1-" لا أقسم بيوم القيامة " إدخال " لا " النافية على فعل القسم للتأكيد شائع في كلامهم قال امرؤ القيس : لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وقد مر الكلام فيه في قوله : " فلا أقسم بمواقع النجوم " وقرأ قنبل لأقسم بغير ألف بعد اللام وكذا روي عن البزي .
2-" ولا أقسم بالنفس اللوامة " بالنفس المتقية التي تلوم النفوس المقصرة في التقوى يوم القيامة على تقصيرها ، أو التي تلوم نفسها أبداً وإن اجتهدت في الطاعة أو النفس المطمئنة للنفس الأمارة أو بالجنس . " لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وتلوم نفسها يوم القيامة ،إن عملت خيراً قالت كيف لم أزدد وإن عملت شراً قالت يا ليتني كنت قصرت " . أو نفس آدم فإنها لم تزل تتلوم على ما خرجت به من الجنة ، وضمها إلى يوم القيامة لأن المقصود من إقامتها مجازاتها .
3-" أيحسب الإنسان " يعني الجنس وإسناد الفعل إليه لأن فيهم من يحسب ، أو الذي نزل فيه و"هو عدي بن أبي ربيعة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر القيامة ،فأخبره به فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك " . أو يجمع الله هذه العظام . " ألن نجمع عظامه " بعد تفرقها ، وقرئ أن لن يجمع على البناء للمفعول .
4-" بلى " نجمعها . " قادرين على أن نسوي بنانه " بجمع سلامياته وضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام ، أو " على أن نسوي بنانه " الذي هو أطرافه فكيف بغيرها ، وهو حال من فاعل الفعل المقدر بعد " بلى " ، وقرئ بالرفع أي نحن قادرون .
5-" بل يريد الإنسان " عطف على " أيحسب " فيجوز أن يكون استفهاماً وأن يكون إيجاباً لجواز أن يكون الإضراب عن المستفهم وعن الاستفهام ." ليفجر أمامه " ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان .
6-" يسأل أيان يوم القيامة " متى يكون يوم القيامة استبعاداً له أو استهزاء .
7-" فإذا برق البصر " تحير فزعاً من برق فدهش بصره ، وقرأ نافع بالفتح وهو لغة ، أو من البريق بمعنى لمع من شدة شخوصه ، وقرئ بلق من بلق الباب إذا انفتح .
8-" وخسف القمر " ذهب ضوؤه وقرئ على البناء للمفعول .
9-" وجمع الشمس والقمر " في ذهاب الضوء أو الطلوع من المغرب ، ولا ينافيه الخسوف فإنه مستعار للمحاق ، ولمن حمل ذلك أمارات الموت أن يفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر والجمع باستتباع الروح الحاسة في الذهاب ، أو بوصوله إلى من كان يقتبس منه نور العقل من سكان القدس ، وتذكير الفعل لتقدمه وتغليب المعطوف .
10-" يقول الإنسان يومئذ أين المفر " أي الفرار يقوله قول الآنس من وجدانه المتمني ، وقرئ بالكسر وهو المكان .
11-" كلا " ردع عن طلب المفر . " لا وزر " لا ملجأ مستعار من الحبل واشتقاقه من الوزر وهو الثقل .
12-" إلى ربك يومئذ المستقر " إليه وحده استقرار العباد ، أو إلى حكمه استقرار أمرهم ، أو إلى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار .
13-" ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر " بما قدم من عمل عمله وبما أخر منه لم يعمله ، أو بما قدم من عمل عمله وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة عمل بها بعده ، أو بما قدم من مال تصدق به وبما أخر فخلفه ، أو بأول عمله وآخره .
14-" بل الإنسان على نفسه بصيرة " حجه بينة على أعمالها لأنه شاهد بها ، وصفها بالبصارة على المجاز ، أو عين بصيرة فلا يحتاج إلى الإنباء .
15-" ولو ألقى معاذيره " ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به جمع معذار وهو العذر ، أو جمع معذرة على غير قياس بصيرة بها فلا يحتاج إلى الإنباء . " ولو ألقى معاذيره " ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به جمع معذار وهو العذر ، أو جمع معذرة على غير قياس كالمناكير في المنكر فإن قياسه معاذر وذلك أولى وفيه نظر .
16-" لا تحرك " يا محمد " به " القرآن ." لسانك " قبل أن يتم وحيه " لتعجل به " لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك .
17-" إن علينا جمعه " في صدرك " وقرآنه " وإثبات قراءته في لسانك وهو تعليك للنهي .
18-" فإذا قرأناه " بلسان جبريل عليك " فاتبع قرآنه " قراءته وتكرر فيه تعليل في ذهنك .
19-" ثم إن علينا بيانه " بيان ما أشكل عليك من معانيه ،وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ، وهو اعتراض بما يؤكد التوبيخ على حب العجلة إذا كانت مذمومة فيما هو أهم الأمور وأصل الدين فكيف بها في غيره ، أوبذكر ما اتفق في أثناء نزول هذه الآيات . وقيل الخطاب مع الإنسان المذكور والمعنى أنه يؤتى كتابه فيتلجلج لسانه من سرعة قراءته خوفاً ، فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به فإن علينا بمقتضى الوعد جمع ما فيه من أعمالك وقراءته ،فإذا قرأناه فاتبع قراءته بالإقرار أو التأمل فيه ، ثم إن علينا بيان أمره بالجزاء عليه .
20-" كلا " ردع للرسول عن عادة العجلة أو للإنسان عن الاغترار بالعاجل . " بل تحبون العاجلة " .
21-" وتذرون الآخرة " تعميم للخطاب إشعاراً بان بني آدم مطبوعون على الاستعجال وإن كان الخطاب للإنسان ، والمراد به الجنس فجمع الضمير للمعنى ويؤيده قراءة ابن كثير و ابن عامر و البصريان بالياء فيهما .
22-" وجوه يومئذ ناضرة " بهية متهللة .
23-" إلى ربها ناظرة " تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه ولذلك قدم المفعول ،وليس هذا في كل الأحوال حتى ينافيه نظرها إلى غيره ، وقيل منتظرة إنعامه ورد بأن الانتظار لا يسند إلى الوجه وتفسيره بالجملة خلاف الظاهر ، وأن المستعمل بمعناه لا يتعدى بإلى وقول الشاعر : وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما بمعنى السؤال فإن الانتظار لا يستعقب العطاء .
24-" ووجوه يومئذ باسرة " شديدة العبوس والباسل أبلغ من الباسر لكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه .
25-" تظن " تتوقع أربابها . " أن يفعل بها فاقرة " داهية تكسر الفقار .
26-" كلا " ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة . " إذا بلغت التراقي " إذا بلغت النفس أعالي الصدر وإضمارها من غير ذكر لدلالة الكلام عليها .
27-" وقيل من راق " وقال حاضر وصاحبها من يرقيه مما به من الرقية ، أو قال ملائكة الموت أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب من الرقي .
28-" وظن أنه الفراق " وظن المحتضر أن الذي نزل به فراق الدنيا ومحابها .
29-" والتفت الساق بالساق " والتوت ساقه بساقه فلا يقدر على تحريكهما ، أو شدة فراق الدنيا بشدة خوف الآخرة .
30-" إلى ربك يومئذ المساق " سوقه إلى الله تعالى وحكمه .
31-" فلا صدق " ما يجب تصديقه ، أو فلا صدق ماله أي فلا زكاة . " ولا صلى " ما فرض عليه والضمير فيهما للإنسان المذكور في " أيحسب الإنسان " .
32-" ولكن كذب وتولى" عن الطاعة .
33-" ثم ذهب إلى أهله يتمطى " يتبختر افتخاراً بذلك من المط ، فإن المتبختر يمد خطاه فيكون أصله يتمطط ،أو من المط وهو الظهر فإنه يلويه .
34-" أولى لك فأولى " ويل لك من الولي ، وأصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما في " ردف لكم " أو " أولى لك " الهلاك . وقيل أفعل من الويل بعد القلب أدنى من أدون ، أو فعلى من ال يؤول بمعنى عقباك النار .
35-" ثم أولى لك فأولى " أي يتكرر ذلك عليه مرة بعد أخرى .
36-" أيحسب الإنسان أن يترك سدى " مهملاً لا يكلف ولا يجازى ، وهو يتضمن تكرير إنكاره للحشر والدلالة عليه من حيث إن الحكمة تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن القبائح ، والتكاليف لا يتحقق إلا بالمجازاة وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة .
37-" ألم يك نطفةً من مني يمنى ".
38-" ثم كان علقةً فخلق فسوى " فقدره فعدله .
39-" فجعل منه الزوجين " للصنفين " الذكر والأنثى " وهو استدلال آخر بالإبداء على الإعادة على ما مر تقريره مراراً ولذلك رتب عليه قوله :
40-" أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى " . عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان إذا قرأها قال سبحانك بلى " . وعنه صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة القيامة شهدت له أنا وجبريل يوم القيامة أنه كان مؤمناً به " .