1-" يا أيها المدثر " أي المتدثر وهو لابس الدثار . " روي أنه عليه الصلاة والسلام قال كنت بحراء فتوديت فتظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئاً ، فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض - يعني الملك الذي ناداه - فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت : دثروني ، فنزل جبريل وقال : " يا أيها المدثر " ولذلك قيل هي أول سورة فنزلت " ، وقيل " تأذى من قريش فتغطى بثوبه مفكراً ، أو كان نائماً مدثراً فنزلت " ، وقيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية ، أو المختفي فإنه كان بحراً كالمختفي فيه على سبيل الاستعارة ، وقرئ " المدثر " أي الذي دثر هذا الأمر وعصب به .
2-" قم " من مضجعك أو قم قيام عزم وجد . " فأنذر " مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله : " وأنذر عشيرتك الأقربين " أو قوله : " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً " .
* 3-" وربك فكبر " وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقداً وقولاً ،روي أنه لما نزل كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيقن أنه الوحي ، وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والفاء فيه وفيما بعده لإفادة معنى الشرط وكأنه قال : ومن يكن فكبر ربك ، أو الدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك والتشبيه ، فإن أول ما يجب معرفة الصانع وأول ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه ، والقوم كانوا مقرين به .
4-" وثيابك فطهر " من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها ن وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها ، وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة ، أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة والأفعال الدنيئة ، فيكون أمراً باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القوة النظرية والدعاء إليه ، أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر .
5-" والرجز فاهجر " فاهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك وغيره من القبائح ، وقرأ يعقوب و حفص والرجز بالضم وهو لغة كالذكر .
6-" ولا تمنن تستكثر " أي لا تعط مستكثراً ، نهى عن الاستفزاز وهو أن يهب شيئاً طامعاً في عوض أكثر ، نهي تنزيه أو نهياً خاصاً به لقوله عليه الصلاة والسلام " المستفزز يثاب من هبته " والموجب له ما فيه من الحرص والصنة ، أو " لا تمنن " على الله تعالى بعبادتك مستكثراً إياها ، أو على الناس بالتبليغ به الأجر منهم أو مستكثراً إياه ، وقرئ " تستكثر " بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنه من بكذا ، أو " تستكثر " بمعنى تجده كثيراً وبالنصب على إضمار أن ، وقد قرئ بها على هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها ، كما روي : احضر الوغى . بالرفع .
7-" ولربك " لوجهه أو أمره . " فاصبر " فاستعمل الصبر ، أو فاصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين .
8-" فإذا نقر " نفخ . " في الناقور " في الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت ، والفاء للسببية كأنه قال : اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وأعداؤك عاقبة ضرهم ، و إذا ظرف لما دل عليه قوله :
9-" فذلك يومئذ يوم عسير " .
10-" على الكافرين " لأن معناه عسر الأمر على الكافرين ، وذلك إشارة إلى وقت النقر ، وهو مبتدأ خبره " يوم عسير " و " يومئذ " بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير : فذلك الوقت وقت وقوع " يوم عسير " . " غير يسير " تأكيد يمنع أن يكون عسيراً عليهم من وجه ويشعر بيسره على المؤمنين .
11-" ذرني ومن خلقت وحيداً " نزلت في الوليد بن المغيرة ، و " وحيداً " حال من الياء أي ذرني وحدي معه فإني أكفيكه ، أو من التاء أي ومن خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد ، أو من العائد المحذوف أي من خلقته فريداً لا مال له ولا ولد ، أو ذم فإنه كان ملقباً به فسماه الله به تهكماً ، أو إرادة أنه وحيد ولكن في الشرارة أو عن أبيه فإنه كان زنيماً .
12-" وجعلت له مالاً ممدوداً " مبسوطاً كثيراً أو ممداً بالنماء ، وكان له الزرع والضرع والتجارة .
13-" وبنين شهوداً " حضوراً معه بمكة يتمتع بلقائهم لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته، ولا يحتاج إلى أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه ، أو في المحافل والأندية لوجاهتهم واعتبارهم . قيل كان له عشرة بنين أو أكثر كلهم رجال ، فأسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام .
14-" ومهدت له تمهيداً " وبسطت له الرياسة والجاه العريض حتى لقب ريحانة قريش والوحيد أي باستحقاقه الرياسة والتقدم .
15-" ثم يطمع أن أزيد " على ما أوتيه وهو استبعاد لطمعه أما لأنه لا مزيد على ما أوتي ، أو لأنه لا يناسب ما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم ولذلك قال :
16-" كلا إنه كان لآياتنا عنيداً " فإنه ردع له عن الطمع وتعليل للردع على سبيل الاستئناف بمعاندة آيات المنعم المناسبة لإزلة النعمة المانعة عن الزيادة قيل : ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله حتى هلك .
17-" سأرهقه صعوداً " سأغنيه عقبة شاقة المصعد ، وهو مثل لما يلقى من الشدائد . وعنه عليه الصلاة والسلام " الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبداً " .
18-" إنه فكر وقدر " تعليل أو بيان للعناد ، والمعنى فكر فيما يخيل طعناً في القرآن وقدر في نفسه ما يقول فيه .
19-" فقتل كيف قدر " تعجب من تقديره واستهزاء به ، أو لأنه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه من قولهم : قتله الله ما أشجعه ، أي بلغ في الشجاعة مبلغاً يحق أن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك روي " أنه مر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ " حم " السجدة ، فأتى قومه وقال لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس والجن ، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى . فقالت قريش صباً الوليد فقال ابن أخيه أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فناداهم فقال : تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق ، وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن ، وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً ، فقالوا لا فقال : ما هو إلا ساحراً أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ، ففرحوا بقوله وتفرقوا عنه متعجبين منه " .
20" ثم قتل كيف قدر " تكرير للمبالغة وثم للدلالة على أن الثانية أبلغ من الأولى وفيما بعد على أصلها .
21-" ثم نظر " أي في أمر القرآن مرة بعد أخرى .
22-" ثم عبس " قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعناً ولم يدر ما يقول ، أو نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطب في وجهه . " وبسر " اتباع لعبس .
23-" ثم أدبر " عن الحق أو الرسول عليه الصلاة والسلام ." واستكبر " عن اتباعه .
24-" فقال إن هذا إلا سحر يؤثر " يروى ويتعلم ، والفاء للدلالة على أنه لما خطوت هذه المكالمة بباله تفوه بها من غير تلبث وتفكر .
25-" إن هذا إلا قول البشر " كالتأكيد للجملة الأولى ولذلك لم يعطف عليها .
26-" سأصليه سقر " تفخيم لشأنها وقوله تعالى :
27-" وما أدراك ما سقر " تفخيم لشأنها وقوله :
28-" لا تبقي ولا تذر " بيان لذلك أو حال من سقر ، والعامل فيها معنى التعظيم والمعنى لا تبقي على شيء يلقى فيها ولا تدعه حتى تهلكه .
29-" لواحة للبشر " أي مسودة لأعالي الجلد ، أو لائحة للناس وقرئت بالنصب على الاختصاص .
30-" عليها تسعة عشر " ملكاً أو صنفاً من الملائكة يلون أمرها ، والمخصص لهذا العدد أن اختلال النفوس البشرية في النظر والعمل بسبب القوى الحيوانية الاثنتي عشرة والطبيعية السبع ، أو أن لجهنم سبع دركات ست منها لأصناف الكفار وكل صيف يعذب بترك الاعتقاد والإقرار ، أو العمل أنواعاً من العذاب تناسبها على كل نوع ملك أو صنف يتولاه وواجده لعصاة الأمة يعذبوك فيها بترك العمل نوعاً يناسبه ويتولاه ملك ، أو صنف أو أن الساعات أربع وعشرون خمسة منها مصروفة في الصلاة فيبقى تسعة عشر قد تصرف فيما يؤاخذ به بأنواع من العذاب يتولاها الزبانية ، وقرئ " تسعة عشر " بسكون العين كراهة توالي حركات فيها هو كاسم واحد و تسعة عشر جمع عشير كيمين وأيمن ،أي تسعة كل عشير جمع يعني نقيبهم أو جمع عشر فتكون تسعين .
31-" وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكةً " ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقون لهم ولا يستروحون إليهم ، ولأنهم أقوى الخلق بأساً وأشدهم غضباً لله . روي أن أبا جهل لما سمع عليها تسعة عشر قال لقريش : أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فنزلت . " وما جعلنا عدتهم إلا فتنةً للذين كفروا " وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم وهو التسعة عشر ، فعبر بالأثر عن المؤثر تنبيهاً على أنه لا ينفك منه وافتتانهم به استقلالهم واستهزاؤهم به واستبعادهم أن يتولى هذه العدد القليل تعذيب أكثر الثقلين ، ولعل المراد الجعل بالقول ليحسن تعليله بقوله : " ليستيقن الذين أوتوا الكتاب " أي ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق القرآن لما رأوا ذلك موافقاً لما في كتابهم . " ويزداد الذين آمنوا إيمانا " بالإيمان به وبتصديق أهل الكتاب به . " ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون " أي في ذلك وهو تأكيد للاستيقان وزيادة الإيمان به وبتصديق أهل الكتاب له . " ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون " أي في ذلك وهو تأكيد للاستيقان وزيادة الإيمان ونفي لما يعرض للمتيقن حيثما شبهة " وليقول الذين في قلوبهم مرض " شك أو نفاق ، فيكون إخباراً بمكة عم سيكون في المدينة بعد الهجرة . " والكافرون " الجازمون في التكذيب . " ماذا أراد الله بهذا مثلاً " أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل ، وقيل لما استبعدوه حسبوا أنه مثل مضروب . " كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء " مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدي المؤمنين . " وما يعلم جنود ربك " جموع خلقه على ما هم عليه . " إلا هو " إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات والاطلاع على حقائها وصفاتها وما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه من كم وكيف واعتبار ونسبة . "وما هي " وما سقر أو عدة الخزنة أو السورة . " إلا ذكرى للبشر " إلا تذكرة لهم .
32-" كلا " ردع لمن أنكرها ، أو إنكار لأن يتذكروا بها . " والقمر " .
33-" والليل إذ أدبر " أي أدبر كقبل بمعنى أقبل ، وقرأ نافع و يعقوب و حفص إذا دبر على المضي .
34-" والصبح إذا أسفر " أضاء .
35-" إنها لإحدى الكبر " أي لأحدى البلايا الكبر كثيرة و " سقر " واحدة منها ، وإنما جمع كبرى على كبر إلحاقاً لها بفعله تنزيلاً للألف منزلة التاء كما ألحقت قاصعاء بقاصعة فجمعت على قواصع ، والجملة جواب القسم أو تعليل لـ" كلا " ، والقسم معترض للتأكيد .
36-" نذيراً للبشر " تمييز أي " لإحدى الكبر " إنذاراً أو حال عما دلت عليه الجملة أي كبرت منذرة ، وقرئ بالرفع خبراً ثانياً أو خبراً لمحذوف .
37-" لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " بدل من " للبشر " أي نذيراً للمتمكنين من السبق إلى الخير والتخلف عنه ، أو " لمن شاء " خبر لـ" أن يتقدم " فيكون في معنى قوله : " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " .
38-" كل نفس بما كسبت رهينة " مرهونة عند الله مصدر كالشكيمة أطلقت للمفعول كالرهن ولو كانت صفة لقيل رهين .
39-" إلا أصحاب اليمين " فإنهم فكوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم ، وقيل هم الملائكة أو الأطفال .
40-" في جنات " لا يكتنه وصفها وهي حال من " أصحاب اليمين " ، أو ضميرهم في قوله : " يتساءلون " .
41-" عن المجرمين " أي يسأل بعضهم بعضاً أو يسألون غيرهم عن حالهم كقولك تداعيناه أي دعوناه وقوله :
42-" ما سلككم في سقر " بجوابه حكاية لما جرى بين المسؤولين والمجرمين أجابوا بها .
43-" قالوا لم نك من المصلين " الصلاة الواجبة .
44-" ولم نك نطعم المسكين " أي ما يجب إعطاؤه ، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع .
45-" وكنا نخوض " نشرع في الباطل . " مع الخائضين " مع الشارعين فيه .
46-" وكنا نكذب بيوم الدين " أخره لتعظيمه أي وكنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة .
47-" حتى أتانا اليقين " الموت ومقدماته .
48-" فما تنفعهم شفاعة الشافعين " لو شفعوا لهم جميعاً .
49-" فما لهم عن التذكرة معرضين " أي معرضين عن التذكرة يعني القرآن ،أو ما يعمه و " معرضين " حال .
50-" كأنهم حمر مستنفرة " شبههم في إعراضهم ونفارهم عن استماع الذكر بحمر نافرة .
51-" فرت من قسورة " أي أسد فعولة من القسر وهو القهر .
52-" بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرةً " قراطيس تنشر وتقرأ وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لن نتبعك حتى تأتي كلامنا بكتاب من السماء فيه من الله إلى فلان اتبع محمداً .
53-" كلا " ردع لهم عن اقتراحهم الآيات ." بل لا يخافون الآخرة " فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف .
54-" كلا " ردع عن إعراضهم . " إنه تذكرة " وأي تذكرة .
55-" فمن شاء ذكره " فمن شاء أن يذكره .
56-" وما يذكرون إلا أن يشاء الله " ذكرهم أو مشيئتهم كقوله : " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " وهو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة الله تعالى ، وقرأ نافع تذكرون بالتاء وقرئ بهما مشدداً . " هو أهل التقوى " حقيق بأن يتقى عقابه . " وأهل المغفرة " حقيق بأن يغفر لعباده المتقين منهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المدثر أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق محمد عليه الصلاة والسلام وكذب به بمكة شرفها الله تعالى " .