1-" حم " .
2-" تنزيل الكتاب " إن جعلت " حم " مبتدأ خبره " تنزيل الكتاب " احتجت إلى إضمار مثل " تنزيل " " حم " ، وإن جعلتها تعديداً للحروف كان " تنزيل " مبتدأ خبره : " من الله العزيز الحكيم " وقيل " حم " مقسم به و " تنزيل الكتاب " صفته وجواب القسم .
3-" إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين " وهو يحتمل أن يكون على ظاهره وأن يكون المعنى إن في خلق السموات لقوله :
4-" وفي خلقكم وما يبث من دابة " ولا يحسن عطف ما على الضمير المجرور بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين ، فإن بثه وتنوعه واستجماعه لما به يتم معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصانع المختار . " آيات لقوم يوقنون " محمول على محل إن واسمها ، وقرأ حمزة و الكسائي و يعقوب بالنصب حملاً على الاسم .
5-" واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق " من مطر وسماه رزقاً لأنه سببه . " فأحيا به الأرض بعد موتها " يبسها . " وتصريف الرياح " باختلاف جهاتها وأحوالها ، وقرأ حمزة و الكسائي وتصريف الريح . " آيات لقوم يعقلون " فيه القراءتان ويلزمهما العطف على عاملين في والابتداء ، أو أن إلا أن يضمر في أو ينصب " آيات " على الاختصاص أو يرفع بإضمار هي ، ولعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور .
6-" تلك آيات الله " أي تلك الآيات دلائله " نتلوها عليك " حال عاملها معنى الإشارة . " بالحق " ملتبسين به أو ملتبسة به . " فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون " أي بعد " آيات الله " ، وتقديم اسم " الله " للمبالغة والتعظيم كما في قولك إعجبني زيد وكرمه أو بعد حديث " الله " وهو [ في ] القرآن كقوله تعالى : " الله نزل أحسن الحديث " و" آياته " دلائله المتلوة أو القرآن ، والعطف لتغاير الوصفين . وقرأ الحجازيان و حفص و أبو عمرو و روح " يؤمنون " بالياء ليوافق ما قبله .
7-" ويل لكل أفاك " كذاب . " أثيم " كثير الآثام .
8-" يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر " يقيم على كفره . " مستكبراً " عن الإيمان بالآيات و " ثم " لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات كقوله : يرى غمرات ثم يزورها " كأن لم يسمعها " أي كأنه فخفف وحذف ضمير الشأن والجملة في موضع الحال ، أي يصر مثل غير السامع . " فبشره بعذاب أليم " على أصراره والبشارة على الأصل أو التهكم .
9-" وإذا علم من آياتنا شيئاً " وإذا بلغه شيء من " آياتنا " وعلم أنه منها . " اتخذها هزواً " لذلك من غير أن يرى فيها ما يناسب الهزء ، والضمير لـ" آياتنا " وفائدته الإشعار بأنه إذا سمع كلاماً وعلم أنه من الآيات بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على ما سمعه ، أو لشيء لأنه بمعنى الآية . " أولئك لهم عذاب مهين " .
10-" من ورائهم جهنم " من قدامهم لأنهم متوجهون إليها . أو من خلفهم لأنها بعد آجالهم . " ولا يغني عنهم " ولا يدفع عنهم . " ما كسبوا " من الأموال والأولاد . " شيئاً " من عذاب الله . " ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء " أي الأصنام . " ولهم عذاب عظيم " لا يتحملونه .
11-" هذا هدى " الإشارة إلى القرآن ويدل عليه قوله : " والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم " وقرأ ابن كثير و يعقوب و حفص برفع " أليم " و الـ" رجز " أشد العذاب .
12-" الله الذي سخر لكم البحر " بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه . " لتجري الفلك فيه بأمره " بتسخيره وأنتم راكبوها . " ولتبتغوا من فضله " التجارة والغوص والصيد وغيرها . " ولعلكم تشكرون " هذه النعم .
13-" وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً " بأن خلقها نافعة لكم . " منه " حال من ما أي سخر هذه الأشياء كائنة منه ، أو خبر لمحذوف أي هي جميعاً منه ، أو لـ" ما في السموات " " سخر لكم " تكرير للتأكيد أو لـ" ما في الأرض " ، وقرئ منه على المفعول له ومنه على أنه فاعل " سخر " على الإسناد المجازي أو خبر محذوف . " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " في صنائعه .
14-" قل للذين آمنوا يغفروا " حذف المقول لدلالة الجواب عليه ، والمعنى قل لهم اغفروا يغفروا أي يعفوا ويصفحوا . " للذين لا يرجون أيام الله " لا يتوقعون وقائعه بأعدائه من قولهم أيام العرب لوقائعهم ، أو لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لنصر المؤمنين وثوابهم ووعدهم بها . والآية في عمر رضي الله عنه شتمه غفاري فهم أن يبطش به ، وقيل إنها منسوخة بآية القتال . " ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون " علة للامر ، والقوم هم المؤمنون أو الكافرون أو كلاهما فيكون التتكير للتعظيم أو التحقير أو الشيوع ، والكسب المغفرة أو الإساءة أو ما يعمهما . وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي لنجزي بالنون وقرئ ليجزي قوم وليجزي قوماً أي ليجزي الخير أو الشر أو الجزاء ، أعني ما يجزى به لا المصدر فإن الإسناد إليه سيما مع المفعول به ضعيف .
15-" من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها " أي لها ثواب العمل وعليها عقابه . " ثم إلى ربكم ترجعون " فيجازيكم على أعمالكم .
16-" ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب " التوراة . " والحكم " والحكمة النظرية والعملية أو فصل الخصومات . " والنبوة " إذ كثر فيهم الأنبياء ما لك يكثروا في غيرهم . " ورزقناهم من الطيبات " مما أحل الله من اللذائذ . " وفضلناهم على العالمين " حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم .
17-" وآتيناهم بينات من الأمر " إدلة في أمر الدين ويندرج فيها المعجزات . وقيل آيات من أمر النبي عليه الصلاة والسلام مبينة لصدقه . " فما اختلفوا " في ذلك الأمر " إلا من بعد ما جاءهم العلم " بحقيقة الحال " بغياً بينهم " عداوة وحسداً . " إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " بالمؤاخذة والمجازاة .
18-" ثم جعلناك على شريعة " طريقة " من الأمر " من أمر الدين " فاتبعها " فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج . " ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون " آراء الجهال التابعة للشهوات ، وهو رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك .
19-" إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً " مما أراد بك " وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض " إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالهم باتباع أهوائهم . " والله ولي المتقين " فواله بالتقى واتباع الشريعة .
20-" هذا " أي القرآن أو اتباع الشريعة . " بصائر للناس " بينات تبصرهم وجه الفلاح . " وهدى " من الضلالة . " ورحمة " ونعمة من الله . " لقوم يوقنون " يطلبون اليقين .
21-" أم حسب الذين اجترحوا السيئات " أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب ومنه الجارحة . " أن نجعلهم " أن نصيرهم . " كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " مثلهم وهو ثاني مفعولي نجعل وقوله : " سواءً محياهم ومماتهم " بدل منه إن كان الضمير للموصول الأول لأن المماثلة فيه إذ المعنى إنكار أن يكون حياتهم ومماتهم سيين في البهجة والكرامة كما هو المؤمنين ، ويدل عليه قراءة حمزة و الكسائي و حفص " سواء " بالنصب على البدل أو الحال من الضمير في الكاف ، أو المفعولية والكاف حال وإن كان الثاني فحال منه أو استئناف يبين المقتضى للإنكار ، وإن كان لهما فبدل أو حال من الثاني ، وضمير الأول والمعنى إنكار أن يستووا بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة كما استووا في الرزق والصحة في الحياة ، أو استئناف مقرر لتساوي محياكل صنف ومماته في الهدى والضلال ، وقرئ مماتهم بالنصب على أن " محياهم ومماتهم " ظرفان كمقدم الحاج . " ساء ما يحكمون " ساء حكمهم هذا حكمهم هذا أو بئس شيئاً حكموا به ذلك .
22-" وخلق الله السموات والأرض بالحق " كأنه دليل على الحكم السابق من حيث أن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل يستدعي انتصار المظلوم من الظالم ، والتفاوت بين المسيء والمحسن وإذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات . " ولتجزى كل نفس بما كسبت " عطف على بالحق لأنه في معنى العلة أو على العلة أو على علة محذوفة مثل ليدل به ا على قدرته أو ليعدل " ولنجزي " . " وهم لا يظلمون " بنقص ثواب وتضعيف عقاب ، وتسمية ذلك ظلماً ولو فعله الله لم يكن منه ظلماً لأنه لو فعله غيره لكان ظلماً كالابتلاء والاختبار .
23-" أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى فكأنه يعبده ، وقرئ آلهة هواه لأنه كان أحدهم يستحسن حجراً فيعبده فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه . " وأضله الله " وخذله . " على علم " عالماً بضلاله وفساد جوهر روحه . " وختم على سمعه وقلبه " فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات . " وجعل على بصره غشاوةً " فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار ، وقرأ حمزة و الكسائي غشوة . " فمن يهديه من بعد الله " من بعد إضلاله . " أفلا تذكرون " وقرئ تتذكرون .
24-" وقالوا ما هي " ما الحياة أو الحال . " إلا حياتنا الدنيا " التي نحن فيها . " نموت ونحيا " أي نكون أمواتاً نطفاً وما قبلها ونحيا بعد ذلك ، أو نموت بانفسنا ونحيا ببقاء أولادنا ، أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا ، أويصيبنا الموت والحياة فيها وليس وراء ذلك حياة ويحتمل أنهم أرادوا به التناسخ فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان . " وما يهلكنا إلا الدهر " إلا مرور الزمان وهو في الأصل مدة بقاء العالم من دهرة إذا غلبه . " وما لهم بذلك من علم " يعني نسبة الحوادث إلى حركات الأفلاك وما يتعلق بها على الاستقلال ، أو إنكار البعث أو كليهما . " إن هم إلا يظنون " إذ لا دليل لهم عليه وإنما قالوه بناء على التقليد والإنكار لما لم يحسوا به .
25-" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات " واضحات الدلالة على ما يخالف معتقدهم أو مبينات له . " ما كان حجتهم " ما كان لهم متشبث يعارضونها به . " إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين " وإنما سماه حجة على حسبانهم ومساقهم ، أو على أسلوب قولهم . تحية بينهم ضرب وجيع فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء حالاً امتناعه مطلقاً .
26-" قل الله يحييكم ثم يميتكم " على ما دلت عليه الحجج . " ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " فإن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة ، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على ما قرر مراراً ، والوعد المصدق بالآيات دل على وقوعها ، وإذا كان كذلك أمكن الإتيان بآبائهم لكن الحكمة اقتضت أن يعادوه يوم الجمع للجزاء ." ولكن أكثر الناس لا يعلمون " لقلة تكفرهم وقصور نظرهم على ما يحسونه .
27-" ولله ملك السموات والأرض " تعميم للقدرة بعد تخصيصها . " ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون " أي ويخسر يوم تقوم و " يومئذ " بدل منه .
28-" وترى كل أمة جاثيةً " مجتمعة من الجثوة وهو الجماعة ، أو باركة مستوفزة على الركب . وقرئ جاذية أي جالسة على أطراف الأصابع لا ستيفازهم . " كل أمة تدعى إلى كتابها " صحيفة أعمالها . وقرأ يعقوب " كل " على أنه بدل من الأول وتدعى صفة أو مفعول ثان . " اليوم تجزون ما كنتم تعملون " محمول على القول .
29-" هذا كتابنا " أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم . " ينطق عليكم بالحق " يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان ." إنا كنا نستنسخ " نستكتب الملائكة . " ما كنتم تعملون " أعمالكم .
30-" فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته " التي من جملتها الجنة . " ذلك هو الفوز المبين " الظاهر لخلوصه عن الشوائب .
31-" وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم " أي فيقال لهم ألم يأتكم رسلي " أفلم تكن آياتي تتلى عليكم " ، فحذف القول والمعطوف عليه اكتفاء بالمقصود واستغناء بالقرينة ." فاستكبرتم " عن الإيمان بها ." وكنتم قوماً مجرمين " عادتكم الإجرام .
32-" وإذا قيل إن وعد الله " يحتمل الموعود به والمصدر . " حق " كائن هو أو متعلقة لا محالة : " والساعة لا ريب فيها " إفراد للمقصود ، وقرأ حمزة بالنصب عطفاً على اسم إن ." قلتم ما ندري ما الساعة " أي شيء الساعة استغراباً لها ." إن نظن إلا ظناً " أصله نظن ظناً فأدخل حرفا النفي والاستثناء لأثبات الظن ونفي ما عداه كأنه قال : ما نحن نظن ظناً ، أو لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة ثم أكده بقوله : " وما نحن بمستيقنين " أي لإمكانه ، ولعل ذلك قول بعضهم تحيروا بين ما سمعوا من آبائهم وما تليت عليهم من الآيات في أمر الساعة .
33-" وبدا لهم " ظهر لهم . " سيئات ما عملوا " على ما كانت عليه بأن عرفوا قبحها وعاينوا وخامة عاقبتها ، أو جزاءها . " وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " وهو الجزاء .
34-" وقيل اليوم ننساكم " نترككم في العذاب ترك ما ينسى . " كما نسيتم لقاء يومكم هذا " كما تركتم عدنه ولم تبالوا به ، وإضافة لقاء إلى يوم إضافة المصدر إلى ظرفه . " ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " يخلصونكم منها .
35-" ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً " استهزأتم بها ولم تتفكروا فيها ." وغرتكم الحياة الدنيا " فحسبتم أن لا حياة سواها . " فاليوم لا يخرجون منها " وقرأ حمزة و الكسائي بفتح الياء وضم الراء . " ولا هم يستعتبون " لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه لفوات أوانه .
36-" فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين " إذ الكل نعمة منه ودال على كمال قدرته .
37-" وله الكبرياء في السموات والأرض " إذ ظهر فيها آثارها . " وهو العزيز " الذي لا يغلب . " الحكيم " فيما قدر وقضى فاحمدوه وكبروه وأطيعوا له . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ حم الجاثية ستر الله عورته وسكن روعته يوم الحساب " .