islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير البيضاوى
17288

12-يوسف

الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

مكية وآيها مائة وإحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم 1."الر تلك آيات الكتاب المبين""تلك"إشارة إلى آيات السورة وهي المراد بـ"الكتاب"أي تلك الآيات آيات السورة الظاهرة أمرها في الإعجاز أو الواضحة معانيها، أو المبينة لمن تدبرها أنها من عند الله ، أو لليهود ما سألوا إذ روي أن علماءهم قالوا لكبراء المشركين سلوا محمداً لم أنتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام فنزلت.

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

2."إنا أنزلناه"أي الكتاب ."قرآناً عربياً"سمى البعض "قرآناً"لأنه في الأصل اسم حمس يقع على الكل والبعض وصار علماً للكل بالغلبة، ونصبه على الحال وهو في نفسه إما توطئة للحال التي هي"عربياً"أو حال لأنه مصدر بمعنى مفعول ، و"عربياً"صفة له او حال من الضمير فيه أو حال بعد حال وفي كال ذلك خلاف ."لعلكم تعقلون"علة لإنزاله بهذه الصفة أي أنزلناه مجموعاً أو مقروءاً بلغتكم كي تفهموه وتحيطوا بمعانيه، أو تستعملوا في عقولكم فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلا بالإيحاء

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ

3."نحن نقص عليك أحسن القصص"أحسن الاقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب ، أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر فعل بمعنى مفعول كالنقص والسلب، واشتقاقه منقص أثره إذا تبعه "بما أوحينا إليك"أي بإيحائنا."هذا القرآن "يعني السورة ، ويجوز أن يجعل هذا مفعول نقص على أن أحسن نصب على المصدر . "وإن كنت من قبله لمن الغافلين" عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط،وهو تعليل لكونه موحى وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة.

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ

4."إذ قال يوسف"بدل من "أحسن القصص"إن جعل مفعولاً بدل الاشتمال، أو منصوب بإضمار اذكر و"يوسف"عبري ولو كان عربياً لصرف , وقرئ بفتح السين وكسرها على التلعب به لا على أنه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من آسف لأن المشهورة شهدت بعجمته، "لأبيه"يعقوب ين إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام "وعنه عليه الصلاة والسلام الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.""يا أبت"أصله يا أبي فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما في الزيادة ولذلك قلبها هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وكسرها لأنها عوض حرف يناسبها، وفتحها ابن عامر في كل القرآن لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف وبقي الفتحة ، وإنما جاز يا أبتا ولم يجز يا أبتي لأنه جمع بين العوض والمعوض . وقرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض ، وإنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب ."إني رأيت "من الرؤيا لا من الرؤية لقوله : "لا تقصص رؤياك"ولقوله: "هذا تأويل رؤياي من قبل""أحد عشر كوكباً والشمس والقمر"روي عن جابر رضي الله تعالى عنه "أن يهودياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف، فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال إذا أخبرتك هل تسلم قال نعم ،قال جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها""رأيتهم لي ساجدين"استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير وإنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم.

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ

5."قال يا بني"تصغير ابن صغره للشفقة أو لصغر السن لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة .وقرأ حفصهنا وفي الصافات بفتح الياء "لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً" فيحتالوا لإهلاكك حيلة ، فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن الله يصطفيه لرسالته ويفوقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم وبغيهم والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم ، فرق بينهما بحرفي التأنيث كالقربة والقربى وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك ، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ ، فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة ، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه، وإنما عدي كاد باللام وهو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به تأكيداً ولذلك أكد بالمصدر وعلله بقوله : "إن الشيطان للإنسان عدو مبين" ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء فلا يألو جهداً في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد.

وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

6."وكذلك"أي وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس . "يجتبيك ربك"للنبوة والملك أو لأمور عظام ، والاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك."ويعلمك "كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك."من تأويل الأحاديث"من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة ، وأحاديث النفس أن الشيطان إن كانت كاذبة،. أو من تأويل غوامض كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء ،وهو اسم جمع الحديث كأباطيل اسم جمع للباطل . "ويتم نعمته عليك"بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة ."وعلى آل يعقوب"يريد به سائر بنيه ، ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله."كما أتمها على أبويك"بالرسالة وقيل على إبراهيم بالخلة و الإنجاء من النار وعلى إسحاق بإنقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم ." من قبل"أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت."إبراهيم وإسحاق" عطف بيان لأبويك."إن ربك عليم" بمن يستحق الاجتباء. "حكيم" يفعل الأشياء على ما ينبغي .

لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ

7."لقد كان في يوسف و إخوته"أي في قصتهم."آيات"دلائل قدرة الله تعالى وحكمته، أو علامات نبوتك وقرأابن كثيرآية ."للسائلين"لمن سأل عن قصتهم ، والمراد بإخوته بنو علاته العشرة وهم : يهوذا و روبيل وشمعون و لاوي وزبالون و يشخر ودينة من بنت خالته ليا تزوجها يعقوب أولاً فلما توفيت تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف.وقيل جمع بينهما ولم يكن الجمع محرماً حينئذ وأربعة آخرون : دان ونفتالي وجاد وآشر من سريتين زلفة وبلهة .

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

8."إذ قالوا ليوسف وأخوه"بنيامين وتخصيصه بالإضافة لاختصاصه بالاخوة من الطرفين . "أحب إلى أبينا منا"وحده لن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه، ولمذكر وما يقابله بخلاف أخويه فإن الفرق واجب في المحلى جائز في المضاف ، "ونحن عصبة" والحال أنا جماعة أقوياء أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما، والعصبة والعصابة العشرة فصاعداً سمواً بذلك لأن الأمور تعصب بهم ."إن أبانا لفي ضلال مبين"لتفضيله المفضول أو لترك التعديل في المحبة . روي أنه كان أحب إليه لما يصبر عنه ،فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له.

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ

9."اقتلوا يوسف"من جملة المحكي بعد قوله إذ قالوا كأنهم اتفقوا على ذلك الأمر إلا من قال لا تقتلوا يوسف.وقيل إنما قاله شمعون أو دان ورضي به الآخرون."أو اطرحوه أرضاً"منكورة بعيدة من العمران ، وهو معنى تنكيرها وإبهامها ولذلك نصبت كالظرف المبهمة."يخل لكم وجه أبيكم"جواب الأمر . والمعنى يصف لكم وجه أبيكم فيقبل بكليته عليكم ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا ينازعكم في محبته أحد ."وتكونوا"جزم بالعطف على"يخل" أو نصب بإضمار أن ."من بعده"من بعد يوسف أو الفراغ من أمره أو قتله أو طرحه ."قوماً صالحين"تائبين إلى الله تعالى عما جنيتم أو صالحين مع أبيكم بصلح ما بينكم وبينه بعذر تمهدونه ، أو صالحين في أمر دنياكم فإنه ينتظم لكم بعده بخلو وجه أبيكم.

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ

10."قال قائل منهم"يعني يهوذا وكان أحسنهم فيه رأياً.وقيل روبيل ."لا تقتلوا يوسف"فإن القتل عظيم ."وألقوه في غيابة الجب"فيقعره ، سمي بها لغيبويته عن أعين الناظرين. وقرأ نافع في غيابات في الموضعين على الجمع كأن لتلك الجب غيابات. وقرئ غيبة وغيابات بالتشديد. "يلتقطه"يأخذه ."بعض السيارة"بعض الذين يسيرون في الأرض . "إن كنتم فاعلين" بمشورتي أو إن كنتم على أن تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه.

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ

11." قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف "لم تخافنا عليه ."وإنا له لناصحون"ونحن نشفق عليه ونريد له الخير ، أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم ، والمشهور"تأمنا"بالإدغام بإشمام .وعن نافعبترك الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام لأنهما من كلمتين وتيمناً بكسر التاء.

أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

12."أرسله معنا غداً" إلى الصحراء."يرتع"نتسع في أكل الفواكه ونحوها من الرتعة وهي الخصب . "ويلعب"بالاستباق والانتضال.وقرأ ابن كثير نرتع بكسر العين على أنه من ارتعى يرتعي ونافع بالكسر والياء فيه وفي "يلعب " وقرأالكوفيون ويعقوب بالياء والسكون على إسناد الفعل إلى يوسف . وقرئ "يرتع"من أرتع ماشيته و"يرتع"بكسر العين و"يلعب"بالرفع على الابتداء ."وإنا له لحافظون"من أن يناله مكروه.

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ

13."قال إني ليحزنني أن تذهبوا به "لشدة مفارقته علي وقلة صبري عنه. "وأخاف أن يأكله الذئب"لأن الأرض كانت مذأبة .وقيل رأى في المنام أن الذئب قد شد على يوسف وكان يحذره عليه ، وقد همزها على الأصل ابن كثير ونافع في رواية قالون، وفي رواية اليزيدي وأبو عمرو وقفاً وعاصم وابن عامر وحمزة درجاً واشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة . "وأنتم عنه غافلون" لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه.

قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ

14."قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة" اللام موطئة للقسم وجوابه : "إنا إذاً لخاسرون" ضعفاء مغبونون، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار والواو في "ونحن عصبة"للحال.

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

15." فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب " وعزموا على إلقاءه فيها، والبئر بئر بيت المقدس أو بئر بأرض الأردن أو بين مصر ومدين، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب وجواب لما محذوف مثل فعلوا به ما فعلوا من الأذى . فقد روي أنهم لما بروزا به إلى الصحراء أخذوا يؤذونه ويضربونه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويستغيث فقال يهوذا : أما عاهدتموني أن لا تقتلونه فأتوا به إلى البئر ، فدلوه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به على أبيهم ، فقال : يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به فقالوا : ادع الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك فلما ، بلغ نصفها ألقوه وكان فيها ماء فسقط فيه ، ثم آوى إلى صخرة كانت فيها فقام عليها يبكي فجاءه جبريل بالوحي كما قال :"وأوحينا إليه"وكان ابن سبع عشرة سنة . وقيل كان مراهقاً أوحي إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهم الصلاة والسلام . وفي القصص: أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه ، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله في تميمة علقها بيوسف فأخرجه جبريل عليه السلام وألبسه إياه" لتنبئنهم بأمرهم هذا "لتحدثنهم بما فعلوا بك"وهم لا يشعرون"إنك يوسف لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم وطول العهد المغير للحلى والهيئات ، وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر حين دخلوا عليه ممتاريين "فعرفهم وهم له منكرون"بشره بما يؤول إليه أمره إيناساً له وتطييباً لقلبه . وقيل "وهم لا يشعرون" متصل بـ"أوحينا" أي آنسناه بالوحي وهم لا يشعرون ذلك .

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ

16."و جاؤوا أباهم عشاءً" أي آخر النهار .وقرئ عشياً وهو تصغير عشي وعششي بالضم والقصر جمع أعشى أي عشوا من البكاء . "يبكون"متباكين.روي أنه لمل سمع بكاءهم فزع وقال مالكم يا بني وأين بيوسف.

قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ

17."قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق" نتسابق في العدو أو في الرمي ، وقد يشترك الافتعال والتفاعل كالانتضال و الناضل. "وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا" بمصدق لنا " ولو كنا صادقين" لسوء ظنك بنا وفرط محبتك ليوسف.

وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

18."و جاؤوا على قميصه بدم كذب"أي ذي كذب بمعنى مكذوب فيه ، ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة وقرئ بالنصب على الحال من الواو أي جاؤوا كاذبين و" كدأب "بالدال غير المعجمة أي كدر أو طري . وقيل : أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث فشبه به الدم اللاصق على القميص ، وعلى قميصه في موضع النصب على الظرف أي فوق قميصه أو على الحال من الدم إن جوز تقديمها على المجرور . روي:أنه لما سمع بخبر يوسف صاح وسأل عن قميصه فأخذه وألقاه على وجه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال : ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه. ولذلك " قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً" أي سهلت لكم أنفسكم وهونت في أعينكم أمراً عظيماً من السول وهو الاسترخاء"فصبر جميل"أي فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل ، وفي الحديث "الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق""والله المستعان على ما تصفون"على احتمال ما تصفونه من إهلاك يوسف وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم إن صح.

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ

19."وجاءت سيارة"رفقة يسيرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريباً منت الجب وكان ذلك بعد ثلاث من إلقاءه فيه ."فأرسلوا واردهم"الذي يرد الماء ويستقي لهم وكان مالك بن ذعر الخزاعي "فأدلى دلوه"فأرسلها في الجب ليملأها فتدلى بها يوسف فلما رآه . "قال يا بشرى هذا غلام"نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه كأنه قال تعال فهذا أوانك . وقيل هو اسم لصاحب له ناداه ليعينه على إخراجه . وقرأ غير الكوفيين يا بشراي بالإضافة ، وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي وقرأ ورش بين اللفظين وقرئ "يا بشرى " بالإدغام وهو لغة بشراي بالسكون على قصد الوقف . "وأسروه" أي الوارد وأصحابه من سائر الرفقة. وقيل أخفوا أمره وقالوا لهم دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر . وقيل الضمير لإخوة يوسف وذلك أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر اخوته فأتوا الرفقة وقالوا: هذا غلامنا أبق منا فاشتروه، فسكت يوسف مخافة أن يقتلوه."بضاعةً"نصب على الحال أي أخفوه متاعاً للتجارة ، واشتقاقه من البضع فإنه ما بضع من المال للتجارة . " والله عليم بما يعملون " لم يخف عليه أسرارهم أو صنيع إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم.

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ

20."و شروه"وباعوه ، وفي مرجع الضمير الوجهان أو اشتروه من اخوته ."بثمن بخس" مبخوس لزيفه أو نقصانه. "دراهم"بدل من الثمن . " معدودةً"قليلة فإنهم يزنون بلغ الأوقية ويعدون ما دونها . قيل كان عشرين درهماً وقيل كان اثنين وعشريين درهماً."وكانوا فيه " في يوسف"من الزاهدين"الراغبين عنه والضمير في"وكانوا "إن كان للإخوة فظاهر وإن كان للرفقة وكانوا بائعين فزهدهم فيه ، لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه مستعجل في بيعه ، وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق وفيه متعلق بالزاهدين إن جعل اللام للتعريف ، وإن جعل بمعنى الذي فهو متعلق بمحذوف بينه الزاهدين لأن متعلق الصلة لا يتقدم على الموصول.

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أ

21."وقال الذي اشتراه من مصر"وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو إطفير ، وكان الملك يومئذ ريان بن الوليد العمليقيي وقد آمن بيوسف عليه السلام ومات في حياته . وقيل كان فرعون موسى عاش أربعمائة سنة بدليل قوله تعالى: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات".والمشهور أنه اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ولبث في منزله ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثيين سنة وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة . واختلف فيما اشتراه به من جعل شراءه به غير الأول فقيل عشرون ديناراً وزوجا نعل وثوبان أبيضان .وقيل ملؤه فضة وقيل ذهباً "لامرأته"راعيل أو زليخا. "أكرمي مثواه" اجعلي مقامه عندنا كريماً أي حسناً والمعنى أحسني تعهده ."عسى أن ينفعنا" في ضياعنا وأموالنا ونستظهر به في مصالحنا."أو نتخذه ولداً"نتبناه وكان عقيماً لما تفرس فيه من الرشد ، ولذلك قيل : أفرس الناس ثلاثة عزيز مصر، وابنة شعيب التي قالت "يا أبت استأجره" ، وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله تعالى عنهما ."وكذلك مكنا ليوسف في الأرض "وكما مكنا محبته في قلب العزيز أو كما مكناه في منزله أو كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز مكنا له فيها "ولنعلمه من تأويل الأحاديث" عطف على مضمر تقديره ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه أي كان القصد في إنجائه وتمكينه إلى أن يقيم العدل ويدبر أمور الناس، ويعلم معاني كتب الله تعالى وأحكام فينفذها، أو تعبير المنامات المنبهة على الحوادث الكائنة ليستعد لها ويشتغل بتدبيرها قبل أن تحل كما فعل لسنيه. "والله غالب على أمره" لا يرده شيء ولا ينازعه فما يشاء أو على أمر يوسف إن أراد به إخوته شيئاً وأراد الله غيره فلم يمكن إلا ما أراده ."ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أن الأمر كله بيده ، أو لطائف صنعه وخفايا لطفه.

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

22."ولما بلغ أشده"منتهى اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين والأربعين ،وقيل سن الشباب ومبدؤه بلوغ الحلم . "آتيناه حكماً" حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل ، أو حكما بين الناس."وعلماً"يعني علم تأويل الأحاديث ."وكذلك نجزي المحسنين"تنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ذلك جزاء على إحسانه في عمله وإتقانه في عنفوان أمره.

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

23."وراودته التي هو في بيتها عن نفسه" طلبت منه وتمحلت أن يواقعها ، من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد ."وغلقت الأبواب"قيل كانت سبعة التشديد للتكثير أو للمبالغة في الإيثاق."وقالت هيت لك"أي أقبل وبادر ، أو تهيأت والكلمة على الوجهين اسم فعل بني على الفتح كأين وللام للتبيين كالتي فيسقيا لك .وقرأابن كثير بالضم وفتح الهاء تشبيهاً له بحيث ،ونافع وابن عامربالفتح وكسر الهاء كعيط. وقرأهشام كذلك إلا أنه تهمز . وقد روي عنه ضم التاء وهو لغة فيه . وقرئ "هيت"كجير وهئت كجئت من هاء يهيئ إذا تهيأ وقرئ هيئت وعلى هذا فاللام من صلته. "قال معاذ الله "أعوذ بالله معاذاً"إنه"إن الشأن ."ربي أحسن مثواي" سيدي قطفير أحسن تعهدي إذ قال لك في "أكرمي مثواه"فما جزاؤه أن أخونه في أهله.وقيل الضمير لله تعالى أي إنه خالقي أحسن منزلتي بأن عطف على قلبه فلا أعصيه. "إنه لا يفلح الظالمون"المجازون الحسن بالسيء .وقيل الزناة فإن الزنا ظلم على الزاني والمزني بأهله.

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

24."ولقد همت به وهم بها"وقصدت مخالطته وقصد مخالطتها، والهم بالشيء قصده والعزم عليه ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بالشيء أمضاه ، والمراد بهمه عليه الصلاة والسلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الاختياري ، وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم ، أو مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله "لولا أن رأى برهان ربه" في قبح الزنا وسوء مغبته لخالطها لشبق الغلمة وكثرة المغالبة ، ولا يجوز أن يجعل "وهم بها"جواب "لولا"فإنها في حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها جوابها، بل الجواب محذوف بدل عليه . وقيل رأى جبريل عليه الصلاة والسلام . وقيل تمثل له يعقوب عاضاً على أنامله . وقيل قطفير .وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعلم عمل السفهاء . "كذلك " أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه ، أو الأمر مثل ذلك "لنصرف عنه السوء"خيانة السيد."والفحشاء"الزنا."إنه من عبادنا المخلصين"الذي أخلصهم الله لطاعته . وقرأابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالكسر في كل القرآن إذ كان في أوله الألف وللام أي الذين أخلصوا دينهم لله.

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

25."واستبقا الباب"أي تسابقا إلى الباب ، فحذف الجار أو ضمن الفعل معنى الابتدار.وذلك أن يوسف فر منها ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج. "وقدت قميصه من دبر"اجتذبته من ورائه فانقد قميصه والقد الشق طولاً والقط الشق عرضاً ."وألفيا سيدها "وصادفا زوجها " لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم "إيهاماً بأنها فرت منه تبرئة لساحتها عند زوجها وتغييره على يوسف وإغراءه به انتقاماً منه ، و"ما"نافية أو استفهامية بمعنى أي شيء جزاءه إلا السجن.

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

26."قال هي راودتني عن نفسي "طالبتني بالمؤاتاة ،وإنما قال ذلك دفعاً لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم ، ولو لم تكذب عليه لما قاله ."وشهد شاهد من أهلها"قيل ابن عم لها .وقيل ابن خال لها صبياً في المهد.وعن النبي صلى الله عليه وسلم "تكلم أربعة صغاراً ابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام " إنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها ."إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين"لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قدامه بالدفع عن نفسها، أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه.

وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ

27."وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" لأنه يدل على أنها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدته.والشرطية محكية على إرادة القول أو على أن فعل الشهادة من القول، وتسميتها شهادة لأنها أدت مؤداها والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم أنه كان ونحوه ونظيره قولك: إن حسنت إلى اليوم فقد أحسنت إليك من قبل ، فإن معناه أن تمنن علي بإحسانك أمنن عليك بإحساني لك السابق .وقرئ "من قبل"" من دبر "بالضم لأنهما قطعا عن الإضافة كقبل وبعد ، والفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرف وبسكون العين.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ

28."فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه"إن قولك "ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً" أو إن السوء أو إن هذا الأمر ."من كيدكن"من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء."إن كيدكن عظيم"فإن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيراً في النفس ولأنهن يواجهن به الرجال والشيطان يوسوس به مسارقة.

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ

29."يوسف"حذف منه حرف النداء لقربه وتفطنه للحديث ."أعرض عن هذا "أكتمه ولا تذكره"واستغفري لذنبك"يا راعيل ."إنك كنت من الخاطئين"من القوم المذنبين من خطئ إذا أذنب متعمداً والتذكير للتغليب.

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

30."وقال نسوة"هي اسم لجمع امرأة وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقي ولذلك جرد فعله وضم النون لغة فيها. "في المدينة"ظرف لقال أي أشعن الحكاية في مصر ، أو صفة نسوة وكن خمساً زوجة الحاجب والساقي والخباز والسجان وصاحب الدواب."امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه"تطلب مواقعة غلامها إياها .و"العزيز"بلسان العرب الملك وأصل فتى فتي لقولهم فتيان والفتوة شاذة . "قد شغفها حباً"شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حباً ، ونصبه على التمييز لصرف الفعل عنه . وقرئ شعفها من شعف البعير إذا هنأه بالقطران فأحرقه "إنا لنراها في ضلال مبين" في ضلال عن الرشد وبعد عن الصواب.

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَ

31."فلما سمعت بمكرهن"باغتيابهن، وإنما سماه مكرا.ً لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره، أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتن سرها فأفشينه عليها ."أرسلت إليهن"تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات. " وأعتدت لهن متكئا "ما يتكئن عليه من الوسائد."وآتت كل واحدة منهن سكيناً" حتى يتكئن والسكاكين بأيديهن فإذا خرج عليهم يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة ، أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في أيديهن الخناجر . وقيل متكأ طعاماً أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفاً ولذلك نهى عنه . قال جميل: فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله وقيل المتكأ طعام يحز حزاً كأن القاطع يتكئ عليه بالسكين. وقرئ متكا بحذف الهمزة ومتكاء بإشباع الفتحة كمنتزاح ومتكا وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و " متكئا "من تكئ يتكأ إذا اتكأ . "وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه"عظمنه وهبن حسنه الفائق . وعن النبي صلى الله عليه وسلم"رأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر."وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران .وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض، ولهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي: خف الله واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العواتق "وقطعن أيديهن"جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة . "وقلن حاش لله "تنزيهاً له من صفات العجز وتعجباً من قدرته على خلق مثله ، وأصله حاشا كما قرأ أبو عمروفي الدرج فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفاً وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما في قولك سقياً لك وقرئ حاش الله بغير لام بمعنى براءة لله وحاشا لله بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر وقيل حاشا فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية لله مما يتوهم فيه"ما هذا بشراً" لأن هذا الجمال غير معهود لبشر وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها في نفي الحال وقرئ بشر بالرفع على لغة تميم وبشرى أي بعبد مشترى لئيم "إن هذا إلا ملك كريم" فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة ،أو لن جماله فوق جمال البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك.

قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ

32."قالت فذلكن الذي لمتنني فيه"أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الافتنان به قبل أن تتصورنه حق تصوره ، ولو تصورتنه بما عاينتن لعذرتنني أو فهذا هو الذي لمتنني فيه فوضع ذلك موقع هذا رفعاً لمنزلة المشار إليه ، "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم"فامتنع طلباً للعصمة ، أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها كي يعاونها على إلانة عريكته. " ولئن لم يفعل ما آمره" أي ما آمره به ،فحذف الجار أو أمري إياه بمعنى موجب أمري فيكون الضمير ليوسف . "ليسجنن وليكونا من الصاغرين"من الأذلاء وهو من صغر بالكسر يصغر صغراً وصغاراً والصغير من صغر الضم صغراً . وقرئ ليكونن وهو يخالف خط المصحف لأن النون كتبت فيه بالألف كـ" نسفعا " على حكم الوقف وذلك في الخفيفة لشبهها بالتنوين.

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ

33."قال رب السجن"وقرأ يعقوببالفتح على المصدر ."أحب إلي مما يدعونني إليه"أي آثر عندي من مؤاتاتها زناً نظراً إلى العاقبة وإن كان هذا مما تشتهيه النفس وذلك مما تكرهه، وإسناد الدعوة إليهن جميعاً لأنهن خوفنه من مخالفتها وزين له مطاوعتها.أو دعونه إلى أنفسهن ، وقيل إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا وإنما كان الأولى به أن يسأل الله العافية ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسأل الصبر ."وإلا تصرف عني "وإن لم تصرف عني "كيدهن"في تحبيب ذلك إلى وتحسيه عندي بالتثبيت على العصمة. "أصب إليهن"أمل إلى جانبهن أو إلى أنفسهن بطبعي ومقتضى شهوتي ، ولصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لن النفوس تستطبيها وتميل إليها . وقرئ"أصب" من الصبابة وهي الشوق "وأكن من الجاهلين" من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه فإن الحكيم لا يفعل القبيح، أو من الذين لا يعملون بما يعلمون فإنهم و الجهال سواء.

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

34."فاستجاب له ربه "فأجاب الله دعاءه الذي تضمنه قوله:"وإلا تصرف" "فصرف عنه كيدهن"فثبته بالعصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللذة المتضمنة للعصيان. "إنه هو السميع"لدعاء الملتجئين إله"العليم" بأحوالهم وما يصلحهم.

ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ

35."ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات" ثم ظهر للعزيز وأهله من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي وقد القميص وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن وفاعل "بدا" مضمر يفسره ."ليسجننه حتى حين" وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه زماناً حتى تبصر ما يكون منه ، أو يحسب الناس أنه المجرم فلبث في السجن سبع سنين . وقرئ بالتاء على أن بعضهم خاطب به العزيز على التعظيم أو العزيز ومن يليه ،وعتى بلغة هذيل.

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

36."دخل معه السجن فتيان" أي أدخل يوسف السجن واتفق أ،ه أدخل حينئذ آخران من عبيد الملك شرابيه وخبازه للاتهام بأنهما يريدان أن يسماه."قال أحدهما" يعني الشرابي ."إني أراني "أي في المنام وهي حكاية حال ماضية . " أعصر خمراً" أي عنباً وسماه خمراً باعتبار ما يؤول إليه ."وقال الآخر " أي الخباز ."إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه" تنهش منه ، "نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين" من الذين يحسنون تأويل الرؤيا، أو من العالمين وإنما قال ذلك لأنهما رأياه في السجن يذكر الناس ويعبر رؤياهم ، أو من المحسنين إلى أهل السجن فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه..

قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

37." قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله " أي بتأويل ما قصصتما علي ، أو بتأويل الطعام يعني بيان ماهيته وكيفيته فإنه يشبه تفسير المشكل ، كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه كما هو طريق الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد ،فقدم ما يكون معجزة له من الإخبار بالغيب ليدلههما على صدقه في الدعوة والتعبير ، "قبل أن يأتيكما ذلكما " أي ذلك التأويل . "مما علمني ربي" بالإلهام والوحي وليس من قبيل التكهن أو التنجيم ."إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون" تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك .

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ

38."واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب" أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنه من بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه ، ولذلك جوز للخامل أن يصف نفس حتى يعرف فيقتبس منه ، وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالآخرة ."ما كان لنا"ما صح لنا معشر الأنبياء ."أن نشرك بالله من شيء" أي شيء كان ."ذلك "أي التوحيد ."من فضل الله علينا " بالوحي ."وعلى الناس " وعلى سائر الناس يبعثنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه."ولكن أكثر الناس" المبعوث إليهم ." لا يشكرون" هذا الفضل فيعرضون عنه ولا يتنبهون ، أو من فضل الله علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها فيلغونها كمن كفر النعمة ولا يشكرها.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ

39."يا صاحبي السجن" أي يا ساكنيه ، أو يا صاحبي فيه فأضافهما إليه على الاتساع كقوله:يا سارق الليلة أهل الدار "أأرباب متفرقون"شتى متعددة متساوية الأقدام ."خير أم الله الواحد" المتوحد بالألوهية ."القهار"الغالب الذي لا يعادله ولا يقاومه غيره.

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَ

40."ما تعبدون من دونه" خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر . "إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان"أي إلا أشياء باعتبار أسام أطلقتم عليها من غير حجة تدل على تحقق مسمياتها فيها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة. والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة ، ثم أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها." إن الحكم" ما الحكم في أمر العبادة."إلا لله" لأنه المستحق لها بالذات من حيث إنه الواجب لذاته الموجد للكل والمالك لأمره."أمر"على لسان أنبيائه ." أن لا تعبدوا إلا إياه " الذي دلت عليه الحجج ."ذلك الدين القيم " الحق وأنتم لا تميزون المعوج عن القويم،وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة،تبين لهم أولاً رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة ، ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة و يعبدونها لا تستحق الالهية فإن استحقاق العبادة إما بالذات وإما بالغير وكلا القسمين منتف عنه ، ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دونه." ولكن أكثر الناس لا يعلمون " فيخبطون في جهالاتهم .

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ

41."يا صاحبي السجن أما أحدكما" يعني الشرابي . "فيسقي ربه خمراً" كما كان يسقيه قبل ويعود إلى ما كان عليه ."وأما الآخر " يريد به الخباز ."فيصلب فتأكل الطير من رأسه"فقالا كذبنا فقال " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " أي قطع الأمر الذي تستفتيان فيه ،وهو ما يؤول إليه أمركما ولذلك وحده ، فإنهما وإن استفتيا في أمرين لكنهما أرادا استبانه عاقبة ما نزل بهما.

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ

42."وقال للذي ظن أنه ناج منهما" الظان يوسف إن ذكر ذلك عن اجتهاد وإن ذكره عن وحي فهو الناجي إلا أن يؤول الظن باليقين. " اذكرني عند ربك" اذكر حالي عند الملك كي يخلصني. "فأنساه الشيطان ذكر ربه"فأنسى الشرابي أن يذكره لربه ، فأضاف إليه المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار ربه ، أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام "رحم الله أخي يوسف لو لم يقل " اذكرني عند ربك" لما لبث في السجن سبعاً بعد الخمس".والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء ."فلبث في السجن بضع سنين" البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع.

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ

43."وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف"لما دنا فرجه رأى الملك سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات مهازيل فابتلعت المهازيل السمان."وسبع سنبلات خضر"قد انعقد حبها ."وأخر يابسات" وسبعاً أخر يابسات قد أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبت عليها، وإنما استغنى عن بيان حالها بما قص من حال البقرات، وأجرى السمان على المميز دون المميز لأن التمييز بها ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التمييز بها مجرداً عن الموصوف فإنه لبيان الجنس ، وقياسه عجف لأنه جمع عجفاء لكنه حمل على" سمان"لأنه نقيضه . ."يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي" عبروها ."إن كنتم للرؤيا تعبرون" إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا وهي الانتقال من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها من العبور وهي المجاوزة ،وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها تعبيراً واللام للبيان أو لتقوية العامل فإن الفعل لما أخر عن مفعوله ضعف فقوي باللام كاسم الفاعل ، أو لتضمن " تعبرون"معنى فعل يعدى باللام كأنه قيل :إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا.

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ

44."قالوا أضغاث أحلام" أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها جمع ضغث وأصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة ، وإنما جمعوا للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان كقولهم : فلان يركب الخيل ، أو لتضمنه أشياء مختلفة . "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصة أي ليس لها تأويل عندنا ،وإنما التأويل للمنامات الصادقة فهو كأنه مقدمة ثانية للعذر فيجهلهم بتأويله.

وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ

45."وقال الذي نجا منهما" من صاحبي السجن وهو الشرابي."وادكر بعد أمة" وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أي مدة طويلة .وقرئ إمة بكسر الهمزة وهي النعمة أي بعدما أنعم عليه بالنجاة ، وأمه أي نسيان يقال أمه يأمه أمها إذا نسي ، والجملة اعتراض ومقول القول :" أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون" أي إلى من عنده علمه أو إلى السجن.

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ

46."يوسف أيها الصديق"أي فأرسل إلى يوسف فجاءه فقال يا يوسف، وإنما وصفه بالصديق وهو المبالغ في الصدق لأنه جرب أحواله وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ،" أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات " أي في رؤيا ذلك ."لعلي أرجع إلى الناس " أعود إلى الملك ومن عنده، أو إلى أهل البلد إذ قيل إن السجن لم يكن فيه."لعلهم يعلمون"تأويلها أو فضلك ومكانك، وإنما لم يبت الكلام فيهما لأنه لم يكن جازماً بالرجوع فربما اخترم دونه ولا يعلمهم.

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ

47."قال تزرعون سبع سنين دأباً"أي على عادتكم المستمرة وانتصابه على الحال بمعنى دائبين ، أو المصدر بإضمار فعله أي تدأبون دأباً وتكون الجملة حالاً.وقرأحفص"دأباً"بفتح الهمزة وكلاهما مصدر دأب في العمل . وقيل "تزرعون"أمر أخرجه في صورة الخبر مبالغة لقوله:"فما حصدتم فذروه في سنبله"لئلا يأكله السوس،وهو على الأول نصيحة خارجة عن العبارة ."إلا قليلاً مما تأكلون"في تلك السنين.

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ

48." ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن "أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فأسند إليهن على المجاز تطبيقاً بين المعبر والمعبر به."إلا قليلاً مما تحصنون"تحرزون لبذور الزراعة.

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ

49."ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس"يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث."وفيه يعصرون" ما يعصر كالعنب والزيتون لكثرة الثمار .وقيل يحلبون الضروع .وقرأحمزة والكسائي بالتاء على تغليب المستفتي، وقرئ على بناء المفعول من عصره 1ذا أنجاه ويحتمل أن يكون المبني للفاعل منه أي يغيثهم الله ويغيث بعضهم بعضاً ، أو من أعصرت السحابة عليهم فعدي بنزع الخافض أو بتضمينه معنى المطر .وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف السنين المجدبة ، ولعله علم ذلك بالوحي أو بأن انتهاء الجدب والخصب، أو بأن السنة الإلهية على أن يوسع على عباده بعدما ضيق عليهم:

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ

50. :"وقال الملك ائتوني به"بعد ما جاءه الرسول بالتعبير "فلما جاءه الرسول" ليخرجه " قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن " إنما تأنى في الخروج وقدم سؤال النسوة وفحص حالهن لتظهر براءة ساحته ويعلم أنه سجن ظلماً فلا يقدر الحاسد أن يتوسل به إلى تقبيح أمرره ، وفيه دليل على أنه ينبغي أن يجتهد في نفي التهم ويتقي مواقعها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة"وإنما قال فاسأله ما بال النسوة ولم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن تهييجاً له على البحث وتحقيق الحال ، وإنما لم يتعرض لسيدته مع ما صنعت به كرماً ومراعاة للأدب وقرئ"النسوة"بضم النون ."إن ربي بكيدهن عليم"حين قلن لي أطع مولاتك ،وفيه تعظيم كيدهن والاستشهاد بعلم الله عليه وعلى أنه بريء مما قذف به والوعيد لهن على كيدهن.

قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

51."قال ما خطبكن"قال الملك لهن ما شأنكن والخطب أر يحق أن يخاطب فيه صاحبه" إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله " تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله ."ما علمنا عليه من سوء"من ذنب."قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق"ثبت واستقر من حصحص البعير إذا ألقى مباركه ليناخ قال:فحصحص في صم الصفا ثفناته وناء بسلمى نوأة ثم صمماأو ظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه . وقرئ على البناء للمفعول ."أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين" في قوله: "هي راودتني عن نفسي"

ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ

52."ذلك ليعلم" قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن أي ذلك التثبت ليعلم العزيز."أني لم أخنه بالغيب" بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أو المفعول أي لم أخنه وأنا غائب عنه ، أو وهو غائب عني أو ظرف أي بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة."وأن الله لا يهدي كيد الخائنين"لا ينفذه ولا يسدده ، أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعل على الكيد مبالغة. وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها وتوكيد لأمانته ولذلك عقبه بقوله:

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ

53." وما أبرئ نفسي " أي لا أنزهها تنبيهاً على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله،بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق . وعن ابن عباس أنه لما قال: "ليعلم أني لم أخنه بالغيب"قال له جبريل ولا حين هممت فقال : ذلك . "إن النفس لأمارة بالسوء"من حيث إنها بالطبع مائلة إلى الشهوات فتهم بها، وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كل الأوقات ."إلا ما رحم ربي"إلا وقت رحمة ربي ، أو إلا ما رحمه الله من النفوس فعصمه من ذلك .وقيل الآية حكاية قول راعيل والمستثنى نفس يوسف وأضرابه . وعنابن كثير ونافعبالسو على قلب الهمزة واواً ثم الإدغام."إن ربي غفور رحيم"يغفر هم النفس ويرحم من يشاء بالعصمة أو يغفر للمستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره و استرحمه مما ارتكبه.

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ

54."وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي"أجعله خالصاً لنفسي." فلما كلمه "أي فلما أتوا به فكلمه وشاهد منه الرشد والدهاء."قال إنك اليوم لدينا مكين" ذو مكانة ومنزلة "أمين"مؤتمن على كل شيء.روي أنه لما خرج من السجن اغتسل وتنظف ولبس ثياباً جدداً، فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شرره، ثم سلم عليه ودعا له بالعبرية فقال الملك : ما هذا اللسان قال:لسان آبائي ،وكان الملك يعرف سبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال : أحب أن أسمع رؤياي منك ، فحكاها ونعت له البقرات والسنابل وأماكنها على ما رآها فأجلسه على السرير وفوض إليه أمره .وقيل توفي قطفير في تلك الليالي فنصبه منصبه وزوج منه راعيل فوجدها عذراء وولد له منها أفرائيم وميشا.

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

55."قال اجعلني على خزائن الأرض"ولني أمرها والأرض أرض مصر ،"إني حفيظ"لها ممن لا يستحقها ."عليم"بوجوه التصرف فيه ،ولعله عليه السلام لما رأى أنه يستعمله في أمره لا محالة آثر ما تعم فوائده تجل عوائده ، وفيه دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لهها والتولي من يد الكافر إذا علم أنهه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به . وعن مجاهد أن الملك أسلم على يده.

وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

56."وكذلك مكنا ليوسف في الأرض" في أرض مصر . "يتبوأ منها حيث يشاء"ينزل من بلادها حيث يهوى وقرأابن كثير نشاء بالنون "نصيب برحمتنا من نشاء"في الدنيا والآخرة ز"ولا نضيع أجر المحسنين" بل نوفي أجورهم عاجلا وآجلا.

وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ

57." ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون " الشرك والفواحش لعظمه ودوامه.

وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ

58."وجاء إخوة يوسف"روي : أنه لما استوزره الملك أقام العدل واجتهد في تكثير الزراعات وضبط الغلات ، حتى دخلت السنون المجدبة وعم القحط مصر والشام ونواحيهما ، وتوجه إليه الناس فباعها أولاً بالدراهم والدنانير حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلي والجواهر ثم الدواب هم بالضياع والعقار ، ثم برقابهم حتى استرقهم جميعاً ثم عرض الأمر على الملك فقال: الرأي أيك فأعتقهم ورد عليهم أموالهم،وكان فقد أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد فأرسل يعقوب بنيه غير بنيامين إليه للميرة ."فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون" أي عرفهم يوسف ولم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ونسيانهم إياه ، وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه وقلة تأملهم في حلاه من التهيب والاستعظام.

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ

59."ولما جهزهم بجهازهم"أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله، والجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة كعدد السفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى زوجها وقرئ بجهازهم بالكسر."قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم"روي : أنهم لما دخلوا عليه فقال : من أنتم وما أمركم لعلكم عيون؟قالوا : معاذ الله إنما نحن بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق نبي من الأنبياء أسمه يعقوب ، قال كم أنتم ؟فقالوا كنا اثني عشر فذهب أحدنا إلى البرية فهلك ، فقال : فمن يشهد لكم . قالوا : لا يعرفنا أحد ها هنا فيشهد لنا فقال: فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم حتى أصدقكم ، فاقترعوا فأصابت شمعون . وقيل كان يوسف يعطي لكل نفر حملاً فسألوه حملاً زائداً لأخ لهم من أبيهم فأعطاهم وشرط عليهم أن يأتوه ليعلم صدقهم . "ألا ترون أني أوفي الكيل " أتمه."وأنا خير المنزلين" للضيف والمضيفين لهم وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم.

فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ

60."فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون"أي ولا تقربوني ولا تدخلوا دياري ، وهو إما نهي أن نفي معطوف على الجزاء .

قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ

61."قالوا سنراود عنه أباه " سنجتهد في طلبه من أبيه . "وإنا لفاعلون" ذلك لا نتوانى فيه.

وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

62."وقال لفتيانه"لغلمانه الكيالين جمع فتى . وقرأ حمزةوالكسائي وحفص لفتيانه على أنه جمع الكثرة ليوافق قوله: "اجعلوا بضاعتهم في رحالهم "فإنه وكل بكل رحل واحداً يعني فيه بضاعتهم التي شروا بها الطعام ، وكانت نعالاً و أدماً وإنما فعل ذلك توسيعاً وتفضلاً عليهم وترفعاً من أن يأخذ ثمن الطعام منهم ،وخوفاً من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به ."لعلهم يعرفونها" لعلهم يعرفون حق ردها . أو لكي يعرفونها ."إذا انقلبوا" انصرفوا ورجعوا."إلى أهلهم " وفتحوا أوعيتهم."لعلهم يرجعون" لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع.

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

63."فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل"حكم بمنعه بعد هذا إن لم نذهب ببنيامين."فأرسل معنا أخانا نكتل"نرفع المانع من الكيل ونكتل ما نحتاج إليه . وقرأ حمزة والكسائيبالياء على إسناده إلى الأخ أي يكتل لنفسه فينضم اكتياله إلى اكتيالنا."وإنا له لحافظون"من أن يناله مكروه.

قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

64."قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل"وقد قلتم في يوسف:"وإنا له لحافظون"."فالله خير حافظاً"فأتوكل عليه وأفوض أمري إليه، وانتصاب حفظاً على التمييز و"حافظاً"على قراءة حمزة والكسائي وحفص يحتمله والحال كقوله:لله دره فارساً"خير حافظ"وخير الحافظين."وهو أرحم الراحمين" فأرجو أن يرحمني بحفظه ولا يجمع على مصيبتين.

وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ

65."ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم"وقرئ"ردت"بنقل كسرة الدال المدغمة إلى الراء نقلها في بيع وقيل ."قالوا يا أبانا ما نبغي "ماذا نطلب هل من مزيد على ذلك أكرمنا وأحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا. أو لا نطلب ذلك إحساناً أو لا نبغي في القول ولا نزيد فيما حكينا لك من إحسانه . وقرئ ما تبغي على الخطاب أي: أي شيء تطلب وراء هذا من الإحسان ،أو من الدليل على صدقنا؟"هذه بضاعتنا ردت إلينا" استئناف موضح لقوله"ما نبغي "."ونمير أهلنا" معطوف على محذوف أي ردت إلينا فنستظهر بها ونمير أهلنا بالرجوع إلى الملك ."ونحفظ أخانا"عن المخاوف في ذهابنا وإيابنا."ونزداد كيل بعير"وسق بعير باستصحاب أخينا، هذا إذا كانت "ما"استفهامية فأما إذا كانت نافية احتمل ذلك واحتمل أن تكون الجمل معطوفة على"ما نبغي"، أي لا نبغي فيما نقول "ونمير أهلنا ونحفظ أخانا" ." ذلك كيل يسير "أي مكيل قليل لا يكفينا، استقلوا ماكيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى كيل بعير أي ذلك شيء قليل لا يضايقنا فيه الملك ولا يتعاظمه ، وقيل إنه من كلام يعقوب ومعناه ، إن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد.

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ

66."قال لن أرسله معكم"إذ رأيت منكم ما رأيت."حتى تؤتون موثقاً من الله"حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله أي عهداً مؤكداً بذكر الله."لتأتنني به"جواب القسم إذ المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتنني به "إلا أن يحاط بكم " إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعاً وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال والتقدير :لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم ، أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به ، في تأويل النفي أي لا تمتنعون من للإتيان به إلا للإحاطة بكم كقولهم: أقسمت بالله إلا فعلت ، أي ما أطلب إلا فعلك." فلما آتوه موثقهم " عهدهم ."قال الله على ما نقول" من طلب الموثق وإتيانه. " وكيل" رقيب مطلع.

وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ

67."وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة" لأنههم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك ، فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا ، ولعله لم يوصهم ذلك في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذ، أو كان الدعي إليها خوفه على بنيامين.وللنفس آثار منها العين والذي بدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في عوذته"اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة"."وما أغني عنكم من الله من شيء "مما قضي عليكم بما أشرت به إليكم فإن الحذر لا يمنع القدر ."إن الحكم إلا لله " يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء ولا ينفعكم ذلك ."عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون" جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة لتقدم الصلة الاختصاص كأن الواو للعطف والفاء لإفادة التسبب، فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدى بهم.

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

68."ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم" أي من أبواب متفرقة في البلد ."ما كان يغني عنهم " رأي يعقوب واتباعهم له"من الله من شيء" مما قضاه عليهم كما قال يعقوب عليه السلام .فسرقوا وأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله وتضاعفت المصيبة على يعقوب."إلا حاجةً في نفس يعقوب"استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفسه، يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا . "قضاها"أظهرها ووصى بها. "وإنه لذو علم لما علمناه"بالوحي ونصب الحجج ، ولذلك قال"وما أغني عنكم من الله من شيء"ولم يغتر بتدبيره."ولكن أكثر الناس لا يعلمون" سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر.

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

69." ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه "ضم إليه بنيامين على الطعام أو في المنزل روي: أنه أضافهم فأجلسهم مثنى مثنى فبقي بنيامين وحيداً فبكى وقال: لو كان يوسف حياً لجلس معي، فأجلسه معه على مائدته ثم قال: لينزل كل اثنين منكم بيتاً وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له:أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ، قال : من يجد أخاً مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و"قال إني أنا أخوك فلا تبتئس " فلا تحزن افتعال من البؤس."بما كانوا يعملون" في حقنا فيما مضى.

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ

70."فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية"المشربة ."في رحل أخيه"قيل كانت مشربة جعلت صاعاً يكال به وقيل :كانت تسقى الدواب بها ويكال بها وكانت من فضة . وقيل من ذهب وقرئ وجعل على حذف جواب فلما تقديره أمهلهم حتى انطلقوا."ثم أذن مؤذن"نادى مناد."أيتها العير إنكم لسارقون" لعله لم يقله بأمر يوسف عليه الصلاة والسلام أو كان تعبية السقاية والنداء عليها برضا بنيامين.وقيل معناه إنكم لسارقون يوسف من أبيه أو أإنكم لسارقون ، والعير القافلة وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تردد،قيل لأصحابها كقوله عليه الصلاة والسلام "يا خيل الله اركبي".وقيل جمع عير وأصله فعل كسقف فعل به ما فعل ببيض تجوز به لقافلة الحمير ، ثم استعير لكل قافلة .

قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ

71."قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون" أي شيء ضاع منكم ، والفقد غيبة الشيء عن الحس بحيث لا يعرف مكانه،وقرئ "تفقدون"من أفقدته إذا وجدته فقيداً.

قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ

72."قالوا نفقد صواع الملك"وقرئ صاع وصوع بالفتح والضم والعين والغين وصواغ من الصياغة ."ولمن جاء به حمل بعير"من الطعام جعلاً له . "وأنا به زعيم" كفيل أؤديه إلى من رده .وفيه دليل على جواز الجعلة ضمان الجعل قبل تمام العمل .

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ

73."قالوا تالله"قسم فيه معنى التعجب ، التاء بدل من الباء مختصة باسم الله تعالى:"لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين" استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم في كرتي مجيئهم ومداخلتهم للملك مما يدل على فرط أمانتهم كرد البضاعة التي دخلت في رحالهم وكعم الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد.

قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ

74."قالوا فما جزاؤه"فما جزاء السارق أو السرق أو الـ"صواع" على حذف المضاف."إن كنتم كاذبين"في ادعاء البراءة .

قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

75."قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه"أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه ،هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام .وقوله"فهو جزاؤه"تقرير للحكم وإلزام له، أو خبر "من" والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها على أنها شرطي . والجملة كما هي خبر "جزاؤه"على إقامة الظاهر فيها مقام الضمير كأنه قيل: جزاؤه من وجد فيرحله فهو هو."كذلك نجزي الظالمين"بالسرقة.

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَ

76."فبدأ بأوعيتهم"فبدأ المؤذن . وقيل يوسف لأنهم ردوا إلى مصر . "قبل وعاء أخيه"بنيامين نفياً للتهمة."ثم استخرجها" أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث."من وعاء أخيه" وقرئ بضم الواو وبقلبها همزة . "كذلك"مثل ذلك الكيد ."كدنا ليوسف"بأن علمناه إياه وأوحينا به إليه."ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك"ملك مصر لأن دينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد ." إلا أن يشاء الله " أن جعل ذلك الحكم حكم الملك، فالاستثناء من أعم الأحوال ويجوز أن يكون منقطعاً أي لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه."نرفع درجات من نشاء"بالعلم كما رفعنا درجته."وفوق كل ذي علم عليم"أرفع درجة منه ، واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته إذ لو كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه.والجواب أن المراد كل ذي علم من الخلق لأن الكلام فيهم ولأن العليم هو الله سبحانه وتعالى ، ومعناه الذي له العلم البالغ لغة ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص.

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ

77."قالوا إن يسرق"بنيامين."فقد سرق أخ له من قبل"يعنون يوسف.قيل ورثت عمته من أبيها منطقة إبراهيم عليه السلام وكانت تحضن يوسف وتحبه ، فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها فشدت المنطقة على وسطه ، ثم أظهرت ضياعها فتفحص عنها فوجدت محزومة عليه فصارت أحق به في حكمهم.وقيل كان لأبي أمه صنم فسرقه وكسره وألقاه في الجيف.وقيل كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل . وقيل دخل كنيسة وأخذ تمثالاً صغيراً من الذهب . "فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم" أكنها ولم يظهرها لهم ،والضمير للإجابة أو المقالة أو نسبة السرقة إليه وقيل إنها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله: "قال أنتم شر مكاناً" فإنه بدل من أسرها .والمعنى قال في نفسه أنتم شر باعتبار الكلمة أو الجملة وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن ."والله أعلم بما تصفون"وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون.

قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

78."قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً" أي في السن أو القدر ،ذكروا له حاله استعطافاً له عليه ."فخذ أحدنا مكانه"بدله فإن أباه ثكلان على أخيه الهالك مستأنس به."إنا نراك من المحسنين"إلينا فأتمم إحسانك، أومن المتعودين بالإحسان فلا تغير عاداتك.

قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ

79."قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده" فإن أخذ غيره ظلم على فتواكم فلوا أخذنا أحدكم مكانه."إنا إذاً لظالمون" في مذهبكم هذا ، وإن مراده إن الله أذن في أخذ من وجدنا الصاع في رحله لمصلحته ورضاه عليه فلو أخذت غيره كنت ظالماً.

فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ ا

80."فلما استيأسوا منه " يئسوا من يوسف وإجابته إياهم ، وزيادة السن والتاء للمبالغة. " خلصوا"انفردوا واعتزلوا."نجياً"متناجين ، وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هم صديق ، وجمعه أنجية كندي وأندية "قال كبيرهم" في السن وهو روبيل ، أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا." ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله " عهداً وثيقاً ، و أنما جعل حلفهم بالله موثقاً منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته."ومن قبل "ومن قبل هذا."ما فرطتم في يوسف"قصرتم في شأنه ، و"ما"مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا، ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف ، أو على اسم "أن"وخبره في "يوسف"أو"من قبل"أو الرفع بالابتداء والخبر "من قبل"وفيه نظر ، لأن "قبل"إذا كان خبراً أو صلة لا يقطع عن الإضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي :ما فرطتموه بمعنى ما قدمتموه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم . "فلن أبرح الأرض "فلن أفارق أرض مصر ."حتى يأذن لي أبي "في الرجوع."أو يحكم الله لي"أو يقضي لي بالخروج منها، أو بخلاص أخي منهم أو بالمقاتلة معهم لتخليصه.روي : أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل: أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ،ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليه السلام لابنه: قم إلى جنبه فمسه ،وكان بنو يعقوب عليه السلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه. فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزراً من بزر يعقوب."وهو خير الحاكمين"لأن حكمه لا يكون إلا بالحق .

ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ

81."ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق"على ما شاهدناه من ظاهر الأمر . وقرئ"سرق"أي نشب إلى السرقة . "وما شهدنا"عليه ."إلا بما علمنا"بأن رأينا أن الصواع استخرج من وعائه."وما كنا للغيب"لباطن الحال. "حافظين"فلا ندري أنه سرق الصواع في رحله ، أو وما كنا للعواقب عالمين فلم ندر حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق ، أو أنكك تصاب به كما أصبت بيوسف.

وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ

82." واسأل القرية التي كنا فيها"يعنونمصر أو قرية بقربها لحقهم المنادي فيها، والمعنىأرسل إلى أهلها واسألهم عن القصة . " والعير التي أقبلنا فيها "وأصحاب العير التي تودخنا فيهم وكنا معهم ."وإنا لصادقون" بأكيد في محل الققسم .

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

83."قال بل سولت"أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال: "بل سولت"أي زينت وسهلت ."لكم أنفسكم أمراً"أردتموه فقدرتموه ، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته."فصبر جميل"أي فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل " عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً"بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر."إنه هو العليم"بحالي وحالهم ."الحكيم"في تدبيرهما.

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ

84."وتولى عنهم "وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم ." وقال يا أسفى على يوسف "أي يا أسفا تعال فهذا أوانك ،والأسف أشد الحزن والحسرة ، والألف بدل من ياء المتكلم ، وإنما تأسف على يوسف دون أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصبيات وكان غضاً آخذاً بمجامع قلبه، ولأنه كان واثقاً بحياتهما دون حياته، وفي الحديث: "لم تعط أمة من الأمم "إنا لله وإنا إليه راجعون"عند المصيبة إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم"ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال " يا أسفى ""وابيضت عيناه من الحزن "لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما.وقيل ضعف بصره. وقيل عمي، وقرئ "من الحزن"وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع ، و لعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد، ولقد "بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال:القلب يجزع والعين تدمع ،ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون""فهو كظيم"مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره ، فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى : "وهو مكظوم" من كظم السقاء إذا شده على ملئه،أو بمعنى فاعل كقوله:"والكاظمين الغيظ" من كظم الغيظ إذا اجترعه ، وأصله كظم البعير حرته إذا رجها في جوفه.

قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ

85." قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف "أي لا تفتأ ولا تزال تذكره تفجعاً عليه فحذف لا كما في قوله: فقلت يمين الله أبرح قاعدا لأنه لا يلتبس بالإثبات ، فإن القسم إذا لم يكن معه علامات الإثبات كان على النفي . "حتى تكون حرضاً" مريضاً مشفياً على الهلاك . وقيل الحرض الذي أذابه هم أو مرض ، وهو في الأصل مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع والنعت بالكسر كدنف ودنف . وقد قرئ به وبضمتين كجنب."أو تكون من الهالكين"من الميتين.

قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

86."قال إنما أشكو بثي وحزني "همي الذي لا أقدر الصبر عليه من لبث بمعنى النشر ."إلى الله"لا إلى أحد منكم ومن غيركم ، فخلوني و شكايتي ، "وأعلم من الله"من صنعه ورحمته فإنه لا يخيب داعيه ولا يدع الملتجئ إليه ، أن من الله بنوع من الإلهام ."ما لا تعلمون"من حياة يوسف . قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي . وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجداً.

يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ

87."يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه"فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس ."ولا تيأسوا من روح الله"ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه. وقرئ"من روح الله"أي من رحمته التي يحيا بها العباد ."إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"بالله وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال.

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ

88."فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز"بعدما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية . "مسنا وأهلنا الضر"شدةالجوع. "وجئنا ببضاعة مزجاة"رديئة أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها ،من أزجيته إذا دفعته ومنه تزجية الزمان.قيل كانت جراهم زيوفاً وقيل صوفاً وسمناً . وقيل الصنوبروالحبةالخضراء. وقيل الأقط وسويق المقل."فأوف لنا الكيل"فأتمم لنا الكيل."وتصدق علينا"برد أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة، أو بالزيادة على ما يساويها. واختلف في أن حرمة الصدقة تعم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو تختص بنبينا صلى الله عليه وسلم" إن الله يجزي المتصدقين "أحسن الجزاء والتصدق التفضل مطلقاً ،ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في القصر "هذه صدقة الله تصدق بها عليكم فاقبلوا صدقته"لكنه اختص عرفاً بما يبتغي به ثواب من الله تعالى.

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ

89"قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه"أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز و ذلة."إذ أنتم جاهلون"قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته ، وإنما قال ذلك تنصيحاً لهم وتحريضاً على التوبة ، وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريباً .وقيل أعطوه كتاب يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو فيه من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك، وإنما جهلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال أو لأنهم كانوا حينئذ صبياناً شياطين.

قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

90."قالوا أإنك لأنت يوسف"استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه .وقرأ ابن كثيرعلى الإيجاب .قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به ، وقيل تبسم فعرفوه بثناياه وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها."قال أنا يوسف وهذا أخي"من أبي وأمي ذكره تعريفاً لنفسه به،وتفخيماً لشأنه وإدخالاً له في قوله: "قد من الله علينا"أي بالسلامة والكرامة ."إنه من يتق"أي يتق الله." ويصبر"على البليات أو على الطاعات وعن المعاصي ."فإن الله لا يضيع أجر المحسنين"وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر.

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ

91."قالوا تالله لقد آثرك الله علينا" اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة."وإن كنا لخاطئين"والحال أن شأننا أنا كنا مذنبين بما فعلنا معك.

قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

92."قال لا تثريب عليكم "لا تأنيب علكم تفعيل من الثرب وهو الشحم الذي يغشى الكرش للإزالة كالتجليد، فاستعير للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب ماء الوجه."اليوم"متعلق بال"تثريب"أو بالمقدر للجار الواقع خبراً للـ"لا تثريب"والمعنى لا أثر بكم اليوم الذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام أو بقوله: "يغفر الله لكم"لأنه صفح عن جريمتهم حينئذ واعترفوا بها."وهو أرحم الراحمين"فإنه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب ، ومن كرم يوسف عليه الصلاة والسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا إليه وقالوا: إنك تدعونا بالبكرة و العشي إلى الطعام ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك ، فقال إن أهل مصر كانوا ينظرون إلى بالعين الأولى ويقولون: سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ ، ولقد شرفت بكم وعزمت في عيونهم حيث علموا أنكم اخوتي إني من حفدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام .

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ

93."اذهبوا بقميصي هذا"القميص الذي كان عليه. وقيل القميص المتوارث الذي كان في التعويذ."فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً"أي يرجع بصيراً أي ذا بصر. " وأتوني "أنتم وأبي."بأهلكم أجمعين"بنسائكم و ذراريكم ومواليكم.

وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ

94."ولما فصلت العير"من مصر وخرجت من عمرانها . "قال أبوهم"لمن حضره. "إني لأجد ريح يوسف"أوجده الله ريح ما عبق بقميصه من ريحه حين أقبل به إليه يهوذا من ثمانين فرسخاً ."لولا أن تفندون"تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم . ولذلك لا يقال عجوز مفندة لأن نقصان عقلها ذاتي.وجواب "لولا"محذوف تقديره لصدقتموني أو لقلت إنه قريب.

قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ

95."قالوا"أي الحاضرون."تالله إنك لفي ضلالك القديم"لفي ذهابك نعن الصواب قدماً بالإفراط في محبة يوسف وإكثار ذكره والتوقع للقائه.

فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

96."فلما أن جاء البشير"يهوذا.روي: أنه قال كما أحزنته بحمل قميصه الملطخ بالدم إليه فأفرحه بحمل هذا إليه. "ألقاه على وجهه"طرح البشير القميص على وجه يعقوب عليه السلام أو يعقوب نفسه."فارتد بصيراً"عاد بصيراً لما انتعش فيه من القوة . "قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون"من حياة يوسف عليه الصلاة والسلام ، وإنزال الفرح .وقيل إني أعلم كلام مبتدأ والمقول "لا تيأسوا من روح الله".أو "إني لأجد ريح يوسف".

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ

97."قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين"ومن حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه ويسأله المغفرة .

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

98."قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم"أخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة تحرياً لوقت الإجابة ، أو إلى أن يستحل لهم من يوسف أو يعلم أنه عفا عنهم فإن عفو المظلوم شرط المغفرة ،ويؤيده ما روي أنه استقبل القبلة قائماً يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبريل وقال إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة وهو إن صح فدليل على نبوتهم وأن ما صدر عنهم كان قبل استنبائهم

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ

99."فلما دخلوا على يوسف"روي أنه وجه إليه رواحل وأموالاً ليتجهز إليه بمن معه ، واستقبله يوسف والملك بأهل مصر وكان أولاده الذين دخلوا معه مصر اثنين وسبعين رجلاً وامرأة، وكانوا حين خرجوا مع موسى عليه الصلاة والسلام ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعين رجلاً سوى الذرية والهرمى . " آوى إليه أبويه "ضم إليه أباه وخالته واعتنقهما نزلها منزلة الأم تنزيل العم منزلة الأب في قوله تعالى: "وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق"أو لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام تزوجها بعد أمه والرابة تدعى أماً"وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"من القحط وأصناف المكاره، و المشئية متعلقة بالدخول المكيف بالأمن والدخول الأول كان في موضع خارج البلد حين استقبلهم.

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الش

100."ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً"تحية تكرمة له فإن السجود كان عندهم يجري مجراها . وقيل معناه خروا لأجله سجداً لله شكراً . وقيل الضمير لله تعالى و الواو لأبويه وإخوته والرفع مؤخر عن الخرور وإن قدم لفظاً للاهتمام بتعظيمه لهما."وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل" التي رأيتها أيام الصبا ."قد جعلها ربي حقاً"صدقاً"وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن"ولم يذكر الجب لئلا يكون تثريباً عليهم ."وجاء بكم من البدو"من البادي لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو."من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي "أفسد بيننا وحرش ،من نزغ الرائض الدابة إذا نخسها وحملها على الجري."إن ربي لطيف لما يشاء"لطيف التدبير له إذا ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته و يتسهل دونها."إنه هو العليم "بوجود المصالح والتدابير."الحكيم"الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى وجه يقتضي الحكمة . روي: أن يوسف طاف بأبيه عليهما الصلاة والسلام خزائنه فلما ادخله خزانة القراطيس قال : يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلي على ثمان مراحل قال: أمرني جبريل عليه السلام قال: أو ما تسأله قال: أنت أبسط مني إليه فاسأله فقال: جبريل : الله أمرني بذلك .لقولك:"وأخاف أن يأكله الذئب"قال فهلا خفتني.

رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

101."رب قد آتيتني من الملك"بعض الملك وهو ملك مصر. "وعلمتني من تأويل الأحاديث"الكتب أو الرؤيا، ومن أيضاً للتبعيض لأنه لم يؤت كل التأويل ."فاطر السموات والأرض"مبدعهما وانتصابه على أنه صفة المنادى أو منادى برأسه."أنت وليي"ناصري ومتولي أمري."في الدنيا والآخرة "أو الذي يتولاني بالنعمة فيهما."توفني مسلماً"اقبضي."وألحقني بالصالحين"من آبائي أو بعامة الصالحين في الرتبة والكرامة. روي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعاً وعشرين سنة ثم توفي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه، فذهب به ودفنه ثم عاد وعاش بعده ثلاثاً وعشرين سنة، ثم تاقت نفسه إلى الملك المخلد فتمنى الموت فتوفاه الله طيباً طاهراً ، فتخاصم أهل مصر في مدفنه حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء ، ثم يصل إلى مصر ليكونوا شرعاً فيه، ثم نقله موسى عليه الصلاة والسلام إلى مدفن آبائه وكان عمره مائة وعشرين سنة. وقد ولد له من راعيل افرثيم وميشا وهو جد يوشع بن نون، ورحمة أيوب عليه الصلاة والسلام .

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ

102."ذلك"إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف عليه الصلاة والسلام ،والخطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ."من أنباء الغيب نوحيه إليك" خبران له"وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون"كالدليل عليهما والمعنى : أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب ، وهم يمكرون به وبأبيه ليرسله معهم. ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحداً سمع ذلك فتعلمته منه، وإنما حذف هذا الشق استغناء بذكره في غير هذه القصة كقوله:"ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا".

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ

103."وما أكثر الناس ولو حرصت"على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم "بمؤمنين"لعنادهم وتصميمهم على الكفر.

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ

104."وما تسألهم عليه"على الإنباء أو القرآن ."من أجر"من جعل كما يفعله حملة الأخبار "إن هو إلا ذكر"عظة من الله تعالى"للعالمين"عامة.

وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ

105."و كأين من آية"وكم من آية .والمعنى وكأي عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكما لقدرته وتوحيده ."في السموات والأرض يمرون عليها"على الآيات ويشاهدونها ."وهم عنها معرضون" لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. وقرئ "والأرض"بالرفع على أنه مبتدأ خبره "يمرون"، فيكون لها الضمير في "عليها"وبالنصب على و يطؤون الأرض.وقرئ والأرض يمشون عليها أي يترددون فيها فيرون آثار الأمم الهالكة .

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ

106."وما يؤمن أكثرهم بالله"في إقرارهم بوجوده و خالقيته . "إلا وهم مشركون "بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أرباباً .ونسبة التبني إليه تعالى، أو القول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك ،وقيل الآية في مشركي مكة ، وقيل في المنافقين ، وقيل في أهل الكتاب.

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

107."أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله"عقوبة تغشاهم وتشملهم ."أو تأتيهم الساعة بغتةً"فجأة من غير سابقة علامة."وهم لا يشعرون"بإتيانها غير مستعدين لها.

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

108."قل هذه سبيلي "يعني الدعوة إلى التوحيد والإعداد للمعاد ولذلك فسر السبيل بقوله: "أدعو إلى الله "وقيل هو حال من الياء."على بصيرة"بيان وحجة واضحة غير عمياء."أنا"تأكيد للمستتر في"ادعو"أو "على بصيرة "لأنه حال منه أو مبتدأ خبره "على بصيرة"."ومن اتبعني"عطف عليه. "وسبحان الله وما أنا من المشركين"وأنزهه تنزيهاً من الشركاء.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ

109."وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً"رد لقولهم"لو شاء ربنا لأنزل ملائكة"وقيل معناه نفي استنباء النساء" نوحي إليهم "كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم .وقرأحفصنوحي في كل القرآن ووافقهحمزة والكسائيفي سورة الأنبياء ."من أهل القرى"لأن أهلها أعلم وأحلم من أهل البدو."أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم"من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك ، أو من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا عن حبها ."ولدار الآخرة "ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة ."خير للذين اتقوا" الشرك والمعاصي. "أفلا تعقلون" يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير .وقرأنافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء حملا على قوله:"قل هذه سبيلي"أي قل لهم أفلا تعقلون.

حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ

110."حتى إذا استيأس الرسل"غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تمادي أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى أيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا،أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع. "وظنوا أنهم قد كذبوا" أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون ، أو كذبهم القوم بوعد الإيمان. وقيل الضمير للمرسل إليهم أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد.وقيل الأول للمرسل إليهم والثاني للرسل أو وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم . وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر ،إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب على طريق الوسوسة . هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإمهال على سبيل التمثيل .وقرأ غير الكوفيين بالتشديد أي وظن الرسل أن القوم قد كذبوهم فيما أوعدوهم. وقرئ "كذبوا" بالتخفيف وبناء الفاعل أي وظنوا أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به عند قومهم لما تراخى عنهم ولم يروا له أثراً"جاءهم نصرنا فنجي من نشاء"النبي والمؤمنون إنما لم يعينهم للدلالة على أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم لا يشاركهم فيه غيرهم وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب على لفظ الماضي المبني للمفعول وقرئ فنجا"ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين"إذا نزل بهم وفيه بيان للمشيئين

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

111. "لقد كان في قصصهم"في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته "عبرة لأولي الألباب"لذوي العقول -المبرأة من شوائب الإلف والركون إلى الحس."ما كان حديثاً يفترى" ما كان القرآن حديثاً يفترى."ولكن تصديق الذي بين يديه"من الكتب الإلهية ."وتفصيل كل شيء"يحتاج إليه في الدين إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط "وهدىً"من الضلال."ورحمةً"ينال بها خير الدارين ."لقوم يؤمنون"يصدقونه "وعن النبي صلى الله عليه وسلم علموا أرقاءكم سورة يوسف ، فإنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلماً ".


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس