تذكرون " تذكرون تذكراً قليلاً ، فلذلك يلتبس الأمر عليكم وذكر الإيمان مع نفي الشاعرية وللتذكر مع نفي الكاهنية لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند بخلاف مباينته للكهانة ، فإنها تتوقف على تذكر أحوال الرسول ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة ومعاني أقوالهم . وقرأ ابن كثير و يعقوب يالياء فيهما .
43-" تنزيل " هو تنزيل " من رب العالمين " نزله على لسان جبريل عليه السلام .
44-" ولو تقول علينا بعض الأقاويل " سمي الافتراء تقولاً لأنه قول متكلف والأقوال المفتراة أقاويل تحقيراً لها كأنه جمع أفعولة من القول كالأضاحيك .
45-" لأخذنا منه باليمين " بيمينه .
46-" ثم لقطعنا منه الوتين " أي نياط بضرب عنقه ، هو تصوير لأهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه ، وهو أن يأخذ المقتول بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب به جيده ، وقيل اليمين بمعنى القوة .
47-" فما منكم من أحد عنه " عن القتل أو المقتول . " حاجزين " دافعين وصف لأحد فإنه عام والخطاب للناس .
48-" وإنه " وإن القرآن . " لتذكرة للمتقين " لأنهم المنتفعون به .
49-" وإنا لنعلم أن منكم مكذبين " فنجاريهم على تكذيبهم .
50-" وإنه لحسرة على الكافرين " إذا رأوا ثواب المؤمنين به .
51-" وإنه لحق اليقين " لليقين الذي لا ريب فيه .
52-" فسبح باسم ربك العظيم " فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيهاً له عن الرضا بالتقول عليه وشكراً على ما أوحى إليك . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله تعالى حساباً يسيراً " .