1-" يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " خص النداء وعم الخطاب بالحكم لأنه أمام أمته فنداؤه كندائهم ، أو لأن الكلام معه والحكم يعمهم . والمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة الشارع فيه . "فطلقوهن لعدتهن " أي في وقتها وهو الطهر ، فإن اللام في الأزمان ومن يشبهها للتأقيت ، ومن عد العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات ، وظاهره يدل على أن العدة بالأطهار وأن طلاق المعتدة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر ، وأنه يحرم في الحيض من حيث إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده ولا يدل على عدم وقوعه ، إذ النهي لا يستلزم الفساد كيف وقد صح "أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما طلق امرأته حائضاً أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرجعة" وهو سبب نزوله . " وأحصوا العدة " واضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء . " واتقوا الله ربكم " في تطويل العدة والإضرار بهن . " لا تخرجوهن من بيوتهن " من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن . "ولا يخرجن " باستبدادهن أما لو اتفقنا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما ، وفي الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقهما السكنى ولزومها ملازمة مسكن الفراق وقوله : " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " مستثنى من الأول ،والمعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها ، أو إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ، أو من الثاني للمبالغة في النهي والدلالة على أن خروجها فاحشة . " وتلك حدود الله " الإشارة إلى الأحكام المذكورة . " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " بأن عرضها للعقاب . " لا تدري " أي النفس أو أنت أيها النبي أو المطلق . " لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " وهو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف .
2-" فإذا بلغن أجلهن " شارفن آخر عدتهن " فأمسكوهن " فراجعوهن . " بمعروف " بحسن عشرة وإنفاق مناسب . " أو فارقوهن بمعروف " بإيفاء الحق واتقاء الضرار مثل أن يراجعها ثم يطلقها تطويلاً لعدتها . " وأشهدوا ذوي عدل منكم " على الرجعة أو الفرقه تبرياً عن الريبة وقطعاً للتنازع ،وهو ندب كقوله تعالى :" وأشهدوا إذا تبايعتم " وعن الشافعي وجوبه في الرجعة . " وأقيموا الشهادة " أيها الشهود عند الحاجة . " لله " خالصاً لوجهه . " ذلكم يوعظ به " يريد الحث على الإشهاد والإقامة ، أو على جميع ما في الآية . " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " فإنه المنتفع به والمقصود بذكره . " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً " .
3-" ويرزقه من حيث لا يحتسب " جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحاً أو ضمناً من الطلاق في الحيض ، والإضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكن ، وتعدي حدود الله وكتمان الشهادة وتوقع جعل على إقامتها بأن يجعل الله له مخرجاً مما في شأن الأزواج من المضايق والغموم ، ويرزقه فرجاً وخلفاً من وجه لم يخطر بباله ، أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون . أو كلام به للاستطراد عند ذكر المؤمنين . وعنه صلى الله عليه وسلم " إني لأعلم آية لو أخد الناس بها لكفتهم . " ومن يتق الله " فما زال يقرؤها ويعيدها " . وروي أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو ، فشكا أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " اتق الله وأكثر قول : لا حول ولا قوة إلا بالله . ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها " و في رواية " رجع ومعه غنيمات ومتاع " . " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " كافية . " إن الله بالغ أمره " يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد ، وقرأ حفص الإضافة ، وقرئ " بالغ أمره " أي نافذ و بالغا على أنه حال والخبر : " قد جعل الله لكل شيء قدراً " تقديراً أو مقدراً ، أو أجلاً لا يتأتى تغييره ، وهو بيان لوجوب التوكل وتقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة والأمر بإحصائها ، وتمهيد لما سيأتي من مقاديرها .
4-" واللائي يئسن من المحيض من نسائكم " لكبرهن . " إن ارتبتم " شككتم في عدتهن أي جهلتهم . " فعدتهن ثلاثة أشهر " روي أنه لما نزل " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " قيل فما عدة اللاتي لم يحضن فنزلت . " واللائي لم يحضن " أي واللاتي لم يحضن بعد كذلك . " وأولات الأحمال أجلهن " منتهى عدتهن . " أن يضعن حملهن " وهو حكم يعم المطلقات والمتوفى عنهم أزواجهن ، والمحافظة على عمومه أولى من محافظة عموم قوله تعالى : "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً " لأن عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجاً بالعرض ، والحكم مطل ها هنا بخلافه ثمة ،ولأنه صح "أن سبيعة بنت الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فتزوجي " ، ولأنه متأخر النزول فتقديمه في العمل تخصيص وتقديم الآخر بناء للعام على الخاص والأول راجح للوفاق عليه . " ومن يتق الله " في أحكامه فيراعي حقوقها . " يجعل له من أمره يسراً " يسهل عليه أمره ويوفقه للخير .
5-" ذلك أمر الله " إشارة إلى ما ذكر من الأحكام " أنزله إليكم ومن يتق الله " في أحكامه فيراعي حقوقها " يكفر عنه سيئاته " فإن الحسنات يذهبن السيئات " ويعظم له أجراً " بالمضاعفة .
6-" أسكنوهن من حيث سكنتم " أي مكان من مكان سكناكم " من وجدكم " من وسعكم أي مما تطيقونه ، أو عطف بيان لقوله من " حيث سكنتم " . " ولا تضاروهن " في السكنى " لتضيقوا عليهن " فتلجئوهن إلى الخروج . " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فيخرجن من العدة ، وهذا يدل على اختصاص استحقاقه النفقة بالحامل من المعتدات والأحاديث تؤيده . " فإن أرضعن لكم " بعد انقطاع علقة النكاح . " فآتوهن أجورهن " على الإرضاع . " وأتمروا بينكم بمعروف " ليأمر بعضكم بعضاً بجميل في الإرضاع والأجر . " وإن تعاسرتم " تضايقتم ." فسترضع له أخرى " امرأة أخرى ، وفيه معاتبة للأم على المعاسرة .
7-" لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " أي فلينفق كل من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه . " لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها " فإنه تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها ، وفيه تطييب لقب المعسر ولذلك وعد له باليسر فقال : " سيجعل الله بعد عسر يسراً " أي عاجلاً وآجلاً .
8-" وكأين من قرية " أهل قرية " عتت عن أمر ربها ورسله " أعرضت عنه إعراض العاتي المعاند " فحاسبناها حساباً شديداً " بالاستقصاء والمناقشة . " وعذبناها عذاباً نكراً " منكراً والمراد حساب الآخرة ، وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق .
9-" فذاقت وبال أمرها " عقوبة كفرها ومعاصيها . " وكان عاقبة أمرها خسراً " لا ربح فيه أصلاً .
10-" أعد الله لهم عذاباً شديداً " تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها في قوله :" فاتقوا الله يا أولي الألباب " ويجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحف الحفظة ، وبالعذاب ما أصيبوا به عاجلاً . " الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكراً " .
11-" رسولاً " يعني بالذكر جبريل عليه السلام لكثرة ذكره ، أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، أو لأنه مذكور في السموات أو ذا ذكر أي شرف ، أو محمد عليه الصلاة والسلام لمواظبته على تلاوة القرآن ، أو تبليغه وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحاً ، أو لأنه مسبب عن إنزال الوحي إليه ،وأبدل منه " رسولاً " للبيان أو أراد به القرآن ، و " رسولاً " منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكراً مصدر ورسولاً مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة . "يتلو عليكم آيات الله مبينات " حال من اسم " الله " أو صفة " رسولاً " ، المراد بـ" الذين آمنوا " في قوله : " ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات " الذين آمنوا بعد إنزاله أي ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح أو ليخرج من علم أو قدر أنه يؤمن " من الظلمات إلى النور " من الضلالة إلى الهدى " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً " وقرأ نافع و ابن عامر ندخله بالنون . " قد أحسن الله له رزقاً " فيه تعجيب وتعظيم لما رزقوا من الثواب .
12-" الله الذي خلق سبع سماوات " مبتدأ وخبر . " ومن الأرض مثلهن " أي وخلق مثلهن في العدد من الأرض ، وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر : " يتنزل الأمر بينهن " أي يجزي أمر الله وقضاؤه بينهن وينفذ حكمه فيهن . "لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً " علة لـ" خلق " أو لـ" يتنزل " ، أو مضمر يعمهما فإن كلا منهما يدل على كمال قدرته وعلمه . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" .