1-" الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله " امتنعوا عن الدخول في الإسلام وسلوك طريقة ، أو منعوا الناس عنه كالمطعمين يوم بدر ، أو شياطين قريش أو المصريين من أهل الكتاب ، أو عام في جميع من كفر وصد . " أضل أعمالهم " جعل مكارمهم كصلة الرحم وفك الأسارى وحفظ الجوار ضالة أي ضائعة محيطة بالكفر ، أو مغلوبة مغمورة فيه كما يضل الماء في اللبن ، أو ضلال حيث لم يقصدوا به وجه الله ، أو أبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصد عن سبيله بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كله .
2-" والذين آمنوا وعملوا الصالحات " يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم . " وآمنوا بما نزل على محمد " تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيماً له وإشعاراً بأن الإيمان لا يتم دونه ، وأنه الأصل فيه ولذلك أكده بقوله : " وهو الحق من ربهم " اعتراضاً على طريقة الحصر . وقيل حقيقته بكونه ناسخاً لا ينسخ ، وقرئ نزل على البناء للفاعل و أنزل على البناءين و نزل بالتخفيف . " كفر عنهم سيئاتهم " سترها بالإيمان وعملهم الصالح . " و أصلح بالهم " في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد .
3-" ذلك " إشارة إلى ما مر من الضلال والتكفير والإصلاح وهو مبتدأ خبره " بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم " بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتباع هؤلاء الحق ، وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ولذلك سمي تفسيراً . " كذلك " مثل ذلك الضرب . " يضرب الله للناس " يبين لهم " أمثالهم " أحوال الفريقين أو أحوال الناس ، أو يضرب أمثالهم بأن جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكفار والإضلال مثلاً لخيبتهم واتباع الحق مثلاً للمؤمنين ، وتكفير السيئات مثلاً لفوزهم .
4-" فإذا لقيتم الذين كفروا " في المحاربة . " فضرب الرقاب " أصله فاضربوا الرقات ضرباً فحذف الفعل وقدم المصدر ، وأنيب منابه مضافاً إلى المفعول ضماً إلى التأكيد والاختصار . والتعبير به عن القتل إشعاراً بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن ، وتصوير له بأشنع صورة . " حتى إذا أثخنتموهم " أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ . " فشدوا الوثاق " فأسروهم واحفظوهم ، والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به . " فإما منا بعد وإما فداءً " أي فإما تمنون منا أو تفدون فداء ، والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإطلاق وبين أخذ الفداء ، وهو ثابت عندنا فإن الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإمام بين القتل والمن والفداء ، والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب بدر فإنهم قالوا يتعين القتل أو الاسترقاق . وقرئ فدا كعصا . " حتى تضع الحرب أوزارها " آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع ، أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم . وقيل آثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم ، وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيها حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم .وقيل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام " ذلك " اي الأمر ذلك ، أو افعلوا بهم ذلك . " ولو يشاء الله لانتصر منهم " لانتقم منهم بالاستئصال . " ولكن ليبلو بعضكم ببعض " ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر ." الذين قتلوا في سبيل الله " أي جاهدوا ، وقرأ البصريان و حفص قتلوا أي استشهدوا ." فلن يضل أعمالهم " فلن يضيعها ، و قرئ يضل من ضل ويضل على البناء للمفعول .
5-" سيهديهم " إلى الثواب ، أو سيثبت هدايتهم ." ويصلح بالهم " .
6-" ويدخلهم الجنة عرفها لهم " وقد عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها فعملوا ما استحقوها به ، أو بينها لهم بحيث يعلم كل واحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق ، أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة ، أو حددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة .
7-" يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله " إن تنصروا دينه ورسوله . " ينصركم " على عدوكم . " ويثبت أقدامكم " في القيام بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفار .
8-" والذين كفروا فتعساً لهم " فعثوراً لهم ونحطاطاً ونقضه لعا قال الأعشى : فالتعس أولى بها من أن أقول لعا وانتصابه بفعله الواجب إضماره سماعاً ، والجملة خبر " الذين كفروا " أو مضمرة لناصبه . " وأضل أعمالهم " عطف عليه .
9-" ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله " القرآن لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم ، وهو تخصيص وتصريح بسببه الكفر بالقرآن للتعس والإضلال . " فأحبط أعمالهم " كرره إشعاراً بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال .
10-" أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم " استأصل عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم . " وللكافرين " من وضع الظاهر موضع المضمر . " أمثالها " أمثال تلك العاقبة أو العقوبة . أو الهلكة لأ، التدمير يدل عليها ، أو السنة لقوله تعالى : " سنة الله التي قد خلت " .
11-" ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا " ناصرهم على أعدائهم . " وأن الكافرين لا مولى لهم " فيدفع العذاب عنهم وهو لا يخالف قوله : " وردوا إلى الله مولاهم الحق " فإن المولى فيه بمعنى المالك .
12-" إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون " ينتفعون بمتاع الدنيا . " ويأكلون كما تأكل الأنعام " حريصين غافلين عن العاقبة . " والنار مثوى لهم " منزل ومقام .
13-" وكأين من قرية هي أشد قوةً من قريتك التي أخرجتك " على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه ، والإخراج باعتبار التسبب . " أهلكناهم " بأنواع العذاب . " فلا ناصر لهم " يدفع عنهم العذاب وهو كالحال المحكية .
14-" أفمن كان على بينة من ربه " حجة من عنده وهو القرآن ، أو ما يعمه والحجج العقلية كالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين " كمن زين له سوء عمله " كالشرك والمعاصي . " واتبعوا أهواءهم " في ذلك لا شبهة لهم عليه فضلاً عن حجة .
15-" مثل الجنة التي وعد المتقون " أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة . وقيل مبتدأ خبره : " كمن هو خالد في النار " ، وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة من هو خالد ، أو أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الإنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويراً لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى ، بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار ، وهو على الأول خبر محذوف تقديره : أفمن هو خالد في هده الجنة كمن هو خالد في النار ، أو بدل من قوله : " كمن زين " وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريراً لإنكار المساواة . " فيها أنهار من ماء غير آسن " استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف ، أو خبر لمثل و " آسن " من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه ، أو بالكسر على معنى الحدوث .وقرأ ابن كثير أسن . " وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " لم يصر قارصاً ولا حازراً . " وأنهار من خمر لذة للشاربين " لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ او مصدر نعت به بإضمار ذات ، أو تجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة . " وأنهار من عسل مصفى " لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها ، وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها ، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها . " ولهم فيها من كل الثمرات " صنف على هذا القياس . " ومغفرة من ربهم " عطف على الصنف المحذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة " كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميماً " مكان تلك الأشربة " فقطع أمعاءهم " من فرط الحرارة .
16-" ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك " يعنى المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه فإذا خرجوا " قالوا للذين أوتوا العلم " أي العلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم . " ماذا قال آنفاً " ما الذي قال الساعة ، استهزاء أو استعلاماً إذا لم يلقوا له آذانهم تهاوناً به ، و " آنفاً " من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة ، ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتاً مؤتنفاً ، أو حال من الضمير في " قال " وقرأ ابن كثير أنفاً " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه .
17-" والذين اهتدوا زادهم هدى " أي زادهم الله بالتوفيق والإلهام ، أو قول الرسول عليه الصلاة والسلام . " وآتاهم تقواهم " بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم ، أو أعطاهم جزاءها .
18-" فهل ينظرون إلا الساعة " فهل ينتظرون غيرها " أن تأتيهم بغتةً " بدل اشتمال من " الساعة " ، وقوله : " فقد جاء أشراطها " كالعلة له ، وقرئ أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه : " فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم " والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي عليه الصلاة والسلام ، وانشقاق القمر فكيف لهم " ذكراهم " أي تذكرهم " إذا جاءتهم " الساعة بغتة ، وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع .
19-" فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار " لذنبك " . " وللمؤمنين والمؤمنات " ولذنوبهم بالدعاء بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر ، فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى . " والله يعلم متقلبكم " في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها . " ومثواكم " في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم .
20-" ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة " أي هلا " نزلت سورة " في أمر الجهاد " فإذا أنزلت سورة محكمة " مبينة لا تشابه فيها . " وذكر فيها القتال " أي الأمر به " رأيت الذين في قلوبهم مرض " ضعف في الدين وقيل نفاق . " ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت " جبناً ومخافة " فأولى لهم " فويل " لهم " أفعل من الولى وهو القرب ، أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم .
21-" طاعة وقول معروف " استئناف أي امرهم " طاعة " أو " طاعة وقول معروف " خير لهم ، أو حكاية قولهم لقراءة أبي يقولون طاعة " فإذا عزم الأمر " أي جد وهو لأصحاب الأمر ، وإسناده إليه مجاز وعامل الظرف محذوف ، وقيل " فلو صدقوا الله " أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإيمان . " لكان " الصدق " خيراً لهم ".
22-" فهل عسيتم " فهل يتوقع منكم . " إن توليتم " أمور الناس وتأمرتم عليهم ، أو اعرضتم وتوليتم عن الإسلام , " أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " تناحراً على الولاية وتجادباً لها ، أو رجوعاً إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة الأقارب ، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم : هل عسيتم ، وهذا على لغة الحجاز فإن بني تميم لايلحقون الضمير به وخبره " أن تفسدوا " و " إن توليتم " اعتراض ، وعن يعقوب " توليتم " أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم " وتقطعوا " من القطع ، وقرئ " تقطعوا " من التقطع .
23-" أولئك " إشارة إلى المذكورين " الذين لعنهم الله " لأفسادهم وقطعهم الأرحام . " فأصمهم " عن استماع الحق " وأعمى أبصارهم " فلا يهتدون سبيله .
24-" أفلا يتدبرون القرآن " يتصفحونه وما فيه من المواعظ الزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي . " أم على قلوب أقفالها " لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر ، وقيل " أم " منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير ، وتنكير القلوب لأن القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو للإشعار بأنها لإبهام أمرها في القساوة ، أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبى لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة . وقرئ إقفالها على المصدر .
25-" إن الذين ارتدوا على أدبارهم " أي ما كانوا عليه من الكفر ." من بعد ما تبين لهم الهدى " بالدلائل الواضحات والمعجزات الظاهرة " الشيطان سول لهم " سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء . وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني ، وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واواً لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل ، ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرئ سول على تقدير مضاف أي كيد الشيطان " سول لهم " . " وأملى لهم " ومد لهم في الأمال والأماني ، أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب وأملي لهم أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف ، وقرأ أبو عمرو وأملي لهم على البناء للمفعول وهو ضمير " الشيطان " أو " لهم " .
26-" ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله " أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام بعدما تبين لهم نعته للمنافقين ، أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين . " سنطيعكم في بعض الأمر " في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معم إن أخرجوا ، والتظافر على الرسول صلى الله عليه وسلم . " والله يعلم إسرارهم " ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم ، وقرأ حمزة و الكسائي و حفص إسرارهم على المصدر .
27-" فكيف إذا توفتهم الملائكة " فكيف يعملون ويحتالون حينئذ ، وقرئ توفاهم وهو يحتمل الماضي والمضارع المحذوف إحدى تاءيه " يضربون وجوههم وأدبارهم " تصوير لتوفيهم بما يخافون منه ويجبنون عن القتال له .
28-" ذلك " إشارة إلى التوفي الموصوف . " بأنهم اتبعوا ما أسخط الله " من الكفر ككتمان نعت الرسول عليه الصلاة والسلام وعصيان الأمر . " وكرهوا رضوانه " ما يرضاه من الإيمان والجهاد وغيرهما من الطاعات . " فأحبط أعمالهم " لذلك .
29-" أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله " أن لن يبرز الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . " أضغانهم " أحقادهم .
30-" ولو نشاء لأريناكهم " لعرفناكم بدلائل تعرفهم بأعيانهم . " فلعرفتهم بسيماهم " بعلاماتهم التي نسمهم بها ، واللام لام الجواب كررت في المعطوف . " ولتعرفنهم في لحن القول " جواب قسم محذوف و " لحن القول " أسلوبه ، أو إمالته إلى جهة تعريض وتورية ، ومنه قيل للمخطئ لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب . " والله يعلم أعمالكم " فيجازيكم على حساب قصدكم إذ الأعمال بالنيات .
31-" ولنبلونكم " بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة . " حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين " على مشاقه " ونبلو أخباركم " ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها وقبحها ، أو أخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم المؤمنين في صدقها وكذبها . وقرأ أبو بكر الأفعال الثلاثة بالياء لتوافق ما قبلها ، وعن يعقوب ونبلو بسكون الواو على تقدير ونحن نبلو .
32-" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى " هم قريظة والنضير أو المطعمون يوم بدر . " لن يضروا الله شيئاً " بكفرهم وصدهم ، أو لن يضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته . " وسيحبط أعمالهم " ثواب حسنات أعمالهم بذلك ، أو مكايدهم التي نصبوها في مشاقته فلا يصلون بها إلى مقاصدهم ولا تثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم .
33-" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم " بما أبطل به هؤلاء كالكفر والنفاق والعجب والرياء والمن والأذى ونحوها ، وليس فيه دليل على إحباط الطاعات بالكبائر .
34-" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم " عام في كل من مات على كفره وإن صح نزوله في أصحاب القليب ، ويدل بمفهومه على أنه قد يغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه .
35-" فلا تهنوا " فلا تضعفوا " وتدعوا إلى السلم " ولا تدعوا إلى الصلح خوراً وتذللاً ، ويجوز نصبه بإضمار إن وقرئ ولا تدعوا من ادعى بمعنى دعا ، وقرئ أبو بكر و حمزة بكسر السين . " وأنتم الأعلون " الأغلبون . " والله معكم " ناصركم . " ولن يتركم أعمالكم " ولن يضيع أعمالكم ، من وترت الرجل إذا قتلت متعلقاً به من قريب أو حميم فأفردته منه من الوتر ، شبه به تعطيل ثواب العمل وإفراده منه .
36-" إنما الحياة الدنيا لعب ولهو " لا ثبات لها " وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم " ثواب إيمانكم وتقواكم " ولا يسألكم أموالكم " جميع أموالكم بل يقتصر على جزء يسير كربع العشر والعشر .
37-" إن يسألكموها فيحفكم " فيجهدكم بطلب الكل والإخفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية يقال : أحفى شاربه إذ استأصله " تبخلوا " فلا تعطوا " ويخرج أضغانكم " يضغنكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والضمير في يخرج لله تعالى ،ويؤيده القراءة بالنون أو البخل لأنه سبب الإضغان ، وقرئ وتخرج بالتاء والياء ورفع " أضغانكم " .
38-" ها أنتم هؤلاء " أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون وقوله : " تدعون لتنفقوا في سبيل الله " استئناف مقرر لذلك ، أو صلة لـ" هؤلاء " على أنه بمعنى الذين وهو يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما . " فمنكم من يبخل " ناس يبخلون وهو كالدليل على الآية المتقدمة . " ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه " فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه ، والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدي فإنه إمساك عن مستحق . " والله الغني وأنتم الفقراء " فما يأمركم به فهو لاحتياجكم إليه فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم . " وإن تتولوا " عطف على " إن تؤمنوا " . " يستبدل قوماً غيركم " يقم مقامكم قوماً آخرين . " ثم لا يكونوا أمثالكم " في التولي والزهد في الإيمان ، وهم الفرس لأنه" سئل عليه الصلاة والسلام عنه وكان سلمان إلى جنبه فضرب فخذه وقال : هذا وقومه " . أو الأنصار أو اليمن أو الملائكة . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة محمد كان حقاً على الله أن يسقيه من أنهار الجنة " .